تفجر فضيحة فساد ورشا يطول كبريات شركات السيارات الأوروبية

تفجر فضيحة فساد ورشا يطول كبريات شركات السيارات الأوروبية

كانت البداية رسالة إلكترونية وجدها معظم الموظفين في شركة فاوريسيا لتصنيع وتوريد قطع وأجزاء السيارات الفرنسية . تحدثت الرسالة عن بدء التحريات حول الاشتباه في العديد من مديري مصانع السيارات الألمانية بقبول الرشوة والفساد وكان من نتائج الخبر تورط الشركة الفرنسية في هذه الفضيحة، فالرشاوى كان مصدرها شركة فاوريسيـا دفعتها مقابل التفضيل والأولوية للحصول على الطلبات و العطاءات.

الشركة الفرنسية فاوريسيا متخصصة في صناعة مقاعد السيارات واشتهرت في الآونة الأخيرة من خلال صناعة فلتر تنقيـة حبيبات الديزل الخارجة من عادم السيارة, لكن الآن ومنذ تفجر الفضيحة الأخيرة أضحى واضحـا لموظفي قسم المبيعات والتسويق في الشركة بأن عملهم في جلب الطلبات والتعهدات أصبح أصعب بكثير عما كان عليه في السابق.

منذ ذلك الوقت تفاقمت الأزمة في أروقة الشركة فاوريسيا، وغاصت أقدامها أكثر فأكثر في أوحال الفضيحة، حتى إنها طالت الأدوار العليا في إدارة الشركة. فكما يزعم تتبلور تحريات نيابـة مدينة فرانكفورت العامة حول رئيس الشركة بيير ليفي الذي يقود الشركة فاوريسيا منذ عام 1999 والتي تمتلك شركة صناعة السيارات الفرنسية بيجو - ستروين النصيب الأكبر من أسهمها. هذا وصرّح ليفي أنه يعمل بتعاون على مستوى ضيق مع القضاء، حيث قال تمكيناً وحفظاً لمصالح فاوريسيا يجب أن تتضح تماما جميع جوانب القضية المبهمة.

لكن ومن جهـة أخرى بدت شركات السيارات نفسها متورطة أيضا في هذه الفضيحة. فما أن مضى عام على فضيحة شركة السيارات الألمانية المعروفة فولكس فاجن حيث ارتجت قوائم الشركة بفضيحة رشا على حساب الشركة، التي اضطر على أثرها مدير العمل بيتر هارتس ورئيس مجلس العمال كلاوس فولكرت إلى الاستقالة، حتى منيت بفضيحة أخرى، فمصنع السيارات فولكس فاجن متورط أيضا في فضيحة الشركة الفرنسية فاوريسيا. حيث إن العديد من الموظفين العاملين في مصنع الشركة الرئيسية وكذلك في الشركة الفرعيـة أودي متهمون بقبول رشا من الفرنسيين وشركة فاوريسيا.

الفضيحة لم تقتصر فقط على شركة صناعة السيارات فولكس فاجن فحسب بل شملت أيضا مجموعة بي ام دبليو حيث تحقق النيابة العامة حاليا حول العلاقة ما بين قضية الرشا الآخذة في التصاعد منذ عام تقريبا في مصنع بي إم دبليو مع قضية فاوريسيا. في دائرة المتورطين في فضيحة تزويد قطع وأجزاء السيارات مقابل خدمات شخصية مع الشركة الفرنسية فاوريسيا، حتى ظهرت الشركة الألمانية من القطاع المتوسط ام أند اش - M&H، وجرامر اوند دريكسل ماير وكذلك الشركة الأمريكية صاحبة المليارات لير كوربوريشن. وحسب تصريحات النيابة العامة في مدينة ميونخ الألمانية من المحتمل أنها وعلى مدى سنين طويلة دفعت مبالغ وصلت إلى مئات الآلاف من باب الرشوة.

قضيـة فاوريسيا تشغل النيابة العامة في فرانكفورت منذ عام تقريبا، فحاليا يبلغ عدد المتهمين المتورطين في الفضيحة ما يقارب 20 شخصاً. فقد ذكرت النيابة العامة على لسان متحدث رسمي أن فاوريسيا متهمة بأنها كانت تدفع سنويا منذ عام 1998 - على أقصى حد - رشا تراوحت بين 600 و800 ألف يورو للعديد من موظفي قسم المشتريات في مصانع السيارات الألمانية. جزء من هذه المبالغ دفع نقدا، وهذا ما يجعل الدائرة تضيق على مجلس الإدارة بكونها على دراية بالتعاملات المشبوهة النابعة من أقسام الشركة. حيث إنه في العادة لا يحصل موظفو قسم التسويق على مبالغ نقدية، بل يخصمون الدعوات والدعايات الموجهة لموظفي المشتريات في مصانع السيارات عن طريق بطاقات الائتمان البنكيـة.

من جانبها تسعى النيابة العامة في فرانكفورت إلى تجميع القضية القائمة ضد الشركة فاريسيا في مكان واحد. كما ورد على لسان رئيس النيابة العامة توماس بيشتل الذي قال النقاشات تدور حاليا بين النيابة العامة في ميونخ وبيننا حول ربط القضية ما بين النيابتين. هذه القضية وضعت جميع قطاع مزودي قطع وأجزاء السيارات في دائرة الشكوك. فحسب ما أفاد به أحد رؤساء شركات التزويد الألمانية فإن طريقة الحصول على تعهدات تصنيع من مصانع السيارات تتم بطرق غامضة، وقال هناك تتم المفاصلة حتى آخر سنت وفي النهاية يساوم حول اتفاق الدفع.

في العادة تعتمد شركات تزويد قطع وأجزاء السيارات في ألمانيا المتوسطة على مصانع السيارات المحلية مثل فولكس فاجن و مرسيدس بنز وبي إم دبليو. وإذا ما انقطعت هذه الطلبات فإن وجود وكيان الشركة يبقى معرضا للخطر. فالاعتماد عميق ومتأصل، حتى إن شركات التوريد الضخمة مثل فاوريسيا مرتبطة تمام الارتباط بأسعار الاتفاقات المفروضة من مصنعي السيارات أو وجهة خطوط إنتاجها معتمدة على وجهة ورغبة شركات السيارات بصورة كاملة. فعلى سبيل المثال قامت فاوريسيا ببناء مصانعها لإنتاج مقاعد السيارات وغرف القيادة والدعامات الأمامية بجانب مصنع بي إم دبليو في مدينة لايبزيج في شرق ألمانيا، وذلك حتى تستطيع توريد القطع والأجزاء للموديل 300 في الموعد المحدد.

في نظر شركات تزويد قطع وأجزاء السيارات تعتبر الشركتان الأمريكيتان فورد وجنرال موتورز من أسوأ الشركات في المساومة حول الأسعار. ففي الولايات المتحدة الأمريكية قامت بعض شركات التزويد بإعلان الإفلاس لهذا السبب، منها شركة دلفي التي كان لها وزن كبير في هذا القطاع. فحسب ما توصلت إليه شركة الاستشارات المتخصصة في أمور إعادة إصلاح هيكلة الشركات، فإن ربع شركات تزويد السيارات يعانون في الوقت الحالي أزمة مالية حادة، فبينما يبلغ عدد شركات التزويد التي تحتاج إلى إصلاح مالي 13 في المائة في أوروبا، تبلغ هذه النسبة في أمريكا ما يزيد على 38 في المائة.

وفي السياق نفسه تزايد الضغط في الحصول على طلبات تعهدات جديدة وذلك من الأجل الإبقاء على كيان الشركة قائما. لهذا لا يبقى لشركات التزويد مفرٌ من دفع الرشا هذا بلا شك يلقى ترحيبا من قسم المشتريات في شركات صناعة السيارات.

في فضيحة فاوريسيا يقف في بؤرة التحقيقات مسؤولان اثنان وموظف في قسم المشتريات في شركة فولكس فاجن، فالأشخاص الثلاثة توجه إليهم تهمة قبول رشا بمئات الآلاف من اليورو من الشركة فاوريسيا مقابل أولوية الحصول على طلبات لصناعة أجزاء سيارات. وبجانب المبالغ النقدية حصل الرجال الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم ما بين 46 و 64 عاما حسب التحريات الأولية على رحلات عطل سياحية وأثاث منزلي في المقابل. الفارق في هذه الفضيحة هو الموظف في قسم المشتريات في شركة أودي الألمانية الذي يحل حالياً ضيفاً في سجن الاحتياط على ذمة التحقيق. فالنيابة العامة لا توجه إليه تهمة قبول رشوة نقدية بقيمة 160 ألف يورو فحسب. بل الموظف المسؤول طالب مصرّا من إحدى شركات تزويد قطع وأجزاء السيارات في سويسرا توظيف صديقته البالغة من العمر 32 عاما في مقابل إعطاء الأولوية في الطلبات وبراتب شهري يتجاوز ثلاثة آلاف يورو.

الأكثر قراءة