الإعلام الهادف.. إعلام المستقبل

كعادته ـــ حفظه الله ـــ خادم الحرمين الشريفين، وفي مستهل تفاصيل أمره الملكي رقم (أ/93) وتاريخ 25/5/1432هـ، شخَّص وحدد وأوجز، أن اختلاف الآراء وتنوع الاجتهادات مصدر إثراء يضاف لرصيدنا العلمي وأفقنا المعرفي، في ضوء ما أرشد إليه سلفنا الصالح من اعتبار الاختلاف العلمي الرصين من سعة الشريعة ورحمتها بالأمة، وأن الرجال يعرفون بالحق والحق لا يعرف بالرجال، مع إدراكنا حقيقة النقد البناء الذي لا يستهدف الأشخاص والانتقاص من أقدارهم أو الإساءة إليهم تصريحاً أو تلويحاً، فالكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تتجلى في وجدان كل مخلص صادق لا ينشد إلا الحق بدليله، ويسمو بنفسه عن كلمة السوء وتبعاتها في الدين والدنيا. فحرية الرأي المنضبطة والمسؤولة التي تهدف إلى تحقيق الصالح العام محل اعتبارنا وتقديرنا.
وقد نزل هذا الأمر الكريم بتلك العبارة الجامعة برداً وسلاماً على من يقدرون دور الإعلام ويتمنون له تأدية رسالته وينادون بالحاجة إلى إعلام داعم يؤثر إيجاباً بالنقد الهادف والبناء، وقد كان لي الشرف أن أكون من هؤلاء فكتبت:
ـــ يعتبر الإعلام بجميع أنواعه الفضائية والمقروءة والمسموعة والإلكترونية، الشريك الأول للمجتمعات بكل فئاتها وأنواعها، ويفترض فيه أن يمارس دورا توعويا وتثقيفيا وإرشاديا يتضمن النقد الهادف والموضوعي.
فبالرغم من أن النظام الأساسي للحكم قد ألزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير، بالكلمة الطيبة والالتزام بأنظمة الدولة والمساهمة في تثقيف الأمة ودعم وحدتها، وحظر كل ما يؤدي إلى الفتنة أو الانقسام أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه، إلا أننا نجد أن الإعلام لم يرق إلى مستوى الحدث والمهمة الملقاة على عاتقه. كما أشرت في مقال سابق حول هذا الموضوع.
ـــ لأنه بمراجعة تعليقات الكتاب أو النقاد أو المحللين في بعض المواضيع القضائية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الرياضية وحتى الشؤون الإسلامية، نجدها بعيدة تماماً عن هذا التوجيه من قادة البلاد، وبمتابعة البرامج الحوارية وخاصة بعض البرامج الرياضية والصحية والتعليمية، نجدها تخرج عن نطاق الموضوعية والكلمة الطيبة والود والاحترام، بل يظهر فيها كثير من الانحراف عما يجب أن يكون عليه الأمر.
كل هذه التحديات الوطنية بحاجة إلى إعلام داعم يؤثر إيجاباً في النقد الهادف والبناء وليس الهدم والتجريح وتضخيم الأخطاء والتجريح بالأشخاص واستباحة خصوصياتهم وكرامتهم ـــ كما هو حادث مع شديد الأسف في حالات كثيرة في الإعلام الرياضي.
المطلوب من وزارة الثقافة والإعلام ورؤساء تحرير الصحف والمجلات ومديري البرامج والقنوات الفضائية، القيام بمراجعة شاملة للعاملين في الوسط الإعلامي، وأن يستعينوا بالمتخصصين في الطب والقانون والتعليم والإعلام والاقتصاد ليكونوا قادرين على نشر التوعية والمعلومة الصحيحة للعامة والنقد الهادف للبرامج والأداء العام، وليس تصيد الأخطاء والبحث عن العناوين المثيرة بلا مضمون أو هدف.
علينا أن نبتعد عن العصبية والعنصرية والفردية في الطرح ونتوجه نحو الوطنية والموضوعية والصالح العام في كل صور الإعلام وفق القانون والنظام الأساسي للحكم الذي أكد عليه خادم الحرمين الشريفين، وأكد عليه بالشرح والتفصيل الأمير نايف بن عبد العزيز ـــ حفظهم الله ـــ ونشرت أيضا مقالا سابقا عن هذه النقطة.
ـــ إن الحديث القانوني من قبل الإعلام أمر ممتاز وجيد في حد ذاته لرفع الثقافة الحقوقية، ولكن لعل من أهم أخطاء الإعلام التصدي للقضايا المنظورة أمام القضاء، وهو أمر خطير قد يؤدي إلى تشكيك في القضاء والقضاة ونزاهتهم وعلمهم، وقد يمثل ضغطاً خطيراً على القضاء والقضاة، مما يضر بالعمل القضائي الصحيح والسليم ودائماً يؤثر في المتقاضين ويضعهم في مأزق يتضررون منه وخاصة إذا تصدر الإعلام لوجهة نظر واحدة في الحديث عن قضية، لا شك أنه سيظهر وجهاً واحداً للحقيقة دون الوجه الآخر ـــ كما أشرت في مقال بعنوان (الإعلام والقضاء نشر في جريدة ''الاقتصادية'' العدد 6390 يوم الأحد 10/4/2011).
ـــ فإنني أعتقد أن ما يطرح في الإعلام الرياضي المحلي سواء كان فضائياً أو مقروءاً أو حتى من خلال المشاركة الإعلامية في بعض البرامج الإعلامية الرياضية، شارف على الدخول في المحظور إن لم يقع فيه البعض؛ من مخالفة أحكام النظام الأساسي للحكم الذي يؤكد أن المجتمع السعودي يقوم على أساس أن اعتصام أفراده بحبل الله وتعاونهم على البر والتقوى والتكافل فيما بينهم وعدم تفرقهم، وأن تعزيز الوحدة الوطنية واجب وهو الواجب الأساسي الذي يجب أن تلتزم به وسائل الإعلام والنشر، فيجب أن تلتزم بالتعبير بالكلمة الطيبة وأن تسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها وتحظر ما يؤدي إلى الفتنة والانقسام ويسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه.
وكتب غيري أفضل مني في هذا الشأن، وربما كان همي وهم من تصدوا للموضوع هو فقط تفعيل الأنظمة نظام المطبوعات والنشر ونظام المؤسسات الصحافية مع الالتزام بما ورد في نظام الحكم الأساسي بشأن الإعلام والسياسة الإعلامية في السعودية.
وكان قد سبقنا أولو الأمر بالملاحظة والمراقبة والتمحيص والتدقيق والإحاطة بجميع الجوانب الشرعية والنظامية والاجتماعية تمهيداً لإصدار القرار المناسب، إلى أن صدر الأمر الملكي الكريم الذي عدّل وصوّب أحكاماً في نظام المطبوعات والنشر وشدد عقوباتها وشكل لجنتين ابتدائية واستئنافية، وقصر النظر في مخالفات هذا النظام عليهما وعدم الاعتداد بأي قرار أو حكم يصدر بالمخالفة لذلك من أي جهة كانت.
وهكذا فقد وضع الأمر الملكي الكريم الأمور في نصابها وقدرها بقدرها، مستهدفاً حرية الرأي المنضبطة والمسؤولة التي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي