"الاحتياطي الأمريكي" وخطر سعر الصرف

"الاحتياطي الأمريكي" وخطر سعر الصرف

يخضع بنك الاحتياط الأمريكي الفيدرالي لفترة من الترقب، عقب 17 عملية رفع لسعر الفائدة الأساسية على التوالي دون توقّف منذ صيف عام 2004، حيث قرر رعاة المال الأمريكيون الآن مراقبة عواقب توفير السيولة النقدية العائقة للنمو والأسعار على مدار فترة أطول من مجرّد أسابيع قليلة. جاء القرار نظراً لحقيقة أن السياسة المالية تؤثر في الاقتصاد ولكن خلال فترة متأخّرة بعض الشيء. وببعض التفويض يمكن لرئيس البنك الفيدرالي بن بيرنانك، وزملائه، التأكيد على أن ترشيد سياستهم المالية بنحو 4.25 نقطة في المائة إجمالاً، ليس موجّها بالكامل نحو الأسعار.
والقرار بعدم السير قدما نحو رفع سعر الفائدة الأساسية، يُعزى إلى التطوّر الاقتصادي على وجه التحديد: حيث اتّسم النمو الاقتصادي لأكبر اقتصاد في العالم خلال الأشهر القليلة الماضية بالضعف. وما يمكن قراءته عن هذا القرار أيضاً، من بين باقي الأمور الأخرى، هو معدلات النمو لحجم الناتج المحلي الإجمالي، حيث انخفض حجم الناتج المحلي الإجمالي من 5.6 في المائة خلال الربع الأول إلى 2.5 في المائة مع بداية فصل الصيف. وما يتناسب مع هذه الصورة أيضاً أن الازدهار في سوق العمل الأمريكية فقد ديناميكيته، حيث خيّب معدل الذين تم توظيفهم حديثاً التوقعات وأحبط الآمال، حتى مع ارتفاع معدل البطالة العمالية أخيرا بصورة طفيفة من 4.6 إلى 4.8 في المائة.
ويُقدّر رعاة الأموال بناء عليه بأن الاقتصاد سيبقى ضمن معدلات متدنية خلال النصف الثاني من العام، وعلى مدار العام المقبل أيضاً. كما أن لسوق العقارات دوراً مهماً في هذه التوقعات، حيث إن الازدهار في سوق الإسكان، والمنازل، قدّم مساهمة كبيرة في النمو الاقتصادي الضخم. وحظي الاستهلاك الخاص بالتحديد بنقلة نوعية عن طريق أسعار العقارات المتزايدة بسرعة، لأن الكثير من مالكي المنازل استفادوا من هذه العلاقة المتنامية مع فوائد صكوك رهن العقارات المتدنية، ليتمكنوا من تحقيق تمويل أنسب لهم، وجعل حصص رأس المال الحر ضمن نسب مرتفعة في الاستهلاك. لكنه في الوقت الراهن، هنالك إشارة واضحة إلى فتور في السوق. وهي تمتد من الأعداد المرتفعة والمتزايدة للمنازل المتاحة إلى المعدل المتدني لصكوك رهن العقارات الجديدة المتوافرة. وحتى الآن، حسب توضيحات بيرنانكه منذ فترة ليست بعيدة، فإن هذا السكون لا يعمّ أجواء السوق العقارية فحسب، بل الاقتصاد بأكمله، ضمن مسارات منتظمة.
ويربط بنك الاحتياط الأمريكي الفيدرالي الأمل الضئيل بديناميكية النمو المتدنية، بأن دفعة أسعار الاستهلاك، التي تُعتبر جزءا جيداً، ستزداد ضعفاً. ويتوارى خلف القرار بعمل وقفة في خُطى الفائدة الخوف من أن يعمل المزيد من الكبح في السياسة المالية على إعاقة محرّك الاقتصاد، ودفع الوضع الاقتصادي للكساد. ويبقى الأمر صعبا. وبرغم التوقعات، لا يمكن لأحد أن يتكهن متى يمكن لهذا الشكل من التطوّر أن يأخذ مكانه في الوول ستريت أو غيره. والأكثر من هذا، فإن الخطر بتسارع آخر في التضخم لم يتضح بعد. وتمتد الأخطار حول استقرار الأسعار نتيجة أسعار النفط المرتفعة، إلى تكاليف وحدة الأجور المتزايدة أخيرا بقوة. والسيولة والتي من الممكن أن تكون متاحة بقوة عقب عامين من السياسة المالية المكبوحة والناتجة عن تعديل الأسعار النسبية.
ومن المفترض أن يعمل بيرنانكه على الاستفادة من فترة دورة الفائدة الآن، وفي توجيه نظر المتداولين في الأسواق المالية، وكذلك الجمهور العام إلى الأفق البعيد شيئاً ما لأن معدلات التضخم المرتفعة لهذه الأشهر في رأيه هي محصلة سياسة الفائدة، التي تميّزت بها الفترة السابقة. ويتحمّل ألان جرينسبان، السلف السابق لبيرنانكي لأعوام عديدة في دائرة رئاسة البنك الفيدرالي هذه المسؤولية فقد عمل على تزويد الاقتصاد الأمريكي خلال فترة من الزمن بالمال الزهيد، عندما انقضت مرحلة الكساد عام 2001، وعمل ازدهار الوضع الاقتصادي على موازنة نفسه. ولم تكن نتائج هذه السياسة الطموحة مقروءة في أسعار الاستهلاك فحسب، ولكن في السوق العقارية كذلك، حيث ظهرت هنالك فقاعات مضاربة، في سلسلة من الأسواق الإقليمية على الأقل. ولقلة الحظ، بدأ الهواء يتلاشى من تلك الفقاعات تدريجياً. وفي أسوأ الأحوال سيؤدي تلك إلى الانفجار، وكبح الاقتصاد أكثر وأكثر. ويمكن تجنّب الخطأ في مثل هذه الأشكال، عن طريق السياسة المالية المتبصّرة، التي تستفيد من توقعات التضخم، والسيولة المتوافرة إلى حدٍ ما، كبوصلة. وهنا تُتاح الفرصة لبيرنانكي أن يوضّح على نحوٍ أفضل من السابق، أن سياسة الفائدة ليست موجّهة وفقاً لمعدل الغلاء الفعلي، ولكن نحو معدلات الغلاء المتوقعة.
وبلا شك فإن رعاة النقد الأمريكيين يواجهون مهمّة صعبة تتمثل في سعر الصرف، واتخاذ القرارات ذات الصلة، التي لا تخلو من الأخطار. ومن الممكن أن تخرج الأسعار عن الطوق، إذا ما انهار الاقتصاد. برغم أن توقعات التضخم متوسطة وبعيدة المدى لمتداولي السوق ترتكز على معدل متدن، التي من غير المُفترض بقاؤها على ذاك النحو. ولا بد أن يكون الهم الأكبر لبنك الاحتياط الفيدرالي هو استقرار الأسعار. وبالفعل فإن بنك الاحتياط لديه طلب تشريعي، لا يتمثل بالحفاظ على معدل متدنٍ لهبوط قيمة النقد فقط، ولكن في تأمين مستوى توظيفي مرتفع قدر الإمكان. والنظرية بأن النمو الاقتصادي يعمل على دفع نفسه بصورة دائمة عن طريق الإذعان لمزيد من التضخم بصورة طفيفة، مرفوضة منذ فترة من الوقت. وتساهم السياسة المالية في تحقيق اقتصاد نظيف على أفضل نحو، طالما أنها تؤمّن استقرار الأسعار. ولهذا يتحدث البعض بأن الأمر يدور في الحقيقة حول "مهلة" ولكن ليس "نهاية" في دورة رفع سعر الفائدة.

الأكثر قراءة