البيروقراطية هي الحل لمشكلاتنا

ينتقد الجميع البيروقراطية بأنها المعوق لكل طموحاتنا ومشاريعنا والمعوق للنهوض والحركة، وأنها ذات التأثير السلبي على أعمال سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وهي سبب ضعف أداء وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة، وهي سبب تعقيدات العلاقة بين القطاعين الخاص والحكومي، بل إنها أصابت حتى مؤسسات المجتمع المدني مثل الغرف التجارية وإنها أيضاً سبب الفساد بكل أشكاله وأنواعه ومواقعه.
والحقيقة تبدو مخالفة تماماً، فذهاب المواطن لمراجعة جهة حكومية لاستخراج ترخيص أو إنجاز معاملة أو متابعة موضوع، نجد أنها تختلف من فرع إلى فرع وفي الفرع ذاته تختلف من موظف إلى آخر، وحتى هذا الموظف صباحاً غيره بعد الظهر بخلاف أول الأسبوع عن آخره، وعن أول الشهر من آخره وهذا يسري على الجميع بلا استثناء في كل المواقع وفي جميع سلطات الدولة وأجهزتها وحتى مؤسسات المجتمع المدني.
وبالتالي فإن هذا الأمر ليس له علاقة بالبيروقراطية لأنها في الواقع عبارة عن قواعد وإجراءات واضحة ومعلومة ومعلنة ومطبقة على الجميع بلا استثناءات، فلو تقدم عدد من المواطنين في صباح أول الأسبوع إلى جهة ما ولديهم جميع المستندات المطلوبة والمعلومة، يفترض أن يحصلوا جميعاً على الخدمة المطلوبة في التاريخ ذاته سواء كان في نهاية اليوم أو الأسبوع أو الشهر، ولكن الإجراءات واحدة والمستندات هي ذاتها والنتائج متطابقة، وهذه هي العدالة التي يتبعها ولاة الأمر والمواطنون والوطن.
ولكن عندما يكون هناك تفاوت بمعنى أن أتقدم للحصول على الخدمة ويطلب من مواطن عدد من المستندات وغيره تطلب منه مستندات مختلفة في العدد والنوع، وفي حال التساوي في المستندات يحصل أحدهم على الخدمة بشكل فوري أو سريع والآخر بعد أسابيع، فهذه مزاجية وهي ما نحتاج للقضاء عليه وليست بيروقراطية.
لعل تخفيف القيود البيروقراطية يقضي على المزاجية وهي أساس العلة والمشكلة، فمثلاً تخفيض عدد المستندات المطلوبة للحصول على سجل تجاري أو رخصة بلدية من عشرة مستندات إلى ثلاثة فقط يعني تحقيق المساواة بين جميع المتقدمين أمام جميع الموظفين وفي جميع الفروع والمناطق الحقيقية المعروفة لدى الجميع، لأنها لو اختلفت من منطقة إلى أخرى لكانت المزاجية والإهمال واللامبالاة وضياع المحاسبة وليست البيروقراطية التي أرى أنها بمعناها الحقيقي حل لمشكلاتنا قبل أن يتوغل سرطان المزاجية، وبذلك نقضي عليه ويسود النظام والعدالة وتعرف الإجراءات وتنتهي الوساطة والمحسوبية وتختفي الرشوة ولا تقبل التعهدات كبدائل للمستندات لأجل الحصول على الخدمة المطلوبة، وينصلح ويتطور أداء سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويرتقي ويتحسن أداء القطاع الحكومي من وزارات وهيئات ومؤسسات حكومية، وينعكس ذلك إيجابياً على القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، فالكل يعلم ما له وما عليه ويحترمه ويعمل على أساسه بعيداً عن المزاجية واتباعاً للبيروقراطية المنظمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي