ريادة الأعمال في مواجهة البطالة

في العام الماضي نشرت منظمة العمل العربية تقريرا عن تصاعد أرقام البطالة في العالم العربي، ثم اختتم التقرير بالقول إن البطالة في مصر وتونس وليبيا والعراق تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وإن معدلات البطالة في العالم العربي هي الأعلي والأسوأ في العالم. وبلغت في الدول العربية الإفريقية أكثر من 16.1 في المائة مقابل 13.8 في المائة في الدول العربية الآسيوية. وأن عدد العاطلين عن العمل في العالم العربي قد يبلغ 80 مليون شخص عام 2013 كما أشار تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009 الصادر من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن البطالة تعتبر من المصادر الرئيسة لانعدام الأمن الاقتصادي في معظم البلدان العربية.
وفي الحقيقة فإن البطالة تعتبر تحديا عالميا معقدا لمعظم دول العالم، وهاجسا يقلق المجتمع وأفراده، كما يفرض على صناع القرار والمخططين البحث والتحري لمعرفة آثارها وأسبابها وعلاجها والاستفادة من تجارب السابقين من الدول المتقدمة في كيفية التغلب على هذه الظاهرة الهدامة. ووضعت الدول لها الحلول وتستحدث من أجلها البرامج والتشريعات أملا في التغلب على هذه الظاهرة قبل تفاقمها وتقليل آثارها قبل استشرائها وتقليل نسبتها إلى الحد المقبول عالميا.
ومن الحلول الحديثة التي أقبل عليها عدد من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء هي اللجوء إلى ريادة الأعمال بوصفها منبعا كبيرا لإنشاء الأعمال الناشئة وترسيخ ثقافة العمل الحر في المجتمعات. وأدركت أكثر من دولة عالمية أهمية ريادة الأعمال في خلق الفرص الوظيفية العاجلة والمستديمة للمواطنين وفتح الآفاق الرحبة والواسعة للابتكار وتشجيع المبادرات. فها هي الولايات المتحدة بعد اقتناعها بأن المنافسة الذكية المستديمة التي انتهجتها دول شرق آسيا كانت ترتكز إلى دعم رواد الأعمال، فقد اعتمدت خطة متوسطة الأمد في الفترة من 1992 إلى 1998 لحل مشكلة البطالة، وذلك بتركيزها على ريادة الأعمال؛ تمثلت في التركيز على دعم إنشاء مشروعات الرواد الصغيرة، فكانت نتيجة تلك الخطة أن تم استحداث أكثر من 15 مليون فرصة عمل للمواطنين في أمريكا تلك الفترة، فأصبحت أمريكا ترويها كخطة موفقة خففت من حدة البطالة وآثارها السيئة.
أما البرازيل التي كانت تعاني بطالة منهكة بلغت 12.3 في المائة عام 2004 فقد لجأت هي الأخرى إلى دعم وإنشاء المشروعات الصغيرة في عدة أنشطة يمكن تأسيسها برأسمال قليل، مثل العمل من المنزل والمنتجات اليدوية وكذلك بيع الملابس وصناعة الأثاث وبيع التجزئة للأجهزة الكهربائية. كما شجعت التصنيع البسيط وقامت بدعم التصدير لكل المنشآت الصغيرة بتسهيلات وتشريعات محفزة، فانخفضت نسبة البطالة كل عام لتصل عام 2010 إلى 8.1 في المائة. ليس ذلك فحسب، بل نما الاقتصاد البرازيلي بشكل ملحوظ ليضعها تاسع أكبر اقتصاد في العالم لعام 2010. أما إيطاليا فقد شهدت هي الأخرى من خلال دعم المشروعات الصغيرة وتسهيل إنشائها ورعايتها ودعمها تجربة ناجحة لمواجهة البطالة المتزايدة في البلاد التي بلغت 11 في المائة عام 1999. ومع الدعم والتحفيز المستمرين للمشروعات الصغيرة وقصر بعض مجالات التصنيع والامتيازات عليها كي تدخل الأسواق وتنافس الشركات الكبيرة، استطاعت إيطاليا أن تخفض نسبة البطالة إلى نحو النصف لتصل 6 في المائة عام 2008م. كما أثمرت تلك الخطة بأن تستحدث أكثر من مليوني مشروع صغير.
ويمتد دور ريادة الأعمال ليشمل التصدي لظاهرة الفقر أيضا. فبحسب الإحصاءات المنشورة عن الفقر فقد ارتفع عدد الأسر شديدة الفقر إلى نحو 16 ضعفا خلال نحو عقد من الزمن، فقد كانت 7.6 مليون أسرة عام 1997 لتصل إلى 190 مليون أسرة عام 2009. وفي المقابل فقد أوضحت الإحصاءات لعام 2009 أن إقراض الأسر الفقيرة لإنشاء مشاريع متناهية الصغر قد ساهم بأن تحصل 128 مليون أسرة حول العالم على قرض لتبدأ عملا كريما يساعدها على الكسب من جهدها، ويتيح لها خلق وظائف لأفراد الأسرة. وبحسب إحصاءات حملة القمة الدولية لإقراض المشاريع متناهية الصغر لعام 2011 فإن الحملة أتاحت لنحو 641 مليون فرد في العالم الاستفادة من تخطي خط الفقر. وكانت مجالات الإقراض لرواد الأعمال بسيطة ومركزة على إنشاء المشروعات الصغيرة أو متناهية الصغر مثل إنشاء محال التجزئة الصغيرة لبيع المواد التمويلية البسيطة، أو بيع الملابس والأجهزة الكهربائية والهواتف النقالة ومستلزماتها، والحرف والمصنوعات اليدوية، والنقل والمواصلات. وصرحت سفيرة الولايات المتحدة في وزارة الخارجية لشؤون المرأة بأن ريادة الأعمال عبر الإقراض متناهي الصغر انتشلت ملايين السيدات من براثن الفقر، وأن أكثر من 81 في المائة من القروض الصغيرة كانت موجهة للنساء.
ومما يدعو إلى التفاؤل والأمل أن المملكة تدرك أهمية ريادة الأعمال ومدى أثر المشروعات الصغيرة في نشر ثقافة العمل الحر واستحداث الفرص الوظيفية للمواطنين. فالصناديق الحكومية الراعية والبرامج التشجيعية المتزايدة والقرارات الرسمية الداعمة تتوجه بكل اهتمام نحو المشروعات الصغيرة. وفي الجانب التعليمي يحسب لوزارة التعليم العالي أنها شجعت الجامعات على هذا التوجه واستنهضتها للعمل على أن تكون جامعات ريادية. كما يسجل لجامعة الملك سعود أنها ترجمت هذه التوجهات وبادرت في إنشاء أول البرامج الأكاديمية والأنشطة الريادية في قلب العملية التعليمية. وأجزم بأن بقية الجامعات ستتبعها عاجلا أم آجلا في التوجه نحو ريادة الأعمال. كيف لا ونحن نرى أن جامعة واحدة فقط في العالم هي جامعة MIT تؤسس أكثر من 200 شركة ناشئة سنويا وتستحدث نحو 150 ألف وظيفة. كما أن إجمالي الشركات التي استحدثتها هذه الجامعة أو خريجوها منذ تأسيسها بلغ نحو 26 ألف شركة وأسهم في خلق أكثر من ثلاثة ملايين وظيفة. ويذكر موقع جامعة MIT تعليقا على مساهمتها في تنمية الاقتصاد الأمريكي أن مجموع إجمالي الدخل لتلك الشركات يساوي ميزانية دولة سيكون ترتيبها 11 عالميا.
وختاما فالذي نحتاج إليه في هذه الفترة هو الاستجابة السريعة للحلول المستفيضة المطروحة منذ سنوات لكيفية حلول ريادة الأعمال التكاملية وكيفية معالجتها للبطالة بشكل مستديم أسوة بما هو حاصل في الدول المتقدمة.
ولنا عودة حول هذه الحلول والمقترحات في المقال المقبل - إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي