دار سامسونج وقصة العائلة المؤسسة

دار سامسونج وقصة العائلة المؤسسة

"كون هي لي" يرزح للضغوط، وهو سليل العائلة المالكة المؤسسة، ورئيس مجموعة سامسونج للإلكترونيات، الذي شهد معارضة من قبل شخصيات متعددة في القيادة السياسية في كوريا، حيث لا تحاول الحكومة سلب السلطة من مجموعات الصناعة الممتدة في البلاد فحسب، ولكنها تريد أيضاً دمج المجموعات في تكتلات، وإبعاد تأثير العائلات المؤسسة. ولكن بالطبع هذا يلقى مقاومة من قبل المؤسسات التجارية. وبلا شك لي يقف في الطليعة. وبحجم من الثروة يبلغ نحو 5.5 مليار يورو، يُعتبر الرجل الأثرى في كوريا، وحقق عن طريق عقود طلب الشراء الزهيدة مجموعة الإلكترونيات الأكثر ربحاً في كل آسيا. والآن يسعى إلى حماية إقطاعية العائلة، التي تمتد من تعزيز السفن والمنازل الفخمة، ومن تجارة بيع التجزئة إلى رقائق الحاسوب.
إن سامسونج ليست فقط أكبر مجموعة متنوّعة تترأسها العائلة المؤسسة، ولكنها القوة الدافعة للتطوّر في كوريا الجنوبية، وجعلها ذات قوة اقتصادية دولية. وتشهد المجموعة بأهم فرع لها، ألا وهو الإلكترونيات، نزاعات في السوق المحلية، حيث تعتمد في حمايتها، على أساليب متميزة خاصة بها. فعندما عاد المؤسس لي في شهر شباط (فبراير) الماضي إلى الوطن عقب إقامته في أمريكا التي دامت أكثر من شهر، لازم الكرسي المتحرك، حيث إنه كان يعاني من مرض شديد. وبرغم هذا عاد هذا المؤسس ببعض الذكريات غير المألوفة في أمتعته، حيث أخرج من الحقيبة 450 مليون يورو في سيؤول، خصص 400 مليون يورو منها لسامسونج، وأنفق الباقي لأهداف خيرية.
ومن المفترض ألا يكون أثر هذا الفعل على حجم ثروته، فقد حققت سامسونج للإلكترونيات خلال الأعوام الثلاثة الماضية فائضاً إجمالياً من الأرباح بلغ نحو 20 مليار يورو. ولكن المظاهر لا تعيش على المال وحده، حيث إن لي يصرّح عموماً، بأنه ارتكب خطأ أثناء رئاسته للمجموعة، وتوسّل العفو، حيث تعرضت مجموعة سامسونج للاتهام، بأنها عرضت الرشاوى على الساسة بمبالغ تصل إلى الملايين، كما حوّلت مبالغ بالمليارات لإبن لي، جيه يونج. وواجهت المجموعة اتهامات مديرين عن طريق محكمة سيؤول، ومظاهرات ضد المجموعة، ومعارضات من قبل المتداولين فيها. وعلى خلاف بعض تكتلات العائلات المؤسسة الأخرى، مثل هونداي، أو إس كيه، فلم توجه السلطات أي تهمة ضد العائلة المؤسسة لسامسونج حتى الآن بشكل مباشر.
وبينما أصبحت سامسونج في أوروبا، وأمريكا، واليابان من أرقى العلامات التجارية، فإن الشركة نفسها تحارب في موطنها الأصلي ضد الصورة المأخوذة عنها. فمن ناحية، تشهد إنتاجات الهواتف النقّالة، والشاشات الرقيقة المسطّحة، والكاميرات ذات رقائق السعة الكبيرة، ورقائق الحاسوب ذات السرعة الهائلة حجماً ترويجياً هائلاً، ومن ناحية أخرى، يقف الكثير من الكوريين أمام سامسونج بتحفّظ ملحوظ تجاه حجمها، وتأثيرها، وتاريخها. لقد أُسست في عام 1938 كشركة تجارية للفواكه المجففة من قبل بيونج شول لي، واتسعت الشركة أثناء الاستعمار الياباني في أوائل الأربعينيات في مجال صناعة النسيج. ومع بداية الخمسينيات خلال حرب كوريا، خسر لي ثروته كافة. وما بقي له استثمره في شركة تجارية صغيرة للسكر.
وبشيء من الحظ، والكثير من قوائم الطلب الشرائي، نجح في مقاومة حركة الرياح. اهتم بعلاقاته في الدائرة السياسية، التي كانت تُحيط برئيس الوزراء حينها "سينجمان رهي"، وأسس داراً للصحف، ومؤسسة تأمين، وبنكاً، وسلك طريق بناء الآلات الإلكترونية في عام 1969. واستغلّ لي الأول مساعدات حكومية قُدّرت بالملايين، وقلّد النموذج التجاري الياباني بتحقيق مجموعة متداخلة عمودياً، وحرّك رأس المال الأجنبي، وأمسك بمقبض التجارة بثبات في يديه. ووُضع أساسات "دار سامسونج"، التي بدأت كشركة تجارية صغيرة، وتحوّلت في غضون أربعين عاماً إلى مجموعة تتلقى طلبات شرائية من مجموعات كبرى، مثل سانيو، وNEC، ويعتبرها المحللون اليوم كنموذج رئيسي لقطاع التكنولوجيا الحديث عالمياً.
وعقب وفاة بيونج شول لي عام 1987، استحوذ ابنه "كون هي لي" على عجلة القيادة. وكما تعلّم والده في جامعة واسادا في طوكيو، واعتنى بعلاقاته مع اليابان وأمريكا، وكما كان السابق، فإن اللاحق "لي" الشاب أيضاً، هو رقم واحد في المجموعة دون منازع. وتملك العائلة اليوم نحو 16 في المائة من حصص سامسونج للإلكترونيات، إضافة إلى بنك سيتي جروب بنحو 11 في المائة من حصصها، كمتداول فردي لديها. ويتميّز نمط لي في الرئاسة بالصرامة والشدة: حيث وضع أهدفاً جديدة لسامسونج، وبنية جديدة، وإدارة للجودة. ولكنه لم يحدث ولو هزة واحدة في مبدأ تكتّل مجموعته.

وفي عام 1993 أدلى لي أثناء زيارته إلى ألمانيا بتصريح في فرانكفورت، أعلن من خلاله عن تطوّر سامسونج إلى علامة تجارية عالمية. وفي عام 1995 عمل على تكديس الإنتاج اليومي من هواتف نقّالة، وأجهزة فاكس في ساحة المصنع في مدينة جومي الكورية، ورفع راية فوقها تحمل الشعار "الجودة فخرٌ لي"، واصطف طاقم العمل من حولها. لسماع أحاديثه حول براعة العمل عالي الجودة، وجاء عشرة موظفين حاملين مطارق ثقيلة، وبدأوا بتحطيم الأكوام من الصناعات السابقة إلى قطع صغيرة جداً، وأحرقوها. وبالفعل كان لغمام الحرائق صدى. وفي عام 1996 أبدى جونج يانج يون ثقته برئاسة المجموعة. وألغى لي عشرات الفروع في آسيا التي كانت تعاني من أزمات مالية، وأنهى عشرات الآلاف من فرص العمل، وركز بشكل خاص على قطاع الإلكترونيات.
ويُفترض بالمجموعة اليابانية في الوقت الراهن أن تشير إلى قدرتها على صناعة أجهزة التليفزيون الحديثة، حيث يحتل الكوريون المرتبة الثالثة في قطاع الهواتف النقّالة، والمرتبة الثانية في صناعة شبه الموصلات. وبخطة استثمارات متوسطة المدى بقيمة 25 مليار يورو لفرع الرقائق، كما يُبدي الكوريون استعدادهم للاستحواذ على قطاع إنتل، وهم يرصدون نحو 17 مليار يورو في تقنية الشاشات المسطّحة. ومع بداية العقد المقبل، تطمح سامسونج إلى تحقيق إيرادات تبلغ نحو 100 مليار يورو عن طريق فرع الإلكترونيات. ومن المفترض أن يبلغ نطاق الربح المتنامي في حجم غير متوقّف من المبيعات نسب مئوية تتألف من منزلتين. وهذا بالطبع لن يكون سهلاً، لأن الضغط في تزايد مستمر. وستعمل عائلة لي على استخدام كل ما بوسعها، بهدف أن تبقى شركتهم تدار من قبل أفراد العائلة حتى الأجيال المقبلة أيضاً.

الأكثر قراءة