لماذا كل هذه الضجة حول البنوك الإسلامية؟
إن الإجراءات الأخيرة التي اتخذها بنك بنجلادش (أي البنك المركزي في بنجلادش) بخصوص البنوك الإسلامية هي بالتأكيد إجراءات غير معهودة ولا داعي لها على الإطلاق. صحيح أنه منذ ولادة نظام المصارف الإسلامية في بنجلادش لم تكن هناك مجموعة من الخبراء في البنك المركزي لرصد نشاطات البنوك الإسلامية في بنجلادش. ولكن البنوك الإسلامية العاملة في بنجلادش شكلت مجالسها الشرعية الخاصة بها للبحث في مدى التزام المصرفية الإسلامية بشكل عام بالأحكام الشرعية.
كما تم تشكيل مجلس شرعي مركزي. إلى جانب ذلك شكل بنك بنجلادش مجموعة استشارية من مختلف أهل الرأي، وتتألف من أعضاء من المجلس الشرعي ومن عدد من المصرفيين الإسلاميين، بهدف صياغة قواعد إرشادية مفصلة للبنوك الإسلامية تستند إلى قانون شركات البنوك. ومع ذلك تجاهل البنك المركزي التقرير الذي أعدته اللجنة الاستشارية تجاهلاً تاماً.
جدير بالذكر أنه توجد حالياً ستة بنوك تجارية عاملة في بنجلادش على أساس التعاملات الشرعية. وهذه البنوك هي: بنك بنجلادش الإسلامي المحدود، وبنك العرفة، وبنك الاستثمار الاجتماعي المحدود، وبنك إكسيم المحدود، وبنك المشرق المحدود، وبنك شاه جلال الإسلامي المحدود. إلى جانب ذلك هناك بعض البنوك التي تقدم خدمات مصرفية إسلامية في عدد من فروعها.
افتتحت البنوك التقليدية في كثير من البلدان الغربية، والشرقية كذلك، منافذ مصرفية إسلامية تسير بصورة موازية للمنافذ البنكية الربوية، وذلك إدراكاً منها للفوائد الهائلة التي تعود عليها من جراء النظام البنكي الإسلامي. ومنذ عهد قريب للغاية أظهر البنكان المركزيان في الهند واليابان اهتماماً بتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية إلى العملاء، ليس فقط للعملاء الموجودين في الهند واليابان، وإنما كذلك لاجتذاب العملاء من بلدان الشرق الأوسط ذات الغالبية المسلمة.
وبالإمكان القول إن معظم البنوك الكبيرة في مختلف أرجاء العالم افتتحت منافذ للتعاملات البنكية غير الربوية. والواقع أن هذه البنوك التقليدية التي افتتحت منافذ غير ربوية هي الآن قادرة على اجتذاب كثير من غير المسلمين في البلدان ذات الغالبية غير المسلمة. وتلتزم هذه البنوك بالمبدأ الأساسي للتعاملات المصرفية الإسلامية الذي ينص على التوزيع العادل والمنصف للموارد المالية.
جدير بالذكر أنه يوجد ما يزيد على 300 بنك إسلامي تعمل في جميع أنحاء العالم، من إفريقيا وأوروبا إلى آسيا وأمريكا.
وحسب القواعد الإرشادية الجديدة المقترحة من بنك بنجلادش، يجوز للبنك التجاري إنشاء شركة مستقلة برأس مال مدفوع قدره مليار تاكا (أي نحو 14.5 مليون دولار) لتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية. وسيكون على الشركة التابعة للبنك أن تبيع 49 في المائة من أسهمها، في حين تستطيع الشركة الأم أن تحتفظ بالنسبة الباقية من الأسهم (أي 51 في المائة). وبالنسبة للبنوك الإسلامية الجديدة، تنص القواعد على أنه يتعين على الشركات الأم بيع 50 في المائة من أسهم البنك، كما لا يجوز للمديرين العاملين في الشركة الأم امتلاك أسهم في البنك تزيد قيمتها على 25 مليون تاكا (نحو 359 ألف دولار).
ويبدو أن البنك المركزي يعمل على إثارة مصاعب لا لزوم لها في وجه البنوك الإسلامية في بنجلادش، وفي الوقت نفسه تثبيط عزيمة البنوك التجارية الأخرى وصرفها بقوة عن أن تكون لها منافذ إسلامية مستقلة، أي منافذ غير ربوية يمكن أن تعمل بصورة موازية للمنافذ التقليدية. ولكن القوانين المتشددة لن تعمل فقط على إعاقة نمو البنوك الإسلامية في بنجلادش، وإنما ستعمل كذلك على إعاقة النمو الاقتصادي لبنجلادش نفسها.
إن الابتكارات تعمل على تطوير قطاع البنوك الإسلامية. والواقع أن هناك آفاقاً لا حد لها للابتكار ليست متاحة أمام البنوك التقليدية، وذلك بسبب آلياتها المحدودة والجامدة. أما آليات البنوك الإسلامية، مثل المضاربة والمشاركة والاستثناء (وهي عقود لبيع وشراء البضائع والسلع)، وغيرها من الآليات التي تجمع بين جهود رأس المال والخبرة والحرفية، هذه الآليات تفتح آفاقاً واسعة للابتكار وتمهد الطريق لإدخال سندات وصكوك مالية جديدة تتمشى مع الأحكام الشرعية.
إن المؤسسات المالية الإسلامية أصبحت مؤسسات ذات إمكانيات واسعة ومبتكرة. ورغم أنها تواجه منافسة متزايدة في صناعة البنوك، ورغم العدد العالمي للصفقات التي فتحت مجالات جديدة في المصرفية الإسلامية، إلا أن تطور المؤسسات المالية الإسلامية إلى أبعد من ذلك يعتمد على مدى نجاح البنوك الإسلامية القائمة في التركيز على تطوير قدراتها على إيجاد حلول للنواقص الموجودة فيها.
ولكن القوانين المتشددة التي اقترحها بنك بنجلادش يمكن أن تؤدي إلى عدم إدراك صناعة البنوك الإسلامية لما يجري حولها. وبدلاً من أن يكون بنك بنجلادش حجر عثرة أمام نمو البنوك الإسلامية، فإن بإمكان هذا البنك، باعتباره البنك المركزي لبنجلادش والحارس على جميع البنوك التجارية فيها، صياغة قوانين تعمل على تيسير نمو النظام المالي الإسلامي، الأمر الذي يؤدي بالتالي إلى جعل بنجلادش مركزاً مالياً إسلامياً.
وفي ظل الانفتاح الاقتصادي وإزالة العوائق بشكل تدريجي، ينبغي على الحكومات والأجهزة التنظيمية أن تتعاون فيما بينها لجعل صناعة البنوك الإسلامية جزءاً من صناعة البنوك العامة. ويستطيع بنك بنجلادش تشجيع البنوك الإسلامية على تقوية أوضاعها المالية من خلال الاندماجات والاستحواذات والتحالفات الاستراتيجية مع البنوك الإسلامية الأخرى. ولا بد للمؤسسات المالية الإسلامية من العمل بسرعة في وجه التطور الاقتصادي السريع.
لاحظ أن الاندماجات تقلل من تكاليف الخدمات وتؤمن التعاضد المالي بين المؤسسات. وينبغي أن تُلزَم البنوك الإسلامية بتبني قواعد الإفصاح المالي السليم. وبدلاً من أن يجعل بنك بنجلادش عمليات البنوك الإسلامية أمراً متعذراً لا يمكن القيام به، من خلال السياسات المتشددة وإلغاء دور المجالس الشرعية، فإنه يجدر به أن يدرس البنوك المركزية الأخرى في البلدان الإسلامية دراسة وافية ليعلم السبل التي ترصد فيها هذه البنوك نشاطات البنوك غير الربوية في بلدانها. وفي رأيي أن أفضل مثالين في هذا المقام هما البنك المركزي الماليزي والبنك المركزي السوداني، ويمكن لبنك بنجلادش أن يستفيد منهما في تمهيد الطريق أمام تيسير أداء عمل البنوك الإسلامية.
على سبيل المثال نجح البنك المركزي السوداني قبل بضع سنين في إطلاق شهادات المشاركة. وهذه الشهادات هي سندات لجمع الأموال يصدرها البنك مقابل ملكيته في البنوك التجارية. ويستخدم البنك المركزي السندات المذكورة باعتبارها صكوكاً غير مباشرة لتنظيم وإدارة السيولة ضمن النظام المصرفي.
وعام 1999 أطلقت وزارة المالية نوعاً آخر من السندات تدعى شهادات المشاركة الحكومية، وهي أيضاً سندات لجمع الأموال تصدرها وزارة المالية مقابل ملكيتها في عدد من المشاريع الناجحة في القطاع العام وفي بعض المشاريع المشتركة، وذلك بهدف تنظيم وإدارة السيولة ضمن الاقتصاد بشكل عام. وقد شجع نجاح هذين النوعين من السندات، وقبولهما على نطاق واسع في السوق، شجع بنك السودان على تطوير الجيل الثاني من الصكوك والسندات المالية الإسلامية.
أنا أشعر أن هناك مؤامرة لتلطيخ سمعة المؤسسات غير الربوية، وهي المؤسسات التي كانت تتميز دائماً بالمواطَنة الصالحة في بنجلادش. وهذا الموضوع ليس مجرد مسألة أخلاقية فحسب، ولكنه يتعلق كذلك بحماية مصالح المستثمرين الذي يودون رؤية أموالهم مستثمرة ويتم تحريكها والاستفادة منها بما يتفق مع الأحكام الشرعية.
الإرهابيون لا دين لهم. وبمقدورهم فتح حسابات في أي بنك. ولكن وجود أشخاص لا ضمير لهم ولا رحمة في قلوبهم لا يعني أن على مؤسسات بكاملها أن تدفع الثمن مقابل ذلك. وكما قال صالح كامل، رئيس مجلس إدارة مجموعة دلة البركة في جدة، والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين: "إن البنوك الإسلامية ليست مجرد جمعيات خيرية ولا هي واجهات للإرهاب على الإطلاق. وإنما ينبغي أن تعمل البنوك الإسلامية تحت إشراف البنك المركزي، وأن تتلقى ودائع العملاء وتستثمرها لهم.... ليست هناك أموال فائضة لدى هذه البنوك لتمويل الإرهاب، ولا هي ممرات لتدوير الأموال بين الإرهابيين."
إن بنك بنجلادش بحاجة هائلة إلى أن يكون لديه فريق خاص به من المصرفيين الإسلاميين والعلماء الشرعيين، من الذين يقدرون على الإشراف السليم على جميع البنوك الإسلامية والمنافذ المصرفية الإسلامية في البنوك التقليدية، وكذلك وضع قواعد إرشادية تنظم عملها.