ربح الرهان .. أبا متعب
في مقال سابق أشرت إلى أن جميع الزعامات التي كانت تراهن على قوة عسكرية تحميها، أو تتمترس خلف سياج من العزلة عن شعبها خسرت الرهان، فالعزلة والبعد عن الشعب لا يوفران حماية بقدر ما يزيدان من اتساع الهوة بين القيادة والشعب، ولهذا نجد أن الدول التي تنعم بالأمن والاستقرار لم تصنع قياداتها حاجزا، أو تكن على عداء مع شعبها، بل كانت تشعر وهي بينهم بالأمن والاطمئنان، أكثر من شعورها به حينما تبتعد عنهم.
بلادنا ومنذ قيامها على يدي المؤسس الملك عبد العزيز – رحمه الله – وهي في كل خطوة تخطوها، أو أزمة تمر بها، تراهن على وعي الشعب وولائه لهذا الوطن وقيادته، وعبر تاريخ هذه البلاد لم تجد القيادة من هذا الشعب الكريم إلا كل الصدق والولاء والعون في تخطي الأزمات، بل والوعي لما يحاك من مؤامرات من أطراف خارجية معروفة الأهداف، أو أطراف باعت الوطن من أجل مصلحة آنية، فعادت بالخيبة والخسران.
الأحداث التي مرت بها المنطقة العربية ورأينا فيها كيف أن القوى العظمى التي كانت العضيد لبعض الأنظمة، كانت من أبرز أسباب سقوطها بعد إن لم تكتف بالتخلي عنها، بل ومارست عليها ضغوطا أسهمت في سقوطها السريع، تؤكد على سلامة نهج القيادة في بلادنا، وإيمانها بأن الشعب ـ بعد الله تعالى ـ هو الملاذ الآمن عند الملمات، وهو أمر اكتشفته بعض الدول متأخرة فعادت إلى شعوبها سعياً للتصالح معها.
هذا الموقف غير المستغرب من الشعب السعودي تجاه محاولات إثارة الفتنة والفوضى، والذي كان استفتاء غير مباشر لموقف الشعب من الدولة، كان محل تقدير كبير من القيادة، عبر عنه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية حينما هنأ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بشعبه الكريم الوفي، وقال: ''نعم أهنئ قيادة هذا الوطن بشعبه رجالا ونساء كبارا وصغارا على وقفتهم الأبية الكريمة والوفية لرد بعض الأشرار الذين يريدون أن يجعلوا من المملكة بالأمس مكانا للفوضى والمسيرات الخالية من الأهداف السامية ولكنهم أثبتوا أنهم لا يعرفون شعب المملكة، فهناك شعب واع وشعب كريم وشعب وفي لا تنطلي عليه الافتراءات، فإنه يعرف نفسه''.
وأضاف: ''لقد أثبت شعبنا للعالم كله أنه في قمة تلاحمه مع قيادته وأنه أمة واحدة متمسكون بدستورهم كتاب الله وسنة نبيه'' .. وقال: ''أؤكد على أن شعبنا رفع رؤوسنا أمام العالم كله''.
هذه الوعي لدى المواطنين، ورفض أية محاولة للإخلال بالأمن، كان مثار تعليق عديد من المراقبين الذين أبدوا تعجبهم من هذا الموقف، رغم الضخ الإعلامي الكبير الداعي إلى التغيير في المنطقة العربية.
إن المواطن حتى وإن كانت لديه عديد من المطالب والاحتياجات، إلا أنه قادر على معرفة من يحاول استغلال هذه المطالب لتحويله إلى أداة هدم، وهو يدرك أن من سيحقق له ما يؤمله من عيش كريم، وحل ما يواجهه من إشكالات، ليس ذلك المحرض البعيد عن هموم المواطن، وإنما قيادته التي بيدها معالجة هذه الأوضاع.
هذه الصورة من التلاحم والوعي الذي قدمه الشعب السعودي، سيكون له تأثيره الإيجابي في الساحة العربية، وستدرك شعوب عديدة أن ما ترفعه من شعارات ليست دائماً تأتي بخير، وأن الخيار الأمثل هو الإصلاح الذي يأتي من الداخل، بعيداً عن العنف، ودون محرضات خارجية.