كليات و معاهد تقنية المعلومات.. الواقع والمأمول
كليات و معاهد تقنية المعلومات.. الواقع والمأمول
<a href="mailto:[email protected]">ksaksu@gmail.com</a>
كتبت في مقال سابق أن أول خطوة في مجال رفع مستوى قطاع تقنية المعلومات والتحول من الاستهلاك إلى الإنتاج هي الاهتمام بتطوير كليات ومعاهد تقنية المعلومات، كونها تمثل المرحلة التي يتم فيها تأهيل الطالب بالعلم والخبرة اللازمين في تقنية المعلومات للدخول في سوق العمل.
لكن يشير واقع الحال إلى قصور تلك الكليات والمعاهد في القيام بأدائها الأمثل نحو تخريج الكفاءات المتميزة، وذلك لعدة أسباب منها ما يتعلق بها داخليا أو ما تتأثر بها خارجياً.
لنبدأ بالعوامل الداخلية أولاً، فعلى الرغم من طبيعة مناهج الكليات الجامعية، التي تميل إلى الأكاديمية والتأصيل والتأسيس، وذات الطابع البطيء التغير والتطور، إلا أنها بعيدة عمّا تحتاج إليه سوق العمل، مهملةً بذلك الجوانب التطبيقية الحديثة. إن بعض ما يدرس في كلياتنا لا فائدة منه في هذا الجزء من العالم، بل إن تدريس تلك المناهج كان على حساب تدريس مناهج أكثر ملاءمة لوضعنا الراهن في تطبيق تقنية المعلومات. أما برامج الدبلومات (سنتان) ذات الطابع الأكاديمي، التي يتخرج الطالب فيها ولم يتقن الجانب العلمي ولا العملي، فإنه من الأفضل التركيز على الجوانب العملية المتخصصة في نطاق ضيق لطلاب الدبلومات والتقليل من المناهج الأكاديمية. فالطالب ربما لا يتمكن من الإلمام بعلوم وتطبيقات كثيرة مثل طالب البكالوريوس، إلا أنه يجب أن يكون أفضل من طالب البكالوريوس في تخصص دقيق مثل إدارة الشبكات أو البرمجيات.
ومن العوامل الداخلية الأخرى أعضاء التدريس في الكليات والمعاهد، فعددهم قليل مقارنة بالطلاب الحاليين، فضلاً عن حاجة السوق، أضف إلى ذلك قلة نسبة السعوديين بينهم. كذلك يعاني بعضهم من الضعف جراء بُعد تخصصه الأساسي عن تقنية المعلومات، أو قلة تطورهم ومواكبتهم لكل جديد بسبب قلة الحوافز والإمكانات التي تتيح لهم التعرف على الجديد، يضاف إلى ذلك ضعف المساندة في التدريس سواء بقلة المواد التعليمية اللازمة أو المعامل المتخصصة، مما جعل هناك عوائق للتميز.
كذلك من العوامل الداخلية التي تؤثر سلباً في جودة التعليم هي اللوائح والتشريعات التي لا تفرق بين عضو فعّال ومتطور وآخر متقوقع على نفسه، فالمردود المالي والمعنوي ضعيف نسبياً إذا ما قورن بالدول المجاورة، أو بما يُتوقع منه من تطور مستمر لنفسه ولمواده التعليمية.
أما العوامل الخارجية للكليات التي تؤثر سلباً على ناتج الكليات فتكمن في نظري في عاملين أساسيين هما: الطلاب وتهميش دور الكليات. أما الطلاب، فإن الكليات مع اشتراطها قبول المتفوقين فقط فإن حال بعض الطلاب لا يعكس تفوقهم، أضف إلى ذلك انشغال شباب اليوم بملهيات لم نكن نعرفها من قبل. والذي يزيد الطين بلة أن سوق العمل مع الطلب المتزايد على خريجي تقنية المعلومات تتطلب المتميز والضعيف، لذا فالطالب الضعيف لا يأبه بضعفه وهو يعلم أن الوظيفة تنتظره، ومن الطريف ما قاله لي بعض المسؤولين أنه يبحث عن خرّيج بشرط ألا يكون متفوقاً خشية أن تُعرض عليه فرصة أفضل فيتركهم.
أما العامل الخارجي الآخر فهو انعزال الكليات عن سوق العمل، والعتب هنا على الكليات من جهة وعلى الجهات الحكومية والخاصة من جهة أخرى، فالكليات لا تتحسس حاجة سوق العمل، وسوق العمل لا يشارك في اختيار المناهج ودعم الكليات في التطوير، فالكليات مغيبة عن الخطط الاستراتيجية والتوجهات والتحديات الحالية لسوق العمل.
إن أي استثمار في تلك الكليات أو المعاهد يعود بالنفع على الطالب أولاً ثم جهة العمل المستقبلية للطالب، سواء حكومية أو أهلية، ثم على الوطن بشكل عام. إنها هموم وأماني تكتب وتقرأ وأتمنى أن تطبق لمصلحة الوطن قبل كل شيء.