فنلندا : نمو اقتصادي وفائض خزانة ونقص في الاستثمارات

فنلندا : نمو اقتصادي وفائض خزانة ونقص في الاستثمارات

خلال فترة وجيزة من الآن سوف تتولي فنلندا رئاسة الاتحاد الأوروبي وطوال فترة تمتد لمدة ستة أشهر سوف تصبح مدن هلسنكي وتوركو وتامبيري وأوولو وروفانيمي المدن الرئيسية في أوروبا. لقد انقضى 11 عاماً منذ انضمام الفنلنديين إلى الاتحاد الأوروبي. وطوّرت فنلندا في هذه الأعوام من نفسها لتصبح المدرسة النموذجية في أوروبا، حتى المعدلات الاقتصادية تؤكّد: ففي هذا العام كانت التوقعات بالنمو تبلغ نحو 3.8 في المائة، وفي عام 2007 نحو 3 في المائة، كما ورد عن لايف فيجرنيس، المدير العام لرابطة الشركات الفنلندية، والسفير الفنلندي السابق في ألمانيا. ويُقدّر فائض من الحصص في الخزانة الحكومية بنحو 2.1 في المائة. ومن المفترض استخدامها في تقليص تعريفة الضريبة على الدخل الإجمالي القومي. ولا يشيع الحفاظ على مواصفات الموازنة التابعة للاتحاد الأوروبي القلق بين صفوف الفنلنديين مثل ما هو بين الألمان.
لقد تمكنت هذه الدولة في شمال أوروبا في التحوّل من منطقة يعزز فيها الاتحاد السوفيتي جيوشه لتصبح قلب أوروبا الاقتصادي. وبالطبع لم تكن هذه الطريق سهلة. عقب انهيار الاتحاد السوفياتي في أوائل التسعينيات انخفض نحو ثلثي التصدير بضربة واحدة هناك، وفي الوقت ذاته، كان لابد من تخفيض قيمة المارك الفنلندي نحو 20 في المائة عقب مرحلة من الفائدة المرتفعة، وأزمة البنوك. وعانت الدولة كمحصّلة من الكساد المرهق، والإفلاس المتعدد. وتبع هذا المزيد من التجمّد الاقتصادي في عقود التعرفة، التي انخفضت بفعل الحصص الاجتماعية بصورة دراماتيكية. وتراجع حجم الناتج المحلي الإجمالي ما بين عامي 1991 ، و1993 نحو 13 في المائة، وارتفع حجم البطالة العمالية إلى 18 في المائة، والعجز التجاري إلى 12 في المائة.
والتحوّل في الهيكلة في قطاع صناعة المواد الخام (الورق، والخشب، والمعادن) إلى صناعة المعلوماتية، تسارع فعلاً، وانخفضت حصة القطاع الزراعي منذ عام 1975 حتى ويومنا هذا بنحو 10.2 إلى نحو 3 في المائة. وحتى عندما يصدر حالياً نحو عُشر الخشب، ومنتجات الورق حول العالم من فنلندا: تُعتبر صناعة الإلكترونيات منذ عام 2000 القطاع الصناعي الأكبر في الدولة؛ ومنتجاتها الأهم في مجال التصدير. ويتم التواصل مع العالم بمساعدة نحو 2.5 مليار هاتف نقّال ؛ وتبلغ حصة نوكيا من السوق نحو 35 في المائة. وتوجد مصانع نوكيا حول العالم بأسره، وباعت نوكيا في عام 2005 فقط نحو 295 مليون هاتف نقّال.
وتُعتبر فنلندا إلى جانب إسبانيا في الوقت الراهن أنج الأمثلة على التداخل فيما بين دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء. ولهذا يمكن للفنلنديين في فترة رئاستهم الثانية اليوم أن يظهروا بثقة أكبر بأنفسهم أكثر مما كانوا خلال فترة رئاستهم الأولى عام 1999. والنصر الفنلندي هو سياسية التحديث. والتمركز الإيجابي في البحث والتطوير، والذي ليس له علاقة بالتعريفة التي قيمتها صفر، تريد المدرسة النموذجية اليوم تقرباً أكثر نحو الدول الأخرى للاتحاد الأوروبي. ويقول رئيس الوزراء ماتي فانهانن : "عندما تريد كل دولة من دول الأعضاء استثمار نحو 3 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي في التحديث، ستُتاح سنوياً نحو 100 مليار يورو أكثر لمشاريع المستقبل المهمة ، وعندها سنحقق في أوروبا الكثير من قصص النجاح أكثر من إيرباص أو نوكيا"، وتريد ألمانيا أن تعمل على رفع حصتها من حجم الناتج المحلي الإجمالي في البحث والتطوير خلال الأعوام الأربعة المقبلة، من 3.2 إلى 3.5 في المائة. ويخطط الفنلنديون حتى عام 2010 رفعاً من 3.5 إلى 4 في المائة، فهم يريدون أن يلحقوا بركب جيرانهم السويديين. وتتحمل الشركات الخاصة نحو ثلثي الاستثمارات في البحث والتطوير في فنلندا، وأولاها شركة نوكيا.
إن التعلّق بنوكيا بالنسبة إلى فنلندا نصر ومخاطرة في الوقت نفسه. وتشاع في فنلندا جملة مشهورة : إذا سعلت نوكيا، يهدد فنلندا بأكملها التهاب الرئة. من المفترض بناءً على هذا أن يتواجد في فنلندا في المستقبل المزيد من التكنولوجيا المتقدّمة، وصناعة التكنولوجيا الحياتية. وبالفعل فإن الموقع على الحافة هنا يُعد سلبياً، حيث إن فنلندا تجتذب القليل من الاستثمارات، أكثر مما يستثمره الفنلنديون في الخارج. ولهذا فإن الرؤية من وجهة نظر رئيس الرابطة الصناعية، فاجرنيس، على الأغلب هي زيادة في التقدّم العمري للمجتمع، ونقص في القوى العاملة، وارتفاع في حجم البطالة، وضرائب، ونفقات اجتماعية، والقليل من الإنتاجية، واستثمارات غير كافية، كلها تكبح النمو بصورة متزايدة. "إن الاستثمارات، والبحث والتطوير، كلها أمور حسنة، ولكن دون استخدامها في الصناعة تبقى ذات قيمة أقل بكثير".
على طرف أوروبا: تسجّل نسبة الأجانب نحو 1 في المائة. "مشكلة التداخل"، كلمة غير متعارف عليها بين الفنلنديين. وهنا يتحمّس السياسيون أكثر في إعطاء الحافز لمزيد من الوافدين، حيث إن التقدّم العمري لدى السكان، والعواقب الاجتماعية السلبية التابعة لهذا على سوق العمل، والتأمين الاجتماعي، كلها تواجه فنلندا أكثر من باقي دول أوروبا في الوسط. ورغم إعادة الهيكلة لنظام التقاعد، بإطلاق عمر التقاعد المرن ما بين 63 و68 عاما من العمر، تبقى التحديات الديموغرافية غير محلولة، ويُفتقد فيها تدّفق الشباب من دول الاتحاد الأوروبي.
ونقطة عجيبة بالنسبة إلى الفنلنديين كما هي في السابق، حجم البطالة المرتفع، والذي بلغ العام الماضي نحو 8.4 في المائة، بالكاد تحت معدل الاتحاد الأوروبي. وتشير دراسات الاستفتاء والإحصاءات الأخيرة إلى أن الشعب الفنلندي في أوروبا، الشعب الذي يحظى بأقل روح للإقبال على الشركات. وتفرض الضرائب المرتفعة، والنفقات الاجتماعية، وكذلك الحقوق الداعمة للمنافسة، والقليل من الحماسة للاستقلالية، وكلها تعمل على إعاقة القدرة للشركات في الشمال، مثل الشتاء الطويل والمظلم على الأقل.

الأكثر قراءة