محجر صحي باستثمار سعودي يحل أزمة 5 سنوات من حظر مواشي القرن الإفريقي

محجر صحي باستثمار سعودي يحل أزمة 5 سنوات من حظر مواشي القرن الإفريقي

محجر صحي باستثمار سعودي يحل أزمة 5 سنوات من حظر مواشي القرن الإفريقي

كشف مسؤول رفيع في السفارة الجيبوتية في الرياض، عن عزم بلاده وضع حل جذري للحظر الذي تفرضه المملكة على واردات دول القرن الإفريقي من المواشي الحية واللحوم، من خلال إنشاء محجر صحي متطور على مضيق باب المندب ليكون مركزا معتمدا لتصدير المواشي واللحوم الإفريقية إلى جميع دول مجلس التعاون الخليجي وبعض الدول العربية.
وسيتم من خلال هذا المحجر الذي من المتوقع أن يكون مشروع الهدي والأضاحي التابع للبنك الإسلامي للتنمية من أكثر المستفيدين منه التحكم في جميع صادرات المواشي من دول القرن الإفريقي، بعد أن يتم الكشف عليها بشكل دقيق والتثبت من خلوها من الأمراض المعدية. وهو المشروع الذي يرى فيه المسؤولون في السعودية وجيبوتي الحل الأنجع لتجاوز عقبة استمرار الحظر الذي تفرضه المملكة على مواشي القرن الإفريقي منذ وقوع كارثة حمى الوادي المتصدع قبل خمس سنوات.
وأكد ضياء الدين سعيد بامخرمة سفير فوق العادة ومفوض جيبوتي في الرياض، أن المشروع الذي لم يتبق على الانتهاء من إنشائه بشكل كامل سوى 80 يوما سيكون البوابة الرئيسة لتصدير المواشي من دول القرن الإفريقي إلى بقية دول العالم، إذ من المتوقع أن يبدأ التصدير في مطلع تشرين الأول ( أكتوبر) المقبل أي في الثلث الأول من شهر رمضان المبارك.
وقال بامخرمة في حوار له مع "الاقتصادية" "إننا نعول كثيرا على هذا المشروع في فك الحظر واستعادة حركة تصدير المواشي إلى المملكة، بعدما تسببت هذه القطيعة الطويلة في تراجع حجم التجارة البينية وتقلص الوضع الاقتصادي في دول القرن الإفريقي، وكذلك الوضع بالنسبة للسوق السعودية, حيث تسبب الحظر في رفع أسعار المواشي المحلية نتيجة نقص المعروض خاصة خلال شهر رمضان المبارك وموسم الحج".
وبين السفير الجيبوتي لدى المملكة أن فريقا يضم لجنة حكومية مكونة من وزارات: الزراعة، التجارة والصناعة، والصحة، سيزور بلاده، بهدف الاطلاع عن كثب على الإجراءات الصحية التي اتخذت في هذا المحجر وما يملكه من إمكانات وصفها بـ "الهائلة". إلى التفاصيل:

التزام دقيق بالشروط الصحية
هل من تفاصيل أكثر عن هذا المحجر الصحي؟

نعم، هذا المحجر سيقوم باستقبال المواشي من دول القرن الإفريقي كافة، ومن ثم العمل على التأكد من سلامتها وخلوها من الأمراض من خلال إخضاعها لفترة حجر معينة تصل إلى 21 يوما وعمل متابعة دقيقة من قبل الشركة القائمة على المشروع وهي شركة أبو ياسر الدولية ـ شركة جيبوتية باستثمار سعودي ـ وتحت رقابة صارمة من قبل وزارة الزراعة الجيبوتية التي ستتولى بدورها منح شهادات فحص معتمدة تثبت خلو هذه المواشي من الأمراض، ليتم بعد ذلك تصديرها سواء إلى السعودية أو إلى غيرها من الدول الأخرى.
ونطمح إلى أن يعمل هذا المحجر على خدمة منطقة القرن الإفريقي كافة اقتصاديا جيبوتي، إثيوبيا، والصومال، بحيث يتم عبره تصدير المواشي إلى المملكة والخليج والدول العربية الأخرى، على أن يكون هذا المحجر مكتملا لجميع الشروط الصحية المطلوبة والدقيقة التي تفرضها السعودية وتلزم بها جميع الدول كي يتم الاستيراد منها.

القضاء على التجاوزات

هل إقامة هذا المحجر كان بطلب من السعودية كي يتم رفع الحظر عن مواشي القرن الإفريقي؟
هو ليس بطلب من السعودية بقدر ما هو اتفاق مشترك بين المسؤولين في البلدين من أجل وضع حد لهذا الحظر، حيث إن فكرة المشروع نبعت على أثر حظر السعودية المواشي المستوردة من دول القرن الإفريقي بشكل عام وجيبوتي في أعقاب ظهور مرض حمى الوادي المتصدع الذي أصاب منطقة الجنوب السعودي قبل خمس سنوات، لكنني أرى أن إقامة هذا المحجر أمر مطلوب منذ فترة طويلة بهدف تنظيم التصدير والقضاء على العشوائية ووضع حد للكثير من التجاوزات في عمليات التصدير لمواش مريضة لبعض دول الجوار، علما أن جيبوتي لم تتأثر كثيرا بحادثة حمى الوادي المتصدع، لكن حرص المسؤولين في السعودية دفعهم إلى اتخاذ هذا الإجراء الاحترازي وفرض الحظر بعدما تفاقم الوضع.

استقرار سياسي وثبات العملة

لماذا جيبوتي؟

تم اختيار جيبوتي كي تكون مقرا لهذا المحجر لموقعها الاستراتيجي لأنها تقع على منفذ بحري مهم وهو مضيق باب المندب، وكذلك الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، إضافة إلى سهولة فتح الاعتمادات المالية ومرونة التعامل مع جميع البنوك التي يحتاج إليها المستثمر، فضلا عن ثبات العملة، ولا ننسى أيضا موقع جيبوتي ما بين الصومال وإثيوبيا وإريتريا.

من الصومال وإثيوبيا إلى جيبوتي

لكن جيبوتي ليست المركز الحقيقي لتجارة (الماشية) من بين دول القرن الإفريقي؟

الحقيقة أن التمركز الحقيقي للثروة الحيوانية الماشية في منطقة القرن الإفريقي موجود في إثيوبيا، لكن هذه الدولة كما نعلم لا تملك ميناء بحريا، وبالتالي فهي تعتمد اعتمادا مطلقا على ميناء جيبوتي الذي يعتبر عمليا هو الميناء الرئيسي لإثيوبيا.
ودعني أعرج قليلا على سؤالك السابق حول "سبب اختيار جيبوتي!"، إن اختيار جيبوتي لتكون المصدر الرئيسي لصادرات المواشي من القرن الإفريقي، لم يأت من فراغ، بل لأنها الدولة الوحيدة المهيأة للقيام بهذه المهمة، إذ إنها تستطيع أن تجمع بين ما يأتي من إثيوبيا وما يأتي من الصومال، خاصة أن الأخيرة تعيش حالة من الاضطرابات الأمنية منذ 16 عاما، لذا فقد تم الاتفاق من خلال هذه الفكرة الإقليمية الدولية على أن تكون جيبوتي هي المنفذ الملائم والمناسب لتصدير مواشي القرن الإفريقي إلى الخارج.

الاستعانة بخبراء عالميين

إلى أين وصل مشروع المحجر حتى الآن؟
المشروع الآن في مراحله الأخيرة ويجري تنفيذه وفق أعلى المواصفات والمقاييس العالمية بإشراف خبراء عالميين لديهم الخبرة الطويلة في تنفيذ مثل هذه المشاريع، كما أن هذا المشروع الذي أعتبره "عملاق المحاجر البيطرية في إفريقيا" تم تنفيذه بناء على دراسات جدوى اقتصادية وفنية متعمقة ليشتمل على أعلى المستويات الصحية والبيطرية.

"أبو ياسر الدولية"

لقد سمعنا كثيرا عن هذا المشروع من قبل عدد من المسؤولين في وزارة الزراعة السعودية، ألا ترى أنه قد جاء متأخرا جدا عن الموعد المحدد للإعلان عنه؟
أتفق معك على أنه تأخر فعلا، وكان من المفروض أن يتم إنجازه منذ ثلاث سنوات ماضية، لكن هذا التأخير كان ناجما عن عدم التزام إحدى الشركات التي أوكل إليها مهمة تنفيذ المشروع، الأمر الذي دفعنا إلى إزاحة تلك الشركة عن المشروع وتسليمه لـ "أبو ياسر الدولية"، وهي الآن على وشك الانتهاء من بعض المباني الإنشائية، وينتظر أن يتم خلال الثلث الأول من شهر رمضان المقبل تدشينه رسميا، بعد حضور وفد سعودي من الجهات المعنية، سيقوم بدراسة رفع الحظر عن جيبوتي وجميع دول القرن الإفريقي الذي هو مرهون بإقامة هذا المشروع بحسب الاتفاق مع الجانب السعودي، باعتبار أن هذا المحجر سيعمل وفق المواصفات والمقاييس العالمية ويلتزم جميع الشروط الصحية والبيطرية اللازمة التي تطبقها السعودية.

البلدان المنتجة والمستهلكة

ما المردود الاقتصادي الذي يمكن أن يجنيه المستهلك في كلا البلدين من هذا المشروع؟

أرى أن هذا المحجر سيخدم جميع دول القرن الإفريقي (المصدرة)، وكذلك الدول المستوردة ومنها السعودية، فمن جانب مواطني دول القرن الإفريقي فهو سيسهم في انتعاش تجارتهم في المواشي ودفعها نحو الرقي والتطور، أما من ناحية الدول المستوردة فإنه بطبيعة الحال ستوفر الكميات المطلوبة من المواشي في السوق المحلية الأمر الذي سيسهم في خفض الأسعار وحدوث إقبال على الشراء وبالتالي انتعاش الحركة الاقتصادية، إلى جانب بقاء أسعار الأغنام المحلية وفقاً لمعطيات السوق، خاصة إذا ما علمنا أن وقف الاستيراد من دول القرن الإفريقي أدى إلى رفع أسعار المواشي في السعودية وغيرها من دول الخليج خلال السنوات الخمس الأخيرة بشكل كبير نتيجة نقص المعروض، والحقيقية أن جميع المسؤولين في دول القرن الإفريقي والسعودية يتطلعون باهتمام إلى هذا المشروع العملاق، وأنا شخصيا منذ ثلاث سنوات أعمل على هذا الموضوع، كما أن نجاح هذا المشروع سينعكس إيجابا على الشركة التي تديره, حيث ستتملك "أبو ياسر الدولية" حصة في المشروع، إضافة إلى أنها ستكون المعنية بالرسوم وغيرها وبالتالي ستتقاضى نسبة منها.

أسواقنا الرئيسية في السعودية

هل جيبوتي تعمل حاليا على تصدير المواشي إلى دول أخرى غير السعودية؟

نعم، نحن نصدر حاليا إلى عدد من الدول لكن بشكل محدود، بسبب أن تلك الدول التي يتم التصدير إليها لا تزال غير مطمئنة عن وضع المواشي لدينا، لكن السوق الرئيس والمهم لمواشي دول القرن الإفريقي هي السعودية، وأنا أتوقع أنه بعد تشغيل المحجر بكل طاقته ستتم تغطية دول كثيرة غير السعودية مثل: دول آسيا وبعض دول الشرق الأوسط وكذلك مصر التي تعتبر سوقا مهمة لهذا النوع من المواشي، وينتظر أن يكون هذا المحجر نقطة ارتكاز اقتصادية مهمة لتصدير الثروة الحيوانية التي تتميز بها دول القرن الإفريقي، إضافة إلى مساهمته في ضبط عملية تهريب المواشي الرائجة في الوقت الحالي من القرن الإفريقي إلى المملكة عبر بعض دول الجوار.

ضبط التصدير والقضاء على العشوائية

هل هناك إحصائية لما تصدره جيبوتي أو دول القرن الإفريقي من المواشي سنويا؟
الحقيقية لا أملك رقما محددا، لأن التصدير لدينا ليس منظم، كما أنه ليس لدينا جهة نظامية يمكنها وضع مثل هذه الإحصائيات مثلما هو الوضع في أستراليا ونيوزيلندا وغيرها من البلدان التي تعتبر متخصصة في هذا المجال. لكن أتوقع من خلال هذا المحجر أنه سيتم إلى حد بعيد ضبط عملية التصدير، ونحن نعول عليه كثيرا في مساعدتنا للتوصل إلى أرقام محددة ودقيقة عن حجم التصدير في دول القرن الإفريقي، بل ومرجعية عالمية يمكن الاستناد إليها في تقدير حجم الثروة الحيوانية في دول المنطقة، إذا ما علمنا أن الطاقة الاستيعابية للمحجر تقدر بنحو خمسة ملايين رأس سنويا.

متابعة من الرئيس الجيبوتي

ماذا قدمت حكومات دول القرن الإفريقي والحكومة الجيبوتية تحديدا لدعم هذا المشروع؟
لقد قدمت الحكومة الجيبوتية جميع التسهيلات اللازمة للمستثمر، وكذلك الضمانات السياسية والأمنية والاقتصادية المطلوبة، إضافة إلى الدعم الفني والإشراف المباشر من قبل الجهات المعنية في جيبوتي، لأنه سيكون لهذا المشروع مردود إيجابي ليس فقط على الدولة التي يقع المشروع على أرضها بل على جميع دول المنطقة، وهناك اهتمام كبير ومتابعة مباشرة للمشروع من قبل الحكومة الجيبوتية، حيث التقى رئيس الدولة عدة مرات المستثمر الشيخ محمد قائد رئيس شركة أبو ياسر الدولية ـ صاحبة المشروع ـ وقد بارك له العمل وقدم له الدعم الشخصي في هذا المجال.

رقابة دولية

هل هذا يعني أن وزارة الزراعة الجيبوتية ستتولى مهمة إصدار شهادات صحية معتمدة تثبت خلو المواشي المصدرة من الأمراض؟
نعم، بالطبع ستكون هناك شهادات بيطرية معتمدة، وستكون هناك رقابة حكومية صارمة وعمليات تفتيش مستمرة، إما بشكل فجائي وإما بطريقة منتظمة، وستتم محاسبة أية إخلال في هذا الأمر، كما أن المحجر سيطبق النظام العالمي للحجر من خلال وضع المواشي تحت المتابعة المحجرية على ثلاث مراحل بحد أدنى 21 يوما، كما أن المحجر سيكون خاضعا للرقابة الدولية من خلال التعاون مع وزارة الزراعة الجيبوتية، كما أن جيبوتي بصدد استكمال الإجراءات الرسمية لنيل شهادة إعلان خلوها من الأمراض الوبائية المحجرية عن طريق المنظمة الدولية للصحة الحيوانية OIE.

اتفاقية تصدير

بعد اكتمال المشروع هل هناك نية لتوقيع اتفاقية دولية بين وزارة الزراعة السعودية ونظيرتها الجيبوتية بهدف إعادة استئناف استيراد المواشي من دول القرن الإفريقي وفق شروط محددة، على غرار ما تم بين المملكة وأستراليا أخيرا؟

بالتأكيد هناك خطة بأن يقوم فريق فني سعودي مكون من وزارات: التجارة والصناعة، الصحة، والزراعة بزيارة جيبوتي للاطلاع على الوضع الصحي البيطري فيها، والوقوف ميدانيا على أماكن تربية المواشي ومدى مطابقة وملاءمة الشروط المتوافرة في المحجر الحيواني في جيبوتي الجاري تنفيذه حالياً، ليتم إعداد تقرير فني بذلك يتحدد في ضوئه رفع الحظر من عدمه عن تلك الدول، لكن تأخر إنجاز المشروع لم يجعلنا نحدد متى تتم زيارة الفريق السعودي الفني إلى جيبوتي، ونتوقع أن تتم بالتزامن مع بدء الخطوات الأولى لافتتاح المشروع في رمضان المقبل إن شاء الله.

الأكثر قراءة