10 % من الشباب الألمان مدينون للبنوك بسبب فواتير الجوالات
"الشباب في فخ المديونية" "خمسة ملايين شاب مدينون للبنوك "الهواتف الجوالة تلقي بالشباب في هاوية الدمار"، تلك هي بعض العناوين التي يجرى ترديدها كلما دار الحديث حول الشباب ومشكلاتهم مع النقود، والحقيقة أن تقرير المديونية لعام 2006، الذي أصدرته جمعيات خيرية مثل ( الكاريتاس ) و( دياكوني) والصليب الأحمر بالتعاون مع اتحاد جمعيات الدفاع عن المستهلك يقدم صورة أقل بشاعة من تلك التي ترسمها وسائل الإعلام.
لقد وضع الخبراء أخيرا عشر دراسات تحت المجهر، وكلها دراسات تناولت هيكل مديونية الشباب وحجم تلك الديون، وجاء في خلاصة هذه الدراسات: إن المسألة لا تتعلق بالضرورة بقدرة الشباب على سداد ديونهم بقدر ما تتعلق بموقف هذه الفئة العمرية من النقود، وطريقة تعاملها بالنقود غير أن هيلجا شبرينجينير المسؤولة عن قسم الخدمات المالية في اتحاد جمعيات الدفاع عن المستهلك لا تعتبر ذلك سببا كافيا للتهاون ذلك لأنه حتى لو لم تبرهن الأرقام على الصورة القاتمة التي رسمتها أجهزة الإعلام فان هناك ما يشير بوضوح إلى صعوبة تعلم العديد من الناشئة والشباب أفضل الطرق للتعامل بما هو متاح لهم من أموال. فقد تبين أن واحدا على الأقل من كل عشرة من الشباب ينفق أمواله على شراء سلع استهلاكية تفاخرية، كما أن المبالغ التي يقترضها الشباب لا يستهان بها. وتشير الدراسات إلى أن متوسط الدين لكل شاب من أفراد هده الفئة العمرية يراوح بين 1100 و4100 يورو.
أما أن ثمة تفاوت واسع في متوسط الديون فترجعه سبينجينير إلى التفاوت الكبير في عينات الدراسة، فبينما ركزت بعض الدراسات على الشباب المتعلم والناشئة ممن يتمتعون بدرجة ما من الاستقلال المالي، ركزت دراسات أخرى على الفئة التي تراوح أعمارها بين 13 و24 سنة. وركز آخرون أيضا على فئة الشباب، بالمعنى الضيق، ممن تقل أعمارهم عن 18 سنة، وهي الفئة غير المسموح لها قانونيا أن تكون حاملة لأية ديون.
أما أسباب هذه الظاهرة فهو موضوع مختلف فيه، ولكن من الثابت أنه لا وجود " للشخصية المدينة " من حيث المواصفات القانونية. إذ أنه لم يتم التوصل لا في الدراسات الشبابية ولا في بحوث الناشئة إلى وضع اليد على أية علامات مميزة تجعل من حاملها أكثر عرضة من غيره للاستدانة. وربما لهذا السبب بالذات يتبادل الاقتصاديون والبنوك والمدارس والآباء الاتهامات في تحمل المسؤولية منذ سنوات. غير أن الصناعات الاستهلاكية، وبشكل خاص قطاع الهواتف الجوالة، متهمة بأنها تدفع الشباب دفعا للاستدانة من خلال استراتيجياتها التسويقية. وفي هذا السياق تقول شبرينجينير، المدافعة عن حقوق المستهلك، إن الشباب لا يكاد يبلغ الواحد منهم الـ 18 من العمر حتى يكون غالبيتهم قد سقطوا في هوة الديون لفترات تمتد لـ 24 شهرا، بدون أي تبصر أو تفكير في العواقب.
ويقول هيلموت بيترز، المستشار في شؤون الديون في جمعية دياكوني، إن نحو 10 في المائة من زبائنه هم ممن تراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة، وغالبا ما تدور مشاكلهم حول ديون تحملوها من أجل اقتناء هواتف جوالة. حيث تشير الأرقام إلى أن ثلثي ديون الشباب هي لشركات الهواتف الجوالة. وتقول السيدة فريس، الباحثة في شؤون الشباب إنّ "ثمة حالات لبعض الشباب يصبح فيها الهاتف الجوال بمثابة كابوس"، ومع ذلك، فهي تقول، إنها لا تتفق مع المطالبات المتكررة بوضع عراقيل أمام حصول الفتيان والشباب على هواتف جوالة. والأمر الحاسم، مثلا بالنسبة لبطاقات الهاتف المدفوعة مسبقا، يكمن في تحديد الميزانية وتعليم الناشئة الأسلوب السليم في التعامل بالأموال والديون. ولا يعني ذلك فقط دفع مصاريف الجيب بانتظام، وإنما المطالبة بتسديد الفلوس المقترضة أيضا. وهذا يعني في حالة الجوال الذي يعمل بالبطاقات المدفوعة مسبقا أنه إذا استهلكت البطاقة خلال يومين فسيبقى في حوزة الشاب هاتف جوال ولكنه لن يكون في وسعه استخدامه لإجراء المكالمات طوال المدة المتبقية من الشهر.
وكذلك يسعى مديرو الشبكات لأن يدافعوا عن مصالحهم. فأخيرا أجرى مديرو الشبكات دراسة بالتعاون مع بعض المؤسسات البحثية المتخصصة تبين منها أن ديون الهواتف الجوالة هي المسؤولة الرئيسة عن تزايد مصروفات الأطفال. ولما كان من هم دون السن القانونية غير مؤهلين إطلاقا للتوقيع على عقود للاشتراك في هذه الشبكات فإن الشبكات تعتبر الآباء هم المسؤولون في مثل هذه الحالات. ويقول ناطق بلسان شركة "تي موبايل" للاتصالات: "لقد واجهنا الاتهامات الموجهة إلينا مند زمن"، وقال إن شركته تقدم مند سنة تقريبا بطاقات خاصة بالأطفال أصحاب الميزانيات المحدودة، ولا يسمح لحاملي هذه البطاقات باستخدامها للحصول على خدمات مكلفة. وتوجد عروض مشابهة لدى شركات الهواتف الجوالة الأخرى.
أما المدافعون عن حقوق المستهلك، الذين يشككون في النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة، فيقولون بأن هذه العروض غير كافية خصوصا وأن العروض الموجهة للأطفال كثيرا ما تكون مرتبطة بعقود موجودة. وهم لا يطالبون فقط بحماية القاصرين من الناشئة ضمن إطار قانون الاتصالات الهاتفية وإنما يطالبون أيضا بضرورة صياغة عقود جديدة تتصف بالمرونة وخاصة للشباب. وبغض النظر عن ذلك فهم يعتبرون أن مديونية المزيد والمزيد من الشباب هي أيضا مشكلة اجتماعية. وتقول السيدة فريس، المتخصصة في مجال التسويق، إن موضوع النقود لا يزال حتى اليوم من الموضوعات المحرمة في المنزل ولا يجري التطرق إليها في المدرسة" حيث لا يوجد ما يكفي من المعلمين، المدربين على معالجة قضايا من هذا النوع، كما لا يوجد كتب مدرسية مناسبة ". وفي هذه الأيام يصبح للأطفال وهم في سن السادسة حسابات جارية في البنوك، ولكن دون أن يكلف أحد نفسه مشقة توجيههم لكيفية التصرف في هذه الحسابات، كما يقول جيرهارد راب، أستاذ التسويق وإدارة المشروعات في كلية الاقتصاد في مدينة لودفيجسهافن فمنذ سنوات والأستاذ راب يطالب بضرورة انشغال المزيد من المؤسسات الاجتماعية بمشكلة مديونية الشباب وألا تبقى هذه المشكلة الشغل الشاغل للاقتصاديين دون غيرهم.
وهناك بعض المحاولات الأولى التي بدأت بالظهور لمعالجة هذه المشكلة، في هذا الأثناء، خصوصا من جانب البنوك وصناديق التوفير المحلية. ولكن هذه المحاولات، من وجهة نظر بيترز، مستشار شؤون الديون، ليست سوى نقاط على حجر ساخن، خصوصا في ضوء صعوبة وصول الشباب إلى مراكز الاستشارات، وعدم استمرارهم في الغالب في الاستماع للمشورة إذا ما وجدوا طريقهم إلى مراكز الاستشارات. ويقول بيترز في هدا السياق أيضا: "في الغالب لا نراهم ثانية إلا بعد عشرين سنة حيث يكون كل شيء قد فات أوانه ". إن نحو 80 في المائة من الناشئة، الذين يسعون إلى الحصول على استشارة، هم بالفعل مكبلون بالديون.
لقد أسس بيترز في منطقة كريفيلد حلقة أسماها " البنك والشباب في حالة حوار " يستهدف من ورائها متابعة ما يدور في المدارس، ومقارنة الأسعار ومناقشتها، وصياغة ميزانيات للأسرة، وشرح إشكاليات القروض. كما توجد مبادرات مماثلة في كل من هامبورج وميونيخ. وأخيرا من الجدير ذكره أن الاستنتاج النهائي الذي خرج به تقرير المديونية يعبر فيه مؤلفوه عن ضرورة تطوير برامج وقائية تغطي جميع المدارس.