"وادي تصب فيه الشعبان"
"وادي تصب فيه الشعبان" هي مقولة سمعتها من أحد كبار السن قبل أكثر من 13 عاما - الشعبان جمع شعيب وهو مصب المياه الفرعية للوادي الرئيسي - هذه العبارة قالها لي عندما كنا ننفذ دراسة تسويقية لصالح إحدى الشركات العقارية بهدف إنشاء مشروع أسواق تجارية وسط مدينة الرياض، وكنت أقابل بعض ملاك الدكاكين القديمة في المنطقة نفسها التي ستطور والذين عملوا فيها لعشرات السنين بهدف معرفة رغباتهم لشكل السوق الجديد وسألته عن أفضل تصميم يراه فأجاب بكل بساطة وبعبارة شعبية ما تراه عنوانا للمقال، وطلبت منه الاجتماع بمهندسي المشروع المكون من ثلاث شركات عالمية اثنتان عربية والأخرى أمريكية، وعندما ترجمت المعنى انبهر المهندسون من قوة تعبير الرجل وقدرته على إيصال رغبته لفكرة السوق بكل سهولة وعفوية ،واستفدنا كثيرا من هذه العبارة في إعداد التصاميم الأولية للمشروع طبعا الرجل أراد أن يكون تصميم السوق بطريقة الشريط الرئيسي العريض والمستقيم وتكون له فروع تقطعه وتمتد من الاتجاهين ويكون مفتوحا من جميع الجهات لتسهيل الحركة وسهولة الدخول والخروج وإمكانية دخول النساء والعائلات للسوق دون خوف بدلا من الأشكال الهندسية الملتوية والدائرية ومتعددة الأدوار التي تحد من حركتها، إضافة إلى وفرة مواقف السيارات مع جميع الجهات، واليوم نرى نماذج لمجمعات تجارية ناجحة بالفكرة نفسها.
هنا تكمن أهمية الدراسات التسويقية وبحوث السوق التي تعتمد عليها الشركات في تنفيذ أفكارها ومشاريعها بدلا من التركيز على الدراسات الهندسية والتصميم حسب ما يراه المهندسون أو الملاك فقط وليس ما يريده السوق، فالبعض يحرص على الدراسات الهندسية وينشيء لها إدارة أو يستعين باستشاري لعمل الدراسات الفنية والأبعاد والمساحات والنواحي الجمالية في المشروع وهذا جيد ولكن أن يتم إغفال دراسات السوق ورغبات المستفيدين من هذه المنتجات أو الخدمات وترجمتها هندسيا فهنا تكمن المشكلة حيث تكون الفجوة بين الجهتين وتكون النتيجة مخيبة للآمال بسبب سوء أو انعدام التنسيق بين الطرفين والخاسر في كل الأحوال جميع الأطراف التي لها علاقة حتى المستفيد النهائي من المشروع. حينما ترى شركة أو فردا ينوي الاستثمار في مشروع ما ويركز على الدراسات الفنية والهندسية والبدء في تصميم المشروع وتقسيم المساحات وإعداد الفكرة من مكاتب الشركة بعيدا عن دراسات السوق ودراسات الجدوى الاقتصادية فلا عجب من فشل بعض المشاريع والتورط في بيعها وهناك نماذج نشاهدها يوميا. قد يفكر مستثمر ما في مشروع ويستثمر في الدراسات ويكتشف أن المشروع غير مجد ويتوقف عن تنفيذه فهذا بحد ذاته نجاح بكل المقاييس مقارنة بالأضرار على تنفيذ المشروع ثم الفشل في تسويقه وبيعه. وقد تتساوى الشركات في تقديم منتج متميز وتتنافس وتنجح في بيعها ولكن يبقى الفيصل في أسلوب تقديم الخدمات المضافة، وخدمات ما بعد البيع فالعميل دائما يبحث عن التميز في كل شيء حتى وإن كان معنويا.