سوق الأسهم الصينية في أحسن حالاتها
لعله من الجرأة المفرطة الافتراض بأن الناس في الغرب يبدون اهتماما بمؤشر الأسهم الصينية أكثر من اهتمامهم بالمؤشرات المحلية . غير أن من الممكن إعادة النظر في هذه الفرضية بعد إلقاء نظرة على مؤشر شنغهاي الذي لم يكن أحد يعيره أي اهتمام ولفترة مديدة من الزمن على الرغم من انفعالنا لما يدور في الصين من تطورات. إذ إن المؤشر بلغ أدنى مستوياته في منتصف السنة الماضية بعد أربع سنوات من التراجع المستمر، مما كلفه خسائر تقدر بنحو 60 في المائة من قيمته السابقة .
ولكن منذ ذلك الحين تطورت جميع خصائص المؤشر التي يحتاجها المحلل الفني لإثارة أكثر من علامة استفهام. فحالة الهبوط التي شهدتها السوق تمثل نمطا مثاليا لحركة تصحيحية حيث جاء الصعود من حضيض كارثة. كما أن مرحلة التماسك التي لم تبدأ إلا منذ بضعة أسابيع لا يمكن تصنيفها إلا على أنها تأكيد على مجرد توجه، أولا لأنها بدأت حيث انتهى الاتجاه التراجعي الذي استمر طويلا ورافقها بالتالي بعض مؤشرات انتعاش من الدرجة الأولى، وثانيا لأن بدايتها كانت تحت حاجز المقاومة في منطقة تقع ما بين 1680 و1740 نقطة. وتدل النقطة الأولى على القوة الهائلة التي يمتلكها المؤشر، بينما تشير النقطة الثانية إلى أنه لم يتم تحقيق الكثير حتى الآن وأنه ليس قدرا محتوما الوصول إلى مرحلة من المبالغة في الأسعار في المستقبل.
على هذه الخلفية التحليلية الحذرة لا بد لأي تنبؤات في هذا السياق أن تكون ذات طابع متفائل، ومن الجدير ذكره أن نقطة انطلاق مؤسسة شتاود للبحوث تقوم في تحليلاتها على أساس توقعاتها بأن المؤشر سيصل في الفترة من بين 12 إلى 18 شهرا إلى دورته التاريخية عند 2200 نقطة، أو ربما أنه يتراجع بعض الشيء إلى نحو الألفي نقطة. ومما لا شك فيه أن في هذا شيئا من المراهنة على المستقبل، وبالتالي فإن الفترة الحالية غير مناسبة بشكل خاص لمخاطبة عقول وقلوب المتعاملين في البورصات الذين تشد انتباههم حاليا مباريات مونديال كرة القدم. ولكن من المؤكد أن هذا التوقع قابل للتحقق إنسانيا، كما أن مرحلة تحقيق التماسك ستستمر لفترة أخرى من الزمن، أما الرسم البياني الذي يمثل منحنى صاعدا بقوة فيمكن اعتباره مستهلكاً كلاسيكيا.
ولهذا فعلى الرغم من كل الحماس الكروي تبقى الأنظار مشدودة لمؤشر داكس ولرسم بياني مختلف تماما لمؤشر شنغهاي، وبالطبع لا يمكن التهليل لانكسار حدة الاتجاه التراجعي طويل الأمد في هذه البلاد، وإنما الأحرى رفع العقيرة بالشكوى إزاء انكسار حدة الاتجاه التصاعدي طويل الأمد، حيث إن ذلك يحد من فرص استعادة السوق لعافيتها على المدى القصير لبلوغ مستوى 5660 و5700 نقطة، مما يبقي سيف ديموكليس مسلطا على أية تحركات للسوق. ولا يجوز، على أية حال، تجاهل حقيقة أنه على الرغم من تدني أهمية دلالات المؤشرات على الانتعاش الجديد في جميع أسواق الأسهم في العالم تقريبا، فإن هذا الانتعاش قد حدث في ظل ظروف فنية مناسبة للغاية ولهذا ينبغي إعمال الفكر أكثر فأكثر فيما إذا كانت الأزمة، بما وصلت إليه من تدن أثناء عملية التصحيح، يمكن أن تتوسع توسعا ملحوظا.
إن كلتا الحجتين الأساسيتين للتكنيك الفعلي للسوق اللتين يلجأ إليهما عادة لبلوغ هذه التقديرات هما : أولا إنه على الرغم من انكسار الاتجاه الصاعد طويل الأجل فإن من الممكن الآن استعادة السوق لعافيتها، وثانيا لا ينبغي تجاهل الدور الذي تلعبه أمواج نموذج ( ايليوت ) التصحيحية كلما لامس السوق الحضيض . فبالضبط هكذا تبدو في حالات كثيرة عمليات بناء الأرضية التي تستند إليها السوق. ويلاحظ أن الفرضية التي تلقى رواجا هي تلك التي تتوقع للسوق أن تتحرك في اتجاه سيوصلها في النهاية إلى حالة من الجمود. وبعبارة أخرى فإن السوق تسير في اتجاه سيوصلها إلى 5700 نقطة أو إلى ما دون 5243 نقطة وهي أدنى مستوى بلغته السوق في مجرى عملية التصحيح الراهنة، ومن ثم فليس من المتوقع أن تتحسن مواقع المضاربين في ظل ظروف تراجع السوق .
وبالمقابل لا تشكل النظرة إلى حال الفوائد سببا للسرور، فإشارات المرور لا تزال كما كانت تلوح باللون الأحمر بغض النظر عن الإجراءات الأخيرة التي اتخدتها البنوك المركزية، وفقط عندما تغلق المعاملات الآجلة في مجرى الاتجاه الصاعد طويل الأجل تحت مستوى 115 نقطة يمكن تلمس بعض إرهاصات النمو العاصف، ويبدو أن هذا الاتجاه هو آخر قميص يمكن أن يرتديه اليوم المتفائلون بمستقبل الفوائد، ولكن يبدو أيضا أنهم لن يتمكنوا من ارتدائه لفترة طويلة.