حلقات الفتن

بعد كشف وزارة الداخلية أمس عن اعتقال 149 شخصا، أولا يجب أن نقدر وبإعجاب حجم الجهد والمتابعة التي بذلتها الأجهزة الأمنية لملاحقة نشاط خلايا الفكر الضال، وبالتالي، وبتوفيق من الله، إحباط مخططاتهم التدميرية الإجرامية التي ليست لها علاقة بالإسلام أو بعمارة الأرض، بل هي إفساد وتخريب. وحجم هذه العملية يؤكد أننا كمجتمع وكدولة مستهدفون بالفتن ونسف منجزات وحدتنا، وهذا يتطلب التفافا وطنيا جديدا يوحد الكلمة لمحاربة الفتن ومسبباتها في بلادنا.
ومن مسببات هذه الفتن ما أشار إليه الدكتور عبد العزيز الحميدي في الحلقة التي بثها التلفزيون السعودي أمس، حيث واصل الشيخ أطروحاته الفكرية المتميزة التي كشف فيها أساليب وطرق منظري الفكر الضال لاستقطاب الشباب والتأثير في أفكارهم وجرهم إلى ضلال الفكر والسلوك وفساد العقيدة، فقد نبه الشيخ الحميدي إلى خطورة الدور الذي يقوم به منظرو الجماعات المنحرفة وكيف يعتسفون الأدلة ويخرجونها من سياقاتها لتوافق أهواءهم المريضة ومقاصدهم للقتل والتدمير.
والمراجعات التي قدمها الشيخ الحميدي جاءت بعد وقفة صادقة مع النفس وتفحص دقيق للأدلة الشرعية واختبار للأهداف والمقاصد التي تؤسس للفكر الضال، وما قاله الشيخ نتمنى أن يصل إلى جميع الشباب ليعرفوا أن الإسلام رسالته الأولى في الحياة هي البناء وليس الهدم والدمار، والرسول العظيم ـ صلى الله عليه وسلم قال: (لإسلام شخص واحد خير من قتل ألف كافر).
والجهود الفكرية المنظمة والمنضبطة بهدي الإسلام واعتبارات الدولة ومصلحة المجتمع نحتاج إليها الآن لتحمينا من مثيرات الفتن على عدة جبهات، نحتاج إليها لمحاربة الفكر الضال، ولمحاربة نزعات الإقليمية والعنصرية والطائفية، نحتاج إليها لترويض الأنفس والعقول المريضة التي قد تجرنا ـ لا سمح الله ـ إلى ما يفرق الشمل ويضرب أسس الوحدة الوطنية ومقوماتها.
وجهود رجال الأمن لن تكون كافية لتحمينا من نزعات الشر والعدوان، رجال الأمن يقومون بالمهمة الأخيرة، ولكن المهمة الأولى الضرورية هي التي بيدنا، إنها مهمتنا نحن لأن نحصن مجتمعنا عبر الاهتمام بدوائرنا الأولى، دائرة الذات، ثم دائرة العائلة، ثم دائرة المجتمع، فإذا صلحت الحلقة الأولى وتحصنت بالمثل والأخلاقيات والمبادئ الإسلامية والإنسانية التي تستهدف عمارة الأرض سهلت المهمة وأصبح إصلاح الحلقات التالية أسهل، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي