واشنطن تخشى إجراءات تقشف لتمويل التخفيضات الضريبية
لا تمثل السياسة الضريبية بالنسبة إلى الرئيس الأمريكي هذه الأيام قضية سهلة فهو لا يستطيع مثلا أن يضمن في الكونجرس الأغلبية المطلوبة لتمرير قانون إلغاء ضريبة الميراث الذي يرغب في تمريره رغم تمتع الجمهوريين بالأغلبية في المجلس . ومن الواضح أن بعض البرلمانيين يخشون أن يؤدي التصويت لصالح مثل هذا القانون إلى استغلاله ضدهم من قبل منافسيهم الديمقراطيين في معركة كسب الأصوات في انتخابات الكونجرس التي تجرى في فصل الخريف المقبل وبالفعل فإن المعارضة تصرخ منذ الآن قائلة إن إلغاء هذا القانون يمثل هدية أخرى لكبار الأثرياء في البلاد على حساب الطبقة الوسطى، ولهدا فليس أمام بوش، إلا القبول بحل وسط يتضمن إعفاءات ضريبية أخرى مجزية.
ويمثل النقاش المحتدم بشأن ضريبة الميراث دليلا آخر على الموقف الدفاعي الذي يجد الرئيس بوش وحزبه أنفسهم فيه, حيث إن نسبة كبيرة من الأميركيين تظهر عدم رضاها عن أداء بوش في سياساته الاقتصادية على الرغم من الانتعاش الاقتصادي غير العادي وعلى الرغم من تدني نسبة البطالة وانخفاض أسعار الفائدة. ومن المؤكد أن انتشار حالة عامة من عدم الرضا, ليس فقط بسبب عدم حصول تقدم في محاولات تهدئة الأوضاع في العراق ، تلعب دورا ما في ذلك . يضاف إلى ذلك حالة من السخط المتزايد بسبب ارتفاع أسعار البنزين بالنسبة إلى الأمريكيين والزيادات المتسارعة في تكاليف الخدمات الصحية. ومن الجدير بالذكر أن هذه الزيادات قد أتت ، بالنسبة إلى العديد من الأسر ، على أكثر من الزيادات التي تحققت لها في دخولها السنة الماضية. ومما يسهم في حالة الاستياء ذلك الميل المتزايد لدى الكثير من الشركات لحرمان العاملين لديها من ضمانات الشيخوخة ونقل التزاماتها في مجال التقاعد إلى مؤسسات الضمان الحكومية .
ولن يكون بالتالي من السهل على هنري باولسون وزير المالية الجديد ، أن يقنع مواطنيه بالنجاحات المزعومة لسياسة ضريبية لم تكن له يد في رسمها وتؤدي كما يقول الديمقراطيون إلى التحيز لمصلحة الأثرياء في ضوء الآثار التوزيعية التي تخلفها هده السياسة . ومن المعروف أن الحذر مطلوب في تحليل الأسباب والنتائج من وجهة نظر اقتصادية. هذا ولم يعد يرد ذكر, مهما كان بسيطا, للتخفيضات الضريبية المقدرة ببليوني دولار بين عامي 2001 و 2011 وكذلك معدلات النمو المرتفعة في الناتج المحلي الإجمالي و إيجاد أكثر من 5.3 مليون وظيفة جديدة منذ صيف عام 2003.
أن الرزمة الضريبية لعام 2001 ، التي وضعت موضع التنفيذ بعد فترة قصيرة من انفجار فقاعة ما سمي بالاقتصاد الجديد ووسط الكساد الاقتصادي الذي أعقب ذلك كانت تستهدف بوضوح إعطاء دفعة للاقتصاد في المدى القصير. وقد تم آنذاك تخفيض القيم الضريبية بهدف تحريك الطلب الاقتصادي الكلي من خلال الاستهلاك الخاص. وكذلك كانت رزمتا عامي 2002 و 2003 تستهدفان تعجيل الدورة الاقتصادية على أمل أن تؤدي التخفيضات على ضرائب رأس المال وضرائب الأرباح إلى توفير الحوافز الضرورية لاستثمارات جديدة.
وليس هناك شك في أن أدوات السياسة المالية قد ساعدت الاقتصاد الأميركي على تجاوز مرحلة حرجة ، ولكن هذا لا يعني بحال من الأحوال تجاهل المخاطر التي تحدق بالاقتصاد على المدى المتوسط والمدى الطويل : حيث لم تتوافر الجرأة الكافية لا للرئيس بوش ولا للكونجرس لتمويل التخفيضات الضريبية من خلال تبني سياسات تقشف في النفقات العامة . وبدلا من ذلك تم اللجوء للأسواق المالية والتوسع بشدة في مديونية الدولة، كما أن فوائض الموازنة العامة لم تلبث حتى تحولت إلى عجز هائل و بالتالي لم يتحقق ما كان هدفه تقليص في حجم نفقات الدولة ولا من تحسن في أداء مستدام للاقتصاد . إن النجاح قصير المدى في إنعاش الدورة الاقتصادية كان ثمنه إحباط استثمارات خاصة إضافية لعدد من السنوات المقبلة وحظر ارتفاع أسعار الفائدة.
و لا يمكن للمرء أن يخطئ في تلمس أوجه الشبه بين سياسة بوش الضريبية وسياسة سلفه الرئيس السابق رونالد ريجان حيث أدت تخفيضاته الضريبية الواسعة في بداية الثمانينات أيضا إلى تفاقم عجز الموازنة العامة بينما لم تتحقق الوعود بضبط الموازنات . وقد استمر الرقم القياسي لعجز ما بعد حرب الخليج الأولى وبلغ 6.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى يومنا هذا . كما استمرت الموازنة الدفاعية آنذاك في تزايد بسبب الحرب الباردة كما هو الحال حاليا بسبب ما يصفه بوش بالحرب على الإرهاب. وفي نهاية فترة حكم ريجان كان إجمالي الموازنة قد ازداد اسميا بنحو 70 في المائة, أما في عهد بوش فالزيادة وصلت حتى الآن إلى ما نسبته 45 في المائة .
إن تحسين أوضاع الموازنة العامة، في المرحلة الحالية كما في المراحل السابقة ،ممكن حيث يتراجع العجز مع انتعاش الدورة الاقتصادية، ولكن لا ينبغي أن يفهم من هذا أن ارتفاع مديونية الخزينة العامة ليست ذات دلالة ، كما أن من المعروف أن التخفيضات الضريبية الذكية يتحقق تمويلها مع بعض التأخر الزمني، ولكن آثارها الإيجابية الطويلة المدى لا تظهر إلا عندما تتاح الفرصة للمبادرات الفردية، وهو ما لم يتحقق في هذه الحالة ، وبالتالي فان للتقديرات المتدنية التي حصل عليها الرئيس بوش بالنسبة إلى سياسته الاقتصادية ما يبررها حتى وإن كانت ثمة دوافع أخرى للعديد من الأميركيين.
لقد أعلن باولسون أنه لا يعتبر نفسه مجرد مسوق للسياسات التي انتهجها الرئيس بوش حتى الآن وإنما سيعمل مستقبلا على الإسهام في صياغة هذه السياسات.
و بين الوزير أنه سيبذل جهودا كبيرة لوضع الموازنة الأمريكية العامة ، في الأجل الطويل ، على أسس صلبة ، ولتحقيق ذلك فلا مناص من إصلاح نظام التقاعد الرسمي والتأمين الصحي كذلك.