مساحات التقنية تعيد للذاكرة «الزاجل» و«رسائل الجلود»

مساحات التقنية تعيد للذاكرة «الزاجل» و«رسائل الجلود»

من حمام الزاجل, إلى رسائل منقوشة على الجلود, مرورا بالأخبار المنقولة عبر قوافل الحجيج, وصولا للبريد, وانتهاء بكاميرا الويب, هي قصة طويلة تعددت فيها مراحل تواصل الحجاج مع ذويهم والاطمئنان عليهم, تبعا لحضارات الشعوب منذ سنين خلت, ووسائل اتصالهم المتاحة في ذلك الحين. من استحضر حضارة تواصل الحجيج مع ذويهم وتطورها مع مرور عقود من الزمن هو حاج يعيش في العقد السابع من العمر، سوري الجنسية, وقف شاهدا على بعض مراحل ذلك التواصل .. كان يجلس بجوار شبان التفوا حول جهاز كمبيوتر, يتحدثون من خلال كاميرا الجهاز '' اللاب توب''، التي كانت ترصد مشاهد أهليهم وذويهم, وتنقل في المقابل خلفية لبعض ملامح مشعر منى في يوم عيد الأضحى المبارك.
الحاج جميل أبو طارق قال لـ''الاقتصادية'' إن التطور الحضاري لأداء مناسك الحج, الذي عاشه عبر سنوات عمره شهد قفزات كثيرة, من حيث القدوم إلى مكة على ظهور الجمال, وحتى وسيلة الطيران التي قدم من خلالها هذا العام لأداء مناسك الحج, مضيفا أن التواصل مع الأهل عندما أدى أول حجة له في عمره مع والديه لم يكن يتجاوز حينها عامه العاشر, عندما كانوا يرسلون أخبارهم, عبر رسائل مكتوبة على الورق, ويتم إعطاؤها لأشخاص جندوا لهذا العمل, وكانت تصل إلى ذويهم بعد عدة أيام, وقد تصل إلى أسابيع.
وأضاف أبو طارق '' هناك قصة طريفة ومحزنة في الوقت نفسه, كانت تحكى لنا ونحن صغار في السن. وتفاصيل هذه القصة تعود إلى أكثر من 150 عاما تقريبا, عن أحد أقاربنا عندما أراد أن يسافر إلى مكة لأداء الحج, وعندما قدم إلى مكة أرسل خبرا بقدومه سالما, وشاء القدر أن يلقى وجه ربه بجوار بيته العتيق, وعندما وصلت قافلة الحج إلى سورية بعد أداء مناسك الحج, كانت لدينا عادة شامية وهي إقامة الاحتفالات بقدوم القافلة سالمة, وكان من ضمن من احتفل أهل ذلك الحاج الذي توفي في مكة, على اعتبار أن أخبار وصوله قد وصلتهم, وأنهم اطمأنوا عليه, ولكن الصاعقة نزلت عليهم بعد علمهم بوفاته''.
وتابع الحاج السوري حديثه '' إن ما جعلني أستحضر هذا الماضي هو رؤيتي لهؤلاء الشبان وهم يتحدثون مع ذويهم, وجها لوجه, ويطمئنون عليهم''. أحد الشبان أراد أن يفعل هذا التواصل ويدخل البهجة في قلب هذا الحاج المسن, فقام بالتحدث مع أحد أحفاده بالهاتف والحصول على عنوان بريده الإلكتروني لكي يجعله يتحدث مع جده عبر كاميرا الويب, وعندما حانت ساعة الصفر, وانطلقت الكاميرا تنقل مشاهد أهل هذا الحاج الطاعن في السن, وهم مجتمعون هناك في سورية, وينقلون له معايداتهم, ويطمئنون عليه, حتى ذرفت عينه بالدمع, غير مصدق أن ما كان عسيرا في الماضي, أصبح سهلا ومتاحا في هذه الأيام.

الأكثر قراءة