طاقة استيعابية ومحددات شرعية.. الخيام الأفضل أم البناء على السفوح ؟

طاقة استيعابية ومحددات شرعية.. الخيام الأفضل أم البناء على السفوح ؟

كشفت النتائج الأولية لدراسة حديثة يعكف معهد خادم الحرمين الشريفين على إعدادها، أن التوسع في البناء على سفوح الجبال في مشعر منى ومزدلفة، يعد أحد أهم البدائل التي تسهم في زيادة الطاقة الاستيعابية للمشاعر المقدسة، مشيرة إلى أن المشاعر المقدسة التي تمثل النطاق المكاني لممارسة شعائر الحج ضاقت مساحتها المنبسطة عن استيعاب الأعداد التي شهدت تزايدا مستمرا في أعداد المسلمين الراغبين في أداء شعيرة الحج.
وقالت الدراسة التي أعدها المهندس عبد الله محمد فودة، المتوقع ظهور نتائجها بشكل تفصيلي خلال الأشهر المقبلة: '' إن الحاجة أصبحت ملحة في البحث عن بدائل مختلفة لزيادة الطاقة الاستيعابية للمشاعر اللازمة لاستيعاب الحجاج ومتطلباتهم المختلفة من إقامة وطرق ووسائل تنقل وخدمات مختلفة''.
وأفادت الدراسة أن التوسع في البناء على سفوح الجبال يعد أحد أهم البدائل التي يمكن أن تسهم في زيادة الطاقة الاستيعابية للمشاعر المقدسة، لافتة إلى أنه نظراً للخصوصية التي تتميز بها المشاعر المقدسة من الجوانب المختلفة '' الشرعية، البيئية، الجغرافية، التاريخية، الروحانية''، فإن الأمر يتطلب أن يتم وفق أسس وقواعد ومعايير تصميمية وتخطيطية تحقق للحجاج أداء شعائر الحج في أمان ويسر وطمأنينة.
تأتي هذه الدراسة في وقت أعلن فيه أخيرا الأمير نايف بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، رئيس لجنة الحج العليا، في برقية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أن عدد الحجاج القادمين من الخارج لحج هذا العام 1431هـ بلغ 1.799.601 حاج، عدد الذكور منهم 977.583 يمثلون نسبة 54 في المائة، وعدد الإناث 822.018 يمثلن 46 في المائة تقريباً، وللمرة الأولى في تاريخ القدوم يصل عدد الحجاج القادمين من الخارج إلى هذا الرقم، مسجلاً بذلك رقماً قياسياً لسنوات الحج، حيث زاد عدد الحجاج القادمين لهذا العام على العام الماضي 180.746 حاجاً بنسبة قدرها 11.2 في المائة تقريباً، موضحاً أن دخول حجاج هذا العام كان على النحو الآتي: عن طريق الجو 1.669.322 حاجاً، عن طريق البر 117.363 حاجاً، وعن طريق البحر 12.916 حاجاً.
وكان النائب الثاني قد أكد أن النسبة المتوقعة للزيادة خلال موسم الحج الجاري قد تصل إلى نحو 20 في المائة، وأن نسبة الزيادة أيضاً المتوقعة للعام المقبل قد تصل إلى النسبة نفسها، الأمر الذي يؤكد وجود التوجه الحكومي بزيادة أعداد الحجاج سنوياً وبنسب متفاوتة تتواءم مع التزام المملكة بطلب كل دولة وفق الحصص المقررة لها، وهو الذي يتطلب فعلاً أن يكون هناك توسع مستقبلي لمشعر منى ليحتضن نحو ثلاثة ملايين حاج على أقل تقدير في ظل ضعف الطاقة الاستيعابية للمشعر في الوقت الحالي، الذي قد يكون أحد أهم مسببات الافتراش في المشاعر.
الأمر في مساكن '' خيام'' مشعر منى على وجه التحديد بات في هذا العام حديث المسؤولين، الذين باتوا فعلياً يبحثون عن الحلول العملية المساعدة على حل مشكلة الإسكان التي باتت فعلياً تؤرق العاملين في الحج في ظل محدودية المشعر ومحدودية مساحات وطاقات الخيام الاستيعابية.
وكان الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، قد أكد في عدة مؤتمرات صحافية أن هناك دراسة تعكف الجهات المختصة حالياً على إجرائها حول مساحة منى الإسكانية وعدم قدرتها على استيعاب أعداد الحجاج المتنامية.
وقال الفيصل: '' إن أعداد الحجاج الذين يؤدون النسك خلال الفترة الحالية تستطيع مساحة منى استيعابهم، إلا أن أعداد الخيام لا تستوعبهم، حيث إن أعداد الحجاج تفوق أعداد الخيام''.
وأما اللواء منصور التركي، الناطق الإعلامي لوزارة الداخلية، فأكد خلال المؤتمرات الصحافية لقادة أمن الحج، أنه لا يمكن التعجل بالحكم فيما يختص بعملية الافتراش، مشيراً إلى أن السبب قد يكون زيادة الطاقة الاستيعابية للحجاج في مشعر منى، خاصة في الليل، مبيناً أن وزارة الداخلية ستزيل الأثر الناتج عن الافتراش إلى أماكن لا تؤثر في مستوى الخدمات أو السلامة.
وعند الحديث عن الحلول المستقبلية والرؤية الاستشرافية لتطوير المشاعر المقدسة وزيادة طاقتها الاستيعابية، خصوصاً في مشعر منى، الذي يقضي فيه الحجاج خمسة أيام، تتباين الآراء وذلك بعد أن ظهرت على السطح آراء عدة منها ما طالب بالتوسع في بناء المساكن على سفوح الجبال في ظل معارضتها من أصوات أخرى رأت أن من الأرجح أن يتم التوسع في بناء الخيام على الهضاب الصناعية.
وتتوافق وجهة نظر الطرح مع تلك التأكيدات التي تأتي في إطار الخطط المستقبلية لحكومة المملكة العربية السعودية الرامية لاستقبال جميع الحجاج القادمين من الخارج ومواكبة حجم الزيادة السنوية في أعدادهم في ظل اتساع رقعة العالم الإسلامي والمعتنقين للإسلام، وهو الأمر الذي بدوره يتطلب أن يكون هناك توسع مستقبلي لمشعر منى ليحتضن نحو ثلاثة ملايين حاج على أقل تقدير. ويتوسع عمل الباحثين في صنع الدراسات النظرية التي من بينها تلك الدراسة التي تبحث إمكانية البناء فوق سفوح الجبال في مشعر منى لاستيعاب أعداد أكبر من الحجاج في المشعر، بحيث ترتبط منى بكل من عرفات، مزدلفة، مكة المكرمة بشبكة من الطرق والمواصلات بشكل مستقل ومنفصل تماما عن وادي منى من حيث الخدمات والمرافق والطرق مع ربطها بجسر الجمرات الجديد وخدمتها بالقطار، ومشروع الخط الجنوبي للقطار الذي سيغذي ويفوج الحجاج إلى الدور الرابع والمنحدر الجنوبي للدور الثاني.
أما على صعيد المختصين فإن بعضهم يرى أنه ليس من المناسب إنشاء أدوار إضافية لمخيمات بطن وادي منى لضيق المشعر، وذلك في وقت كانت هناك دراسة أجريت للمقارنة بين الخيام والعمارات السكنية وتشير نتائجها إلى أنه لا بد أن تبقى الأدوار منخفضة ولا تتجاوز عشرة أدوار، والأمر الأصلح هو دوران من الخيام لتعطي مساحة أكبر من العمارات السكنية التي تحتاج إلى مساحات كبيرة جدا للمصاعد وسلالم الطوارئ وأماكن الصلاة والأكل والشرب، وأيضا يحتاج الفرد الساكن فيها إلى مساحة أوسع بخلاف الساكن في الخيام ولا تتجاوز مساحة الفرد في الخيام 1,6 متر، بينما في المباني لا تقل مساحة الفرد الواحد عن أربعة أمتار''.
ويشير المختصون إلى أن مشعر منى يواجه عدة تحديات بين المحدود والمشروع والمنظوم وبين الاستيعابية والمحددات، وهي تتمثل في مساحة مشعر منى، سواء الحدود الشرعية أو حدود حرم المشاعر من جهة منى، موقع منى المحاط بالجبال والتضاريس المرتفعة وهو أيضا قريب من منطقة المسجد الحرام والمنطقة السكنية المأهولة في مدينة مكة المكرمة، طرق النقل الحالية للسيارات والمركبات والحافلات والمشاة، المنظومة الحالية والتقليدية والخاصة في إدارة الحج بشكل عام التي تتطور باستمرار موسما بعد موسم.
ويبين المختصون أن الفتوى التي تجيز تعدد الأدوار والمباني في مشعر منى نقطة إيجابية جدا، ولكن تعدد البناء أحد الحلول نحو استيعابية قصوى ولكن ليس كل الحلول، لافتاً إلى أنه إذا كانت الاستيعابية المثلى لمشروع توسعة منشأة الجمرات في منى هي خمسة ملايين حاج، فإن من المقترح أن تكون الاستيعابية القصوى لمنطقة منى سكنيا العدد نفسه، حيث يمكن أن يتعامل مع العدد من ناحية البناء والسكن، مستدركاً أن يتم التعامل مع عدد الحجاج في طاقتهم الاستيعابية من ناحية الخدمات الأساسية للسكن والحركة والأمن، وذلك بتصميم سفوح الجبال وبعض المناطق المستوية في منى لكي تنشأ عليها مبان متعددة الطوابق، وتكون بشكل مميز من ناحية البساطة والتشطيب، وسهولة التشغيل والصيانة.
في ظل هذه الدراسات والأبحاث والآراء المتعددة يظل السؤال حائراً '' هل جمالية الخيام .. أم خصوصية السكن .. هي الأنسب في زيادة طاقة مشعر من الاستيعابية في ظل عدم القدرة على التوسع لوجود المحددات الشرعية؟''، حيث إن مشعر منى الذي يؤوي سنوياً ولمدة ستة أيام أكثر من مليوني حاج فضلاً عن غيرهم، يقع على بعد نحو ستة كيلو مترات إلى الشرق من الحرم الشريف، وهو عبارة عن وادٍ تحيط به الجبال، ويبلغ طول منطقة المشعر المستغلة في الوقت الحالي نحو 3.2 كيلو متر مربع، وتقدر مساحة منى الشرعية نحو 7.82 كيلو متر مربع، والمستغلة فعلاً 4.8 كيلو متر فقط، أي ما يعادل 61 في المائة من المساحة الشرعية و39 في المائة عبارة عن جبال وعرة ترتفع قممها نحو 500 متر فوق مستوى سطح الوادي.

الأكثر قراءة