تريليونا دولار.. ماذا عن السعودية!

تريليونا دولار.. ماذا عن السعودية!

فقدت الصكوك كثيرا من بريقها في دول الخليج ولم تعد فرس الرهان كما توقع لها كثيرون. فعلى الرغم من حجم صناعة المصرفية الإسلامية الضخم في دول الخليج إلا أن الإقبال على السندات الإسلامية بدأ في التدني إلى حد كبير. وعلى الرغم من أن سوق الصكوك العالمية تقدر بنحو تريليوني دولار إلا أن نصيب دول الخليج من هذه الكعكة لا يزال ضئيلاً لا يتناسب مع نمو صناعة التمويل الإسلامي في تلك الدول. ولعل السعودية تعد المثال الأبرز في هذا الصدد؛ فإسهام المملكة في تلك السوق غاية في الضآلة، فضلاً عن تأخرها في دخول تلك السوق من الأساس. ويبقى السؤال مطروحاً: ما الذي ينقص دول الخليج بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة كي تتمكن من السيطرة على سوق الصكوك العالمية؛ وهو ما لم تنجح فيه رغم توافر الإمكانات؟

الجيل الثاني .. هل ينهي حالة الجمود في سوق الصكوك الخليجية؟

ذكر تقرير أعدته وكالة رويترز في نهاية يوليو الماضي أن المقترض التقليدي لم يعد يقبل على الصكوك بسبب حالات التعثر التي عانت منها مؤسسات ضخمة، مما أثار المخاوف من المخاطرة، إضافة إلى ارتفاع التكاليف. وأشار إلى أنه على المستوى العالمي تواصل ماليزيا هيمنتها على سوق التمويل الإسلامي، حيث قادت إصدار الصكوك هذا العام.

أما في دول الخليج ففي حين تم إصدار 15 سنداً عالمياً تقدر بـ 15.2 مليار دولار لم يتم إصدار أي صكوك عالمية باستثناء شركة دار الأركان العقارية السعودية. كما لم يبع مقترضون تقليديون صكوكا هذا العام، وحتى الإصدارات المتوقعة متعثرة مثل صكوك يعتزم مصرف قطر الإسلامي طرحها. وفي معرض رصده لإصدارات الصكوك في الفترة بين يونيو 2009 ويوليو 2010 أكد تقرير لموقع Islamic Finance حالة الجمود التي اعترت هذه الإصدارات، خاصة في منطقة الخليج العربي.

وفي تعليقه على هذا التراجع يرجح تشافان بهوجايتا، رئيس وحدة أبحاث الائتمان في بنك أبوظبي الوطني، أن تكون هناك عدة أسباب وراء عزوف المقترضين عن إصدار الصكوك؛ مثل الجدل حول هياكل الصكوك وتوثيق عمليات الإصدار.

كما تخلفت المجموعة الدولية للاستثمار الكويتية عن سداد إصدارين من الصكوك هذا العام. وتخلفت "دار الاستثمار" التي تمتلك نصف شركة السيارات البريطانية "أستون مارتن" عن سداد صكوك في مايو من العام الماضي.

ارتفاع التكلفة أهم الأسباب

وتعد زيادة التكاليف من الأسباب المهمة في العزوف عن الصكوك، حيث يؤكد العملاء أنهم سيختارون المعاملات الإسلامية لو كانت أرخص، أو إن استطاعوا الحصول على قدر أكبر من السيولة. لكنهم لا يرون سبباً تجارياً جوهرياً للجوء إلى الصكوك باستثناء حالات الضرورة ـــ بحسب ما أورده التقرير. ويرجع ارتفاع التكاليف إلى فرض مزيد من إجراءات الالتزام بعد تنامي الاعتقاد بين المستثمرين الإسلاميين بأن الصكوك السابقة لم تلتزم بأكثر المعايير صرامة. كما أن هناك بعض الأنظمة القضائية تفرض رسوماً إضافية خاصة بنقل ملكية الأراضي.

ويؤكد تقرير "رويترز" أن عدداً من إصدارات الصكوك المصرح بها يجري سحبها الآن من الأسواق الخليجية. أو أنها تخضع لإعادة هيكلة كسندات تقليدية.

حيث إنه عادة ما تكون هياكل الصكوك أكثر تكلفة نظراً للتكاليف المرتبطة بموافقة مجلس الشريعة والرسوم القانونية الإضافية والرسوم الخاصة بالهياكل المعقدة غالباً.

وبالطبع فإن المؤسسات المالية الإسلامية تتحمل هذه التكاليف في سبيل إصدار منتجات تتفق مع الشريعة. إلا أن المؤسسات المالية التقليدية ليس لديها ما يدفعها لاختيار عملية أطول وأكثر تكلفة؛ ومن ثم فإنها تعزف عن طرح الصكوك.

من جانبه يقول سيمون بت، رئيس أسواق الديون الإقليمية لدى بنك بي إن بي باريبا، إن الشعور السائد هو أن السندات التقليدية هي الأفضل من حيث الحجم والأجل والتكاليف وتنوع المستثمرين.

وبحسب تقرير حديث لوكالة ستاندرد آند بورز فإن حجم الصكوك المصدرة حتى يوليو 2010 لم يتعد قيمة 15 مليار دولار. ويعكس هذا الرقم الوضع العام الحالي للصكوك؛ ففي 2009 بلغ مجموع إصدارات الصكوك ما قيمته 23.3 مليار دولار، مقارنة بمجموع إصدارات بقيمة 14.1 مليار دولار في عام 2008. أما عام 2007 فقد سجل رقماً قياسياً في حجم إصدارت الصكوك، التي بلغت قيمتها 31 مليار دولار.

ويرى عدنان يوسف، رئيس اتحاد المصارف العربية، أن ما ورد في التقرير أمر طبيعي، إذ إن عام 2007 تزامن مع أوج الطفرة الاقتصادية بالنسبة لمعظم دول المنطقة والأسواق الناشئة، وعلى رأسها الإمارات العربية. إلا أن حالة عدم الاطمئنان التي خيمت على الأسواق ارتبطت بالدرجة الأولى بالسيناريوهات المتلاحقة التي تعاقبت على هذه الأسواق منذ بداية الأزمة العالمية ـــ بحسب ما أوردته صحيفة "الرؤية" الاقتصادية. وفي تفسيره لهذا التراجع يقول حسن عودة، الخبير والمحلل المالي، إن السبب يرجع في المقام الأول إلى ارتفاع تكلفة الصكوك، ونقص الأموال المتاحة في السوق، اللذين نتج عنهما في الوقت الراهن ضيق الائتمان، حيث توجه عديد من مصادر ومؤسسات التمويل إلى الاقتراض قصير الأجل، وهو ما عكسه تقرير "ستاندرد آند بورز". حيث شهدت الصكوك تراجعاً في حجم الإصدارات مقارنة بباقي نماذج التمويل المتوافق مع الشريعة، مثل صناديق التمويل الإسلامية، التي بالرغم من أنها لا تزال حديثة نسبياً، إلا أن ذلك لم يمنعها من تسجيل توجه كبير نحوها، خصوصاً أن إمكانات نموها اليوم أكبر من أي وقت مضى، سواء من حيث عدد الصناديق أو حجم الأصول الخاضعة للإدارة ـــ على حد قوله.

تصحيح المسار

في سبيل الخروج بالصكوك من كبوتها تدعو خولة فريز النوباني، الباحثة في الصيرفة الإسلامية والتمويل، إلى تطوير جيل ثانٍ من الصكوك يعالج التحديات التي واجهت الإصدارات الحالية. كما أنها تواجه التحديات التي تواجه تفعيل الصكوك كأداة للسياسة النقدية وتوظيفها لخدمة المجتمعات الإسلامية الناشئة. وتمتاز إصدارات الجيل الثاني بأنها مرنة ذات آجال مختلفة بحيث تلبي أغراضاً تمويلية متنوعة. ومن أنواع الصكوك المقترحة محفظة لصكوك إجارة إسلامية تقوم على المشاركة في الإنتاج وتمثل حصة في الأصول الحكومية، بحيث تساهم هذه الصكوك في تغطية جزء من عجز الموازنة. وثمة نوع آخر وهو صكوك التنمية الإسلامية وهو يستهدف الودائع قصيرة الأجل لتمويل المشاريع الرأسمالية للدولة. أما النوع الثالث فهو صكوك سلم قصيرة الأجل ويمكن استخدامها كأداة مالية للسوق البينية فيما بين المؤسسات المالية لمعالجة فوائض السيولة قصيرة الأجل التي كانت تستغل بطرق لا تتفق ومبادئ الشريعة.

الأكثر قراءة