المساجد تستحوذ على النصيب الأكبر من تبرعات المحسنين وأهل الخير
تفاوتت الآراء لبعض المختصين حول الإنفاق على المساجد وإنشاء المزيد منها, خصوصا في ظل مبالغة بعض المحسنين في بناء المساجد والتوسع في زخرفتها والبذخ فيها، فيما هناك بعض الأماكن في حاجة إلى بناء المساجد, ويمكن توجيه بعض ما يصرف ببذخ من المال إلى الجمعيات الخيرية وجمعيات الأيتام إلى جانب بناء المساجد.
في البداية سيكون الحديث عن أهمية بناء المساجد وفضلها في الإسلام, حيث يقول الشيخ الدكتور علي باروم الداعية الإسلامي حول ذلك إن لبناء المساجد فضلا عظيما والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حث على بنائها لما في ذلك من فضل لمن بناها عند الله, يقول عليه الصلاة والسلام: ''من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قَطاة، بنى له الله بيتاً في الجنة'' وفي رواية: ''قصراً في الجنة'' .. ''إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ'' (التوبة:18) والمشرك، والرِّعْدِيد، والفاجر، لا يعمرون المسـاجد: ''مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ'' (التوبة:17) ما لهم والمساجد، فالمساجد لا يعمرها إلا كل مخلص بالذكر والعبادة والإيمان والحب والطموح. ولذلك يقول الأول:
أسرب القطا هل من يعير جناحه
لعلي إلى من قد هويت أطيرُ
وأضاف أن أهل العلم قالوا يجب بناء المساجد في الأمصار والقرى بحسب الحاجة، وهي من فروض الكفاية، وقال ـ صلى الله عليه وسلم: ''من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله، يذكر الله فيه ولو كمفحص قطاةٍ لبيضها، أو أصغر، بنى له الله بيتاً مثله في الجنة'' هذا مجموع روايات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم، يوضح فيها الشروط التي إذا توافرت في باني المسجد، فإنه يبنى له بيت مثله في الجنة: أن يبتغي به وجه الله، وأن يبنيه ليذكر الله فيه, وأما النهي عن زخرفة المساجد وتزيينها، وكثرة الإنفاق عليها وتضخيمها، فقد قال ـ عليه الصلاة والسلام: ''ما أمرت بتشييد المساجد'' والفرق بين التشييد والبناء كبير: فإن التشييد: هو رفع المبنى ليجعل ذلك ذريعة إلى الزخرفة والتزيين الذي هو من صفات أهل الكتاب في كنائسهم وبيعهم، وفي الحديث نوع توبيخ وتأنيب، قال البغوي ـ رحمه الله: التشييد: رفع البناء وتطويله، وإنما زخرفت اليهود والنصارى معابدها حين حرفوا كتبهم، وقال ابن بطال - رحمه الله: فيه دلالة على أن السنة في بنيان المسجد القصد وترك الغلو في تحسينه، وقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد. وأول من زخرف المساجد الوليد، وسكت عنه بعض أهل العلم خوف الفتنة، وقال - عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن: ''إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم'' يعني: إذا حسنتموها بالنقش والتزويق والزخرفة، ولو بكتابة الآيات، لأنها تشغل المصلي وتلهيه عن الخشوع والتدبر والحضور مع الله - عز وجل، قال بعض أهل العلم: إن تزويق المسجد ولو الكعبة بذهب أو فضة حرام مطلقاً، وروى البخاري أن عمر ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ أمر ببناء المسجد وقال: ''أكِنَّ الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر''. وقال - عليه الصلاة والسلام: ''من أشراط الساعة، وفي رواية: لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد'' يعني: يتفاخرون بتشييدها، ويراءون بتزيينها، كما فعل أهل الكتاب. ولقد كان مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبنياً من لبن وسقفه الجريد، وعمده جذوع النخل، ونهى - عليه السلام - في الحديث الصحيح أن يتباهى الناس في المساجد، يعني: أن يتفاخروا بها بأن يقول الرجل: مسجدي أحسن، ويقول الآخر: مسجدي.
إنشاء هذه المساجد يكلف الكثير
من جهته, يقول: المهندس الاستشاري أيمن بن عمر آل عابد لا شك أن المساجد حظيت باهتمام كبير منذ بزوغ فجر الإسلام، حتى أصبحت رمزا شامخاً من رموز الحضارة الإسلامية, ليس لأنه مكان للعبادة فقط, لكنه ملتقى ومحفل اجتماعي وعلمي على حدٍ سواء.
فلا عجب أن نرى كل خليفة مسلم ممن تولوا على مر العصور الإسلامية يخلد ذكرى عصره أو يتوج ثمرة أعماله ببناء المساجد والإنفاق عليها إدراكا لأهمية المساجد وتعظيماً للرسالة التي تنبثق منها والنور الذي يشع منها، وإيماناً بأن العمارة من أهم ما تخلد به الأمم حضاراتها.
وأضاف: نحن ندرك أن إنشاء هذه المساجد يكلف بيت مال المسلمين الكثير, لكن ثراء المسلمين والدولة الإسلامية سهل تلك العقبة أمام الإنفاق على بناء المساجد، لذلك نجد أن المساجد كان لها أكبر الحظ وأوفر النصيب من العناصر المعمارية المميزة التي ظهرت في المساجد عبر العصور الإسلامية منها الزخرفي مثل النقش والكتابة والنحت والمقرنصات والذروات (حواف السطح وهي جمع ذروة) وغيرها، ومنها العناصر المعمارية مثل القبة والمنبر والمنارة والفناء .. إلخ من العناصر التي لها أبعاد شكلية وعلمية تطبيقية (بينا سابقا أن عنصرا معماريا مثل القبة ليس فقط شكلا جماليا وتوزيعا للأحمال فقط, لكن له وظيفة فيزيائية وهي توزيع الصوت إلى جميع أرجاء المسجد).
الروعة والمجال والإبداع
ومضى يقول: الحقيقة أن الحديث عن كل عنصر من تلك العناصر يحتاج إلى حلقات من الشرح والتفصيل. ونحن هنا بصدد الإنفاق على المساجد،
إن الدولة الإسلامية تربعت على المجد وظهر ذلك واضحاً على الاقتصاد وامتد أثره إلى العمران. لذلك كان الإنفاق على المساجد كمنشأة دينية مهمة في تاريخ المسلمين.
ظهرت المساجد بتلك الروعة والمجال والإبداع والتعادل والتوازن في الشكل والمضمون، وأقصد هنا بالتعادل والتوازن أن الإنفاق على بناء المساجد وتزيينها لم يكن يستنزف أموالا تؤدي إلى نقص في جوانب أخرى في الدولة الإسلامية.
لكن اجتمعت القدرة والإمكانية متوجة بواقعية علمية في تلك العصور فلا تجد عنصرا معماريا مستخدما إلا له فائدة ملموسة، فأصبحنا نبهر الآخرين بحضارتنا الإسلامية التي كانت المساجد أعظم رموزها.
وقال: إذا تحدثنا عن الإنفاق على المساجد فإننا بلا شك لا بد أن نتحدث عن القدرة ولا بد أن نعي تماماً أن الاحتياجات والعناصر المعمارية تتغير من عصر إلى آخر. كما ذكرت في حلقات سابقة أن عنصر القبة والمحراب أيضا على سبيل المثال لا الحصر من العناصر التي كانت ضرورية في العصور السابقة لعوامل فيزيائية بحتة من انتقال الصوت وتوزيعه على أرجاء المسجد كافة.
مكبرات الصوت وتعدد التقنيات
وانتقل للحديث عن وجود مكبرات الصوت وتعدد التقنيات حيث أصبح هناك اختلاف في الاحتياجات لكثير من العناصر المعمارية المكلفة مادياً, التي ليست من الشرع أو من الفائدة بمكان وأصبحت تشكل عبئا على الإنفاق.
وأشار إلى أنه لا ينادي إلى سلب الهوية المعمارية الإسلامية - إن صح التعبير- لكن نحن الآن أمام تحديات كبيرة تجاه الإنفاق على المساجد بناء وصيانةً, ولا سيما أن القدرة لدى المسلمين والجهات ذات العلاقة من وزارات ومؤسسات وجمعيات أصبحت تعاني عجزا أمام الإنفاق على المساجد وأن الصلاة ليس من الضروري أن تقبل فقط في المساجد الفارهة والمزينة والمبالغ في الإنفاق عليها, لا والله, بل الأصل في الإسلام الاقتصاد والبعد عن الإسراف والزخارف والعناصر التي لا حاجة إليها.
وأجدني مسرعا عند الحديث عن الإنفاق على المساجد لذكر أن العمل الخيري في الإنفاق على بناء المساجد أصبح ميدانا للتفاخر بين كثير من المنفقين على المساجد - مع الأسف - والأصل أن الهدف المرجو من هذا الإنفاق هو الإخلاص ورضا الله - تعالى - مغيب عن كثير من المنفقين.
لذلك أتوج حديثي عن الإنفاق على المساجد برسالة أوجهها إلى المنفقين: اعلموا أن أوجه الإنفاق على الخير كثيرة وليست بضرورة أن تقتصر على الإنفاق على بناء المساجد فقط. فنحن الآن في أمس الحاجة إلى الإنفاق على التعليم وعلى المحتاجين وكف كثير من الناس عن السؤال وغيره مع عدم إغفال جانب الإنفاق على المساجد بشكل متوازن ومقبول بعيداً عن الإسراف وحظوظ النفس.
ويشير الشيخ مساعد الشهري إلى أهمية بناء المساجد, حيث حث الرسول - عليه الصلاة والسلام - على أهمية بنائها بقوله: ''من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قَطاة، بنى له الله بيتاً في الجنة'', وأهل الخير يتنافسون في بنائها لرغبتهم في تحقيق الأجر العظيم، ولكن شخصيا أرى أنه يجب البناء في الأماكن المحتاجة لأن تبنى في أماكن توجد فيها مساجد تسد حاجة السكان، ولذلك أتمنى أيضا ألا تكون هناك بهرجة وبذخ عند بناء المساجد. أسأل الله للجميع التوفيق.