"بوينج " تتسلم زمام القيادة من "إيرباص"

"بوينج " تتسلم زمام القيادة من "إيرباص"

لم يكن من المفترض حدوث هذا ، فمع الإعلان عن إرجاء وضع اللمسات الأخيرة على الطائرة العملاقة إيرباصA 380 لأسباب تقنية خسرت الشركة الأوروبية لصناعة الطائرات في ضربة واحدة الكثير من الثقة التي بنتها علN مدار سنوات بعد عناء وجهد ومشقة. وكان من المفترض أن تقوم إيرباص حتى نهاية عام 2009 بتسليم 125 طائرة من الطراز الجديد، و لكن بسبب صعوبات في شبكات الطائرة الكهربائية المعقدة، بشكل أساسي، لن تتمكن الشركة من إنجاز أكثر من 80 طائرة حتى ذلك الموعد.
وقد جاء حكم البورصة القاسي نتيجة لذلك أسرع مما كان متوقعا: حيث فقد سهم الشركة الأوروبية للطيران والفضاء التي تملك الأغلبية فيها ألمانيا وفرنسا نحو 25 في المائة من قيمته خلال يوم واحد. حيث إن هذا التأخير الجديد في الإنتاج، وهو بالمناسبة التأخير الثاني، لم ينل فقط من مكانة "إيرباص" ومن سمعة الشركة الأوروبية للطيران والفضاء وإنما سيكون أيضا ذا تكلفة عالية. فالشركة الأوروبية للطيران والفضاء تتوقع تراجع الأرباح بمقدار ملياري يورو، قبل الضريبة ، خلال الفترة الواقعة ما بين 2007 و 2010. ويشمل هذا المبلغ بالطبع التعويضات التي ستدفع لخطوط الطيران التي ستتسلم الطائرات التي تم التعاقد عليها في موعد متأخر عن الموعد المتفق عليه. ولكن مسؤولو "إيرباص" استبعدوا حدوث إلغاءات.
وتسببت هذه الأجواء في خلق حالة توتر و تبادل للاتهامات، فرئيس لجنة الإشراف في الشركة الأوروبية للطيران والفضاء الفرنسي آرنو لاغاردير يتبرأ من تصرفات مواطنه نويل فورجار رئيس لجنة الإدارة والرئيس السابق لشركة إيرباص الذي ترك بصماته على مشروع الطائرة A 380 والذي يقوم بدوره بمحاولة إلقاء المسؤولية على الرئيس الحالي لمجلس إدارة شركة إيرباص جوستاف هومبيرت ويطالب في الوقت نفسه بتسريح المديرين من الصف الثاني. ويأمل الموظفون الألمان خاصة بمغادرة فورجار أخيرا لموقعه في الشركة، مع أنه لا يبدو أن قرارا قد اتخذ في هذا السياق حتى الآن، مع أن المراقبين يتوقعون أن رؤوسا ستتدحرج، والسؤال هو رؤوس من؟ ومتى؟ وهو الأمر الذي لا يزال طي الغموض.
إن المعضلة بشأن الطائرة A 380 تحدث في لحظة زمنية غير مناسبة إطلاقا لشركة إيرباص. حيث إن الشركة الصانعة للطائرات الأوروبية على وشك أن تفقد تفوقها الذي حققته في السنوات الماضية على شركة بوينج الأمريكية. فخلال الجزء الماضي حتى الآن من السنة حصلت شركة بوينج على طلبات لما يزيد على 400 طائرة، بينما لم تحصل إيرباص إلا على ما يزيد قليلا على 100 طائرة. ومن المتوقع بطبيعة الحال أن تستغل شركة إيرباص معرض الطيران البريطاني في فارنبورو خلال بضعة أسابيع للحصول على عقود لطلبات جديدة، ولكن الكثير من الخبراء يتوقعون أن شركة بوينج ستحتل بسهولة مركز الصدارة في سوق الطائرات.
لقد كان مصنع الشركة في تولوز بحاجة لأكثر مما كان متوقعا من الوقت والمال لتطوير طائرة A 380 كأكبر طائرة للركاب في العالم، وفي الوقت نفسه كانت الشركة مطالبة لأول مرة في تاريخها بوضع التصاميم اللازمة لإنتاج طائرة نقل عسكرية بينما كانت تعمل أيضا مند سنوات على تصميم طائرة A 350 كطائرة صغيرة للمسافات القصيرة. وقد كان من الطبيعي أن تعاني الشركة وهي ترزح تحت أعباء مهمات التصميم هذه التي تجاوزت طاقاتها.
إضافة لذلك حدث فيضان من الطلبات لم يعرف له مثيل من قبل، بحيث إن "إيرباص" تمتلك حاليا عقود طلبات لنحو 2000 طائرة - وهو ما يعتبر دليلا على جاذبية الطائرات الأوروبية الصغيرة الحجم. ولإنجاز هذه الطلبات في مواعيدها تخطط إيرباص زيادة إنتاجها السنوي من نحو 370 إلى 430 طائرة، وهو عمل جبار لأسباب مختلفة من بينها أن الشركة لا تستطيع العثور على ما يكفي من المهندسين.
في ذلك الحين صار رون وودوارد مدير الشركة آنذاك يقبل أية عروض بأية أسعار تقريبا، ولكن الذي حدث هو أنه عندما أراد رون وودوارد الإسراع في زيادة الإنتاج انهار تجهيز طائرات بوينج تحت ثقل أعباء هذه المهمة. وقد تسببت محاولة بوينج محو منافستها إيرباص في خسائر لبوينج نفسها قدرت بعدة مليارات من الدولارات، كما فقد وودوارد وظيفته، مما سهل عملية تسلم المنافس الأوروبي زمام القيادة من بوينج كرقم واحد على نطاق العالم.
وفي هذه المرة تبدو الصورة مختلفة، حيث إن "إيرباص" و"بوينج" متساويتان في قوتهما بالنسبة للطائرات القصيرة والمتوسطة المدى ولكن "بوينج" تتقدم على "إيرباص" بالنسبة للطائرات بعيدة المدى ذات الربحية العالية، فالأمريكيون يقدمون في فئة 200 إلى 300 مقعد طائرتهم بي 787 المعروفة أيضا باسم طائرة الأحلام التي لا ينازعها حتى الآن منازع وإن كانت هي الأخرى قد يؤجل قليلا دخولها الخدمة المقرر عام 2008.
لقد قللت "إيرباص" لفترة طويلة من أهمية طائرة الأحلام معتبرة أن طائرتها إيه 350 منافس قوي لها، مع أنها بنيت على غرار طائرة سابقة لها وبالتالي فإنها لم تكن تشكل في الحقيقة سوى نصف حل. وكما يشاع هذه الأيام فإن "إيرباص" مقبلة على إعادة تصميم طائرتها من طراز إيه 350 من جديد بعد النقد اللاذع الذي وجه إليها من قبل شركات الطيران، أما التكليف فتقدر بستة إلى سبعة مليار يورو، وليس من المتوقع لهذه الطائرة، التي من المفروض أن تهزم "الطائرة الحلم"، أن تدخل الخدمة قبل عام 2012، أي أن إيرباص ستخلي السوق لمدة ثلاث إلى أربع سنوات لمصلحة شركة بوينج.
وبالمثل يبدو الجو متعكراً في مجال الطائرات القادرة على الطيران لمسافات بعيدة والتي تحمل على متنها ما بين 300 و400 مقعد، فهنا لا تمتلك إيرباص بطائرتها إيه 340 ذات المحركات الأربعة منافسا مقنعا لطائرة بوينج بي 777. وقد خططت "إيرباص" لإنفاق نحو مليار يورو في تحديث طائرة إيه 340. أما فعليا فقد تم التخلي عن هذه الطائرة وإن كانت شركة إيرباص تدعي أنها لن تعدم مشترين لهذه الطائرة في المستقبل أيضا. وبدلا من هذه سيجري تطوير نسخة مكبرة من طائرة إيه 350 لتكون منافسا لطائرة بي 777.
وبشكل عام فإن لشركة بوينج فرصا واعدة لأن تتقدم الصفوف في السنوات المقبلة. وقد اعترف بذلك أحد مديري الشركة الأوروبية للطيران والفضاء بقوله: "ثمة كثير من المعاناة بالنسبة لنا في الأجل الطويل". ومن الواضح أن شركة إيرباص لن تتمكن من التقاط أنفاسها ثانية قبل عام 2012 ، هذا إذا لم تحدث عثرات جديدة في هذه الأثناء.

الأكثر قراءة