سوء إدارة المقدرات الصحية يقف خلف المواعيد الطويلة للمرضى
كم تبلغ نسبة غير السعوديين الذين يعملون في المركز؟ وأين وصلت جهودكم في سعودة وظائف المركز خاصة من الأطباء والاستشاريين؟
ولله الحمد, عدد الأجانب الذي يوجه فيه كاستشاريين لا يزيد على 2 إلى 3 في المائة, وهذا من أقل المراكز الطبية في المملكة التي تعتمد على بعض الخبرات الأجنبية, وفي أقل من 3 إلى 4 في سنوات ستكون السعودة بنسبة 100 في المائة، المركز حاليا فيه نحو 30 استشاريا سعوديا في التخصصات الأربعة, إضافة إلى عدد لا يقل عن 30 مبتعثا في كندا وأمريكا لدراسة جراحة وأمراض القلب, وهو أكبر عدد أرسل من أي جامعة سعودية في أي زمان وفي أي مكان لم يرسل سابقا من جامعة واحدة في تخصص واحد وهو تخصص القلب بهذا الرقم من قبل إلا في الخارج, وهذا يدل على حرص المسؤولين واهتمامهم, وأنا أود أن شكر بعد الله، سبحانه وتعالى، الدكتور مساعد السلمان عميد كلية الطب الذي أعتبره شريكا حقيقيا في إنشاء المركز الذي كان رؤية وحلما شخصيا وأنا أعتبره شاركني هذا الحلم, وعندما تقلد المسؤوليات كرئيس لقسم الجراحة ثم وكيلا للكلية فعميد لها، أسهم في تحقيق هذا الحلم.
ما الهدف من توقيع اتفاقية تعاون مع مركز الدكتور مجدي يعقوب، وأين تكمن أهمية هذه الاتفاقية؟ وما المتوقع أن تحققه؟
لدينا خطة لإنشاء أول مركز على مستوى المنطقة العربية والشرق الأوسط لأبحاث علوم القلب الأساسية في مركز الملك فهد. وأبحاث القلب وأبحاث الطب بشكل عام نوعان: إما أبحاث إكلينيكية أي أبحاث تجرى على المرضى, والبحث الآخر هو في علوم الطب الأساسية مثل علوم الجينات أو علوم الخلايا الجذعية لترميم عضلة القلب, وهذه في الحقيقة صعبة جدا أن تعملها كطبيب تحتاج إلى شخص متخصص أولا في علوم القلب الأساسية ومتفرغ لها لأنها كلها عبارة عن أبحاث في المعمل وليس في المستشفى وأروقة المركز وليست في مختبرات القسطرة وليست في غرف جراحة القلب, إنما تكون في معامل مجهزة بالميكرسكوبات وأجهزة معينة, العامل فيها لا بد أن يتفرغ لها تماما ويحصل على شهادة تؤهله لهذا الموضوع, شهادة في دراسة علوم الطب الأساسية التي قد تكون منها علوم القلب الأساسية, أدركنا أنه لا يمكن أن نطلق على أنفسنا قسما أكاديميا أو مركزا أكاديميا إلا عندما يكون هذا الجانب قد حققناه وإلا سيكون لدينا فراغ, من هنا جاءت فكرة التعاون مع أهم مركز في العالم في علوم القلب الأساسية وهو مركز الدكتور مجدي يعقوب, والدكتور مجدي إضافة إلى أنه جراح قلب عالمي مشهور وله إجازات متعددة قد يكون من أبرزها أن أكبر عدد من زراعات القلب هو الذي أجراها تقدر بأكثر من ألف حالة هو الذي أجراها شخصيا واتجه في النهاية إلى موضوع علوم القلب الأساسية, حيث إنه تقاعد من عمله الجراحي من وزارة الصحة في بريطانيا لكنه ما زال يمارس عمله الجراحي في أماكن أخرى, لكن معظم وقته يقضيه في معهد مجدي يعقوب التابع للكلية الإمبراطورية في لندن, وهذه الكلية تحتل المركز الثالث على مستوى العالم في ترتيب الجامعات, ومعهد مجدي يعقوب يتبع لها, وهذا المعهد متخصص فقط في علوم القلب الأساسية ويوجد فيه 40 عالما وعالمة متخصصين في علوم القلب الأساسية, لذا سعيت منذ عامين لعقد اتفاقية معهم.
وعندما شاهدت الرؤية الواضحة عند الدكتور عبد الله العثمان، مدير الجامعة، لتطوير العملية البحثية في الجامعة بشكل لافت للنظر، وأثناء زيارة للدكتور مجدي للرياض، أرسلت رسالة عبر الهاتف الجوال إلى الدكتور عبد الله العثمان، وحقيقة لم أتوقع منه الرد في اللحظة نفسها، وأذكر أنني كنت في محاضرة وكان هاتفي الجوال في وضع الصامت وبعد خروجي من المحاضرة وجدت منه عدة اتصالات ورسائل فاتصلت عليه، حيث بادرني متسائلا أين أنتم أنا في انتظاركم؟ وتم ترتيب بشكل سريع لعقد اجتماع بين الدكتور عبد الله والدكتور مجدي يعقوب، وكان الاجتماع أكثر من رائع, وكان واضحا حرصه على دعم المركز والتعاون مع معهد مجدي يعقوب، قمنا من خلال هذا اللقاء بوضع خطة عمل ثم كانت هناك زيارة لوفد من وزارة التعليم العالي برئاسة الوزير وبعضوية مديري الجامعات وذهبنا إلى لندن ووقعنا الاتفاقية مع معهد مجدي يعقوب، وهذه الاتفاقية لتغطية جانب من علوم القلب الأساسية، والهدف من هذه الاتفاقية إيجاد الطبيب السعودي المؤهل. كان من الممكن ببساطة أن ننشغل بإنشاء معمل وأجهزة لكن من سيقوم بعمل الأبحاث لا بد من إيجاد العالم السعودي والعالمة السعودية التي تستطيع أن تعمل هذه الأبحاث, إذاً من سيقوم بتدريب هؤلاء الباحثين؟ أنا لا أستطيع تدريبهم لأنه هنا مركز طبي أي خدمي, وهؤلاء الباحثون يحتاجون إلى معهد علمي متخصص في إجراء الأبحاث بشكل يومي يمنح من خلالها شهادة, وهذا ما كان متوافرا عند معهد مجدي يعقوب الذي يتدرب فيه العالم ليحصل في النهاية على درجتي الماجستير والدكتوراه, وعندما يرجع الطالب أو الطالبة إلى مركز الملك فهد يعتبر عضو هيئة تدريس في قسم علوم الطب في مركز الملك فهد وعالما في أبحاث علوم القلب الأساسية. الدكتور عبد الله العثمان عندما وجد أن هناك إقبالا كبيرا أراد أن يدعم الخطة فضاعف العدد إلى 16 عالما وعالمة, الآن الدفعة الأولى ذهبت وضمت ثلاث عالمات وعالما واحدا هم الآن دخلوا في السنة الثانية من الماجستير والدكتوراه ومنذ بضعة أشهر تم اختيار الدفعة الثانية وهم خمس عالمات تم اختيارهن من قبل لجنة ضخمة تضم تسعة أشخاص من ضمنهم جراح القلب المعروف البروفيسور محمد الفقيه وعميد كلية العلوم والدكتور مجدي يعقوب واثنان من العلماء العاملين مع الدكتور مجدي يعقوب, إضافة إلى استشاريين من مركز الملك فهد, وكل متقدم ومتقدمة يجلس نحو نصف ساعة لإجراء المقابلة الشخصية.
غلب على هاتين الدفعتين العنصر النسائي .. لماذا؟
صحيح غلب على هاتين الدفعتين العنصر النسائي, فهذا العمل يتطلب الاتصاف بالصبر, وهذا ما عرف عن المرأة, حيث يتطلب من الباحث الجلوس على المقعد وأمام المايكرسكوب نحو ثماني ساعات بشكل يومي, هذا يتطلب صبرا كبيرا, وهذه طبيعة المرأة وما أوجده الله ـ سبحانه وتعالى فيها, بينما الرجل يرغب في التحرك, وهذه كانت واضحة لدينا, فعندما يتم الإعلان ويتقدم إليها عدد كبير نجد العنصر النسائي أكثر تميزا في ذلك وهو ما وافق طبيعتها وطبيعة هذا العمل.
هل أنت راض عن مستوى الخدمات الطبية التي يتم تقديمها للمواطنين بصفة عامة؟
أعتقد أن هناك نوعا من الإغفال الإعلامي عما وصلت إليه خدمات القلب في المملكة, ومع الأسف ـ يعتقد المواطن العادي أن هذا نتيجة للتطور الطبيعي للبلد أن تتطور معه الخدمات الصحية, وهذا ليس صحيحا, فمع كل التقدير والاحترام للدول الشقيقة التي قد تكون سبقت المملكة في التكنولوجيا وفي المعمار وفي الأمور الأخرى نجد أن التقدم في الخدمات الطبية بصفة عامة وبالذات الخدمات التي هي فعلا صعبة مثل خدمات القلب لا تقارن حقيقة بالمملكة, انظر إلى أي دولة في المنطقة واسأل أي مواطن فيها يصاب بمرض في القلب تجده يسافر خارج وطنه إلى لندن أو كليب لاند وغيرها من الدول المتقدمة في مجال جراحة القلب, بينما تجد المريض السعودي يتوافر له الطبيب والجراح السعودي.
زحام المواطنين الذين يسعون إلى العلاج فيحصلون على مواعيد بعيدة جدا والضغط على المستشفيات، هل في رأيكم يعود ذلك إلى قلة عدد المستشفيات أو شح الكوادر أو سوء التخطيط والإدارة؟
إطلاقا ليس شحا في عدد الكوادر أو قلة عدد المستشفيات, أعتقد أنها مشكلة في تكرار الخدمة وتكرار فتح الملف للمريض في عدد من المستشفيات, وهذه مشكلة نعانيها منذ زمن. لدينا كوادر من أفضل ما يكون ولدينا مستشفيات في أعلى مستوى, لكن يوجد سوء في إدارة المقدرات الصحية, لأنه ليس معقولا أن المريض تهدر عليه خمسة ملفات بكل ما يتبع هذا الملف من مقدرات مالية وبشرية وغيرها, بينما يوجد مريض آخر معطل بسبب أن هذا المريض يأخذ موعدا ولا يأتي لهذا الموعد, أو يأخذ عددا من المواعيد مع عدد من المستشفيات ويقوم بأخذ رأي هذا الطبيب وأخذ رأي هذا الطبيب ويضيع بذلك حق مريض آخر يحتاج إلى العلاج, إضافة إلى إهدار المال لأنه مع الملف يحضر ويأخذ تحاليل وأشعة ويكررها في عدد من المستشفيات, هذا إهدار للمال ومقدرات البلد, أعتقد أنه سيأتي اليوم الذي تتوحد فيه الخدمات الصحية المقدمة للمواطن سواء كان مواطنا مدنيا أو مواطنا عسكريا أو من أي جهة كانت لا بد أن يكون هناك معيار واحد بحيث يكون كل شخص له ملف واحد يعالج في مكان واحد ستكتشف بعدها فجأة أنه لن تكون هناك مواعيد متأخرة, فإذا كان عندي مشكلة في القلب وذهبت إلى مركز الملك فهد لجراحة القلب وأخذت رأيهم في حالتي لا تكون لدي الحرية أن أضيع وقت الدكتور في مستشفى الحرس أو أضيع وقت دكتور آخر في المستشفى العسكري ثم بعد ذلك أقرر ألا أجري العملية, فعلا النظام الصحي يهتم بالمريض إلا أن المراجع يظن أن المواعيد المتأخرة إنما لقلة عدد المستشفيات, لكن ـ كما بينت ـ فتح عدة ملفات للمريض الواحد في عدد من المستشفيات سبب هذا الخلل. إن كثيرا من المواعيد المحجوزة مواعيد وهمية, كثير من المرضى يحجز موعدا ولا يأتي لأنه ذهب إلى مستشفى آخر وبعضهم أجرى العملية وانتهى وهو ما زال حاجزا لموعد في مستشفى آخر على أساس أنه موعد احتياطي له.
يقال إن تكلفة الرعاية الطبية المبكرة والدورية للمواطنين يمكن أن توفر الملايين من الريالات مثل اكتشاف كثير من الأمراض المستعصية في وقت مبكر حيث يمكن علاجها بشكل أسهل وأقل تكلفة .. ما وجهة نظركم؟
أنا من أنصار الفحص المبكر المقنن, وأقصد بالمقنن أن هناك بعض الأمراض الفحص المبكر بالنسبة لها مهم جدا مثل الأورام السرطانية التي تحتاج إلى دعم كبير التي لا تكون بموازاة الأمراض الأخرى مثل دعم مركز القلب مثلا قد لا يكون من المفترض أن أقول ذلك كوني من المتخصصين في أمراض القلب وأتمنى أن يزيد عدد مراكز القلب لكن يهمني أيضا كمواطن وإنسان أن أشاهد عدد مراكز الأورام يوازي عدد مراكز القلب, خاصة أنه أصبح انتشار هذا المرض بين الأطفال وكبار السن لافتا, وأعتقد أنه حان الوقت للتركيز على هذه الأمراض التي أخذت تنتشر بشكل غير طبيعي. ومن أهم الوسائل التي تساعد هؤلاء المرضى هو الاكتشاف المبكر للأورام, وطبعا هذا لا يتم في المراكز المتخصصة, لكن يتم في مستشفيات عامة تكون مؤهلة للكشف المبكر مثل أورام الثدي التي تكون فيها فحوص معينة بحيث تستطيع الكشف على الأورام كأورام الثدي وأورام القولون ومنظار, وهذا كله يحتاج إلى مستشفى مؤهل يتوافر فيه الكوادر المؤهلة. إن اكتشاف هذه الأورام بشكل مبكر سيكون له مردود إيجابي جدا على المريض بالدرجة الأولى وعلى المقدرات الحكومية ثانيا. بالنسبة لأمراض القلب لا يوجد لدينا فحص معين يستطيع الإنسان من خلاله أن يتأكد أن لديه مرضا في الشرايين, هناك عوامل خطورة مثل إذا كان الإنسان يدخن أو عنده سمنة أو الضغط أو السكري أو تاريخ العائلة توجد فيه أمراض للقلب, هذه عوامل تجعل الإنسان قريبا من خط الخطورة أكثر من غيره إذا بدأت عنده أعراض مثل آلام في الصدر نسأل دائما عن هذه الأعراض لنعرف هل هذا المريض يحتاج إلى إجراء فحوص متقدمة مثل فحوص ما قبل القسطرة, مثلا الجهد والأشعة النووية أو غيرها لا تعطي النتائج التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يقرر هل هذا المريض فعلا عنده اعتلال في الشرايين أم لا, مقارنة بالفحوص المبكرة في الثدي أو في القولون التي من خلال الأشعة للثدي والمنظار للقولون تستطيع الاعتماد على نتائجها 100 في المائة, أما بالنسبة للقلب فأعتقد في الفترة القريبة المقبلة أتوقع أن جهاز الأشعة المقطعية الموجود حاليا لمسح شرايين القلب سيكون هناك أمل في المستقبل القريب ـ إن شاء الله ـ سيكون الأساس للكشف عن مرض الشرايين إذا تطورت التقنية لجهاز الأشعة المقطعية.