الأربطة في جدة .. دور مهجورة وآيلة للسقوط وغياب للمسؤولية الاجتماعية

الأربطة في جدة .. دور مهجورة وآيلة للسقوط وغياب للمسؤولية الاجتماعية
الأربطة في جدة .. دور مهجورة وآيلة للسقوط وغياب للمسؤولية الاجتماعية
الأربطة في جدة .. دور مهجورة وآيلة للسقوط وغياب للمسؤولية الاجتماعية

عرف الرباط (أوقاف سكنية للفقراء والمحتاجين) أهم مظاهر التكافل الاجتماعي في المجتمعات الإسلامية، وبرز في السعودية, خاصة منطقة مكة المكرمة كأحد أهم المشاريع الوقفية الخيرية التي ظهرت بشكل كبير في أواخر القرن الماضي, إذ نشط الوقف الخيري بين المحسنين ورجال الأعمال, وأصبحت تشكل إحدى أهم سمات التكافل الاجتماعي بين سكان الحجاز, خاصة مدينة جدة, وانتشرت الأربطة أو الرباط بشكل كبير, بيد أنها دخلت في مرحلة الموت البطيء, وأصبحت معظمها دورا مهجورة وآيلة للسقوط, إضافة إلى أن بعضها أصبح مكانا لسكن وإقامة المتخلفين ولم يعد مشروع وقف السكن الخيري يجد قبولا من الراغبين في وقف أعمال خيرية بعد وفاتهم, ولم يعد القائم منها يعكس صورة حقيقية لما ينبغي أن تكون عليه, وما يقدم داخلها لقاطنيها من الفقراء والمعوزين الذين تقطعت بهم سبل العيش.
مشكلات وصعوبات عدة تعانيها الأربطة والأوقاف سواء في تهالك معظم مبانيها الآيلة للسقوط, التي تفتقر إلى أبسط شروط السلامة، أو الخدمات المقدمة لسكان هذه الدور وتدني جودتها في ظل الإهمال الكبير الذي تتعرض له بقصد أو من دون قصد.
«الاقتصادية» تحاول الوقوف على هذه المعوقات التي تواجه الأربطة والأوقاف وكيفية معالجتها...

وضع مأساوي للأوقاف

في إحصائية قدمتها وزارة الشؤون الاجتماعية قبل أربع سنوات, وهي المتوافرة حتى الآن, أفادت بوجود 14 رباطاً حكومياً منها ثلاثة قائمة، وأربعة مستثمرة، فيما أربعة أخرى أخليت لعدم صلاحيتها، وثلاثة مهجورة، إلى جانب 42 رباطاً أهلياً معظمها مهجورة وآيلة للسقوط, خصوصاً تلك الموجودة في جدة التاريخية.
وقال لـ «الاقتصادية» الدكتور عادل بترجي رئيس مجلس إدارة نظارة الأربطة في جدة, إن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد قامت بالإشراف على تكوين وانتخاب مجلس إدارة النظارة في جدة بهدف تنظيم العمل في الأربطة.

المستفيدون من الرباط

يضيف بترجي أن الرباط أو الوقف يتطلب وجوبا وجود ناظر للوقف وشروطا للمستفيدين منه، وعادة ما يكون شرط الواقف أن تكون الفئة المستهدفة من الفقراء ومن لا عائل لهم، وغالبا ما يكون هؤلاء من الكبار في السن من الرجال والنساء، والأرامل والمطلقات اللاتي لا عائل لهن.
ومع ازدياد تكلفة المساكن في السنوات الأخيرة أصبحت هناك حاجة ماسة لدى الكثير من الأسر الفقيرة لمن يؤمن لهم مسكن دون مقابل, والأربطة يمكن أن تقوم بهذا الدور إذا ما توافرت أماكن شاغرة فيها, لكن المشكلة الأزلية تكمن في حجم الفجوة بين العرض والطلب، إذ إن هناك نقصا شديدا في الأربطة في المملكة عموما وفي منطقة مكة المكرمة خصوصاً.

#2#

4500 ريال للشخص في الرباط سنوياً

يشير الدكتور عادل إلى عدم وجود نظام أو عُرف لإجراء مخصص شهري لساكني الأربطة، وتترك المسألة لمدى وجود الإمكانية المادية لصاحب الرباط، وقدرته ورغبته في الإحسان, متوقعاً أن يكلف الشخص في الرباط 4500 ريال سنوياً.
لكن في الغالب تأتي مظاهر الإحسان ليس فقط من صاحب الرباط أو الناظر، فهناك الكثير من المحسنين ومحبي عمل الخير, ويضيف «يبدو هذا جليا عندما يأتي الكثير منهم إلى الأربطة بسيارة محملة بالأغذية ويقوم بتوزيعها بنفسه على السكان, وينطبق هذا على الرجال والنساء من المحسنين، كما أن العديد من الأربطة وضع أصحابها مخصصات شهرية للسكان، إلى جانب دفع مصروفات الكهرباء والماء وسحب الصرف الصحي، ومصروفات العلاج وزيارة الأطباء والأدوية».

إمكانية تدريب الساكنين على حرف يدوية

يؤكد الدكتور عادل بترجي أن هناك إمكانية كبيرة لتعليم بعض ساكني الأربطة حرفا يدوية تساعدهم على مواجهة متطلبات الحياة، يقول: «يعتمد الأمر على العمر, فكما نعرف أغلبية سكان الأربطة من النساء وكبار السن والعجزة، لكن هناك أربطة يقطنها مطلقات وأرامل مع أبنائهن يمكن تعليمهن حرفا تعود عليهن بالنفع».

آلية تأمين السكن
في أحد الأربطة

وفقاً لبترجي فإن لكل رباط إجراءات خاصة به، لكن تتفق جميع الأربطة في الكثير من الإجراءات منها: إجراء بحث حول طالب السكن في الرباط، يشمل الجوانب الاجتماعية والصحية، التأكد من الوضع النظامي لطالب السكن، إذ يحظر إيواء مخالفي أنظمة الدولة عموما والإقامة خصوصا، التأكد من الجوانب السلوكية من خلال الحصول على توصية ممن يوثق بتزكيتهم مثل القضاة والعُمد وأئمة المساجد، توقيع الساكن على شروط الإقامة في الرباط, التي تشمل جوانب تنظيمية وأخرى سلوكية، مشيراً إلى أنه في حالة عدم التزام الساكن بالشروط فإن من حق الناظر إخلاءه من الرباط.

#3#

الطلب يفوق العرض

يشكل النقص الكبير في عدد الأربطة في جدة معضلة كبرى أمام العاملين في هذا المجال، وما يزيد الأمر تعقيداً لجوء أعداد كبيرة من كبار السن من خارج السعودية ممن يأتون إلى المملكة بشكل نظامي ثم يعجزون عن توفير مأوى يسكنون فيه.
ويوضح بترجي أن المسألة تحتاج إما إلى إعادة بناء وترميم الأربطة الموجودة أصلاً وأهملها أصحابها لعدم قدرتهم المادية، أو عزوف الجيل الجديد عن العمل الخيري، وإما بناء أربطة جديدة من أهل الخير, وفي الحالتين نحتاج إلى موافقة الجهات المسؤولة بفتح حساب للتبرع لمصلحة الأربطة.

مليون ريال لإنشاء
رباط جديد

يقدر الدكتور عادل بترجي تكلفة إنشاء رباط جديد مكون من 60 غرفة مع المرافق المطلوبة ما بين 750 ألف إلى مليون ريال سعودي دون احتساب تكلفة الأرض، ويضيف «في تقديري يعد هذا المبلغ زهيدا مقابل المنفعة الكبيرة التي يقدمها الرباط للمجتمع والأجر العظيم الذي يناله المتبرع».

المشكلات والمعوقات
داخل الأربطة

أهم الصعوبات والتحديات التي تواجه ناظري الأربطة من وجهة نظر بترجي هي التعامل مع مشكلات كبار السن والمرضى كونهم يشكلون الغالبية العظمى من القاطنين، لأنهم يحتاجون إلى معاملة خاصة وسعة صدر كبيرة.
ويتابع «نواجه كذلك صعوبة في التعامل مع الشباب ذكوراً وإناثاً والمشكلات التي يحدثونها وعدم استجابة البعض للنصح والإرشاد من قبلنا».
من جهة أخرى, نواجه في مجلس الإدارة مشكلات في التعامل مع النظار أنفسهم, منها الحصول على المعلومات المطلوبة لتحديث قاعدة بيانات الدور والنزلاء فيها، حيث لم يتجاوب مع هذا المطلب سوى القليل من النظار, كما نواجه عدم التزام البعض بشروط السلامة على الرغم من التوصل مع الدفاع المدني إلى متطلبات للسلامة، فيما الكثير من نظار الأربطة يعزفون عن العمل الجماعي من خلال منظمات المجتمع المدني مثل مجلس إدارة الأربطة وغيره.

تجاهل الأعمال للاستثمار في الأوقاف

يشير الدكتور عادل إلى تجاهل كبير من رجال الأعمال عن الاستثمار في الأوقاف إلا في حالات نادرة، «الأربطة لا تحتاج إلى الأغذية بقدر الحاجة إلى أن يكون هناك رباط في الأصل, الطلب يفوق العرض, ولا يخفى على الجميع أن مشكلات المجتمع تزداد مع ازدياد التنوع الديموغرافي».

غياب المسؤولية الاجتماعية لسكان الأربطة

في جولة على بعض الأربطة التي يقطنها سعوديون وسعوديات استاء الكثير منهم من زيادة غياب المجتمع بهم والتفاعل معهم والإحسان إليهم, وتساءلوا عن دور البنوك والشركات والمؤسسات ورجال الأعمال في مساعدتهم وتغطية حاجاتهم من الأجهزة والفرش والتكييف والعلاج, مشددين على أن بعضهم اضطر إلى التسول والنزول إلى الشارع يستجدي صدقات المحسنين والمقيمين للمساعدة على تغطية حاجاتهم اليومية, وطالبت بعض الساكنات من الجمعيات الخيرية النسوية بزيادة زياراتهم إلى دور الأربطة لتلبية بعض احتياجاتهم الأساسية.

الأكثر قراءة