الأديب خيري شلبي: مطالب بدفع 250 ألف جنيه بسبب روايته "الأمالي"

الأديب خيري شلبي: مطالب بدفع 250 ألف جنيه بسبب روايته "الأمالي"

ماذا تعني كلمة أديب في مجتمعاتنا العربية وهل تكفل لصاحبها الحياة الكريمة اللائقة والمكانة الرفيعة أم أن كلمة أديب لا تجلب لصاحبها غير الشقاء والاكتئاب والمرض أو الضياع في غياهب السجون؟ تثور هذه التساؤلات دائما كلما طغت على سطح الحياة الثقافية أزمة تخص دخول المبدعين والمردود المادي لكتاباتهم ومدى كفايتها لسد احتياجاتهم المعيشية وكذلك رؤية وتعامل المجتمع لهم. وتلقي هذه التساؤلات بثقلها على الأزمة التي يواجهها حاليا الأديب خيري شلبي حيث يواجه حكما بالحبس ما لم يقم بدفع مبلغ 250 ألف جنيه تعويضا لصالح المنتجة ناهد فريد شوقي التي كانت قد اشترت حق روايته "الأمالي" الثلاثية لتقديمها في مسلسل درامي منذ أكثر من عشر سنوات إلا أنها لم تنفذ ذلك، فقام شلبي بفسخ العقد من جانبه وأودع العربون "مقدم" المبلغ الذي تقاضاه في خزانة المحكمة إلا أن ابنة فريد شوقي لم تعترف بذلك، وقامت برفع دعوى قضائية وحكمت لها المحكمة بتعويض 250 ألف جنيه مما أوقع الأديب خيري شلبي في أزمة كبيرة.
أزمة شلبي ليست الأولى التي تواجه الأدباء، وكثير من هذه القضايا وغيرها تفتح المجال واسعا أمام قضية عوائد بيع إبداعات الأدباء سواء لدور نشر أو لتحويلها إلى أعمال درامية حيث نجد هذه العوائد قليلة وتثير الكثير من الأسى والشجن، خاصة عند المقارنة بما يتكسبه الأدباء في الغرب حيث تكون النتيجة صادمة فيما تحصل رواية مثل "هاري بوتر" ومؤلفاتها جي كي رولينج على ما يقارب المليار دولار، فقد باعت هذه الرواية 275 مليون نسخة، وتم تحويلها إلى أعمال فنية وضمنت وضعا كريما لمؤلفتها فنجد أن أشهر أديب عربي وهو نجيب محفوظ لا يتعدى توزيع كتبه ثلاثة آلاف نسخة في أحسن الأحوال. ولم يجن ثروة ما من وراء الأدب إلا بحصوله على جائزة نوبل. ولا يقتصر الأمر على ذلك فهناك العديد من الأدباء والمبدعين الذين لا يعتمدون على المردود المادي لأدبهم ويعملون في مهن أخرى للوفاء باحتياجاتهم، فالشاعر محمد عفيفي مطر يعمل بالزراعة وفلاحة الأرض في قريته في محافظة المنوفية، وجمال الغيطاني والقعيد يعملان في الصحافة وكثيرون غيرهم.
كما أن الأديب علاء الديب قد تعرض من قبل لمحنة عجزه عن دفع فاتورة علاجه لأحد المستشفيات وتدخل وزير الثقافة حينها وتم علاجه على نفقة الدولة.
من جهة أخرى، فتحت أزمة خيري شلبي مجال النقاشات واسعا أمام ما يطلق عليه حقوق المؤلف وحقوق الملكية الفكرية، خاصة أن شلبي سعى بعد مرور خمس سنوات إلى محاولة فسخ العقد بينه وبين ناهد فريد شوقي، والتزم الطرق القانونية وأرسل لها إنذارا على يد محضر، وأودع العربون "مقدم المبلغ" في خزانة المحكمة.
ويقول خيري شلبي: لا أعرف ما الذي دفع بالمحكمة لإصدار هذا الحكم، ولا أعرف ما الذي دفع ناهد وهي ابنة أعز أصدقائي الراحل الفنان فريد شوقي، لاتخاذ هذه الخطوة، خاصة أنني سعيت إلى فسخ هذا العقد، كما أنها عندما تقدمت بشكوى لنقابة المهن السينمائية، أخبروها بأنها ليس من حقها حبس عمل أدبي أكثر من خمس سنوات.
ورغم أن أزمة شلبي ألقت الضوء على أزمة مماثلة لدى نجيب محفوظ، وإن كانت الأخيرة كان طرفها الآخر دار نشر وليست منتجة سينمائية، إلا أن البعض قارنوا بينهما.
ويفرق صبري العسكري المحامى بين حالة الأديب خيري شلبي والأزمة التي أثيرت بين الأديب نجيب محفوظ ودار نشر السحار، بعد انسحاب محفوظ منها وتوقيعه عقدا جديدا لدار نشر الشروق، ففي حالة محفوظ كان العقد بينة وبين السحار غير محدد المدة ويعطي محفوظ الحق في فسخه في أي وقت دون الرجوع للسحار مما يعتبر إسقاطا بالتقادم ولم يقم محفوظ بتجديده وقام بالتوقيع مع دار نشر جديدة هي الشروق. أما في حالة الأديب خيري شلبي فيجب عند فسخ التعاقد إعلام المنتجة ناهد فريد شوقي، وبالفعل قام شلبي بذلك عن طريق المحكمة، ويستتبع ذلك غير إلزامه بشيء ويسقط التعويض.
وحول حقوق المؤلف والملكية الفكرية قال صبري العسكري المحامي المتخصص في قضايا الملكية الفكرية إنه لا يجوز لشخص أن يتصرف في العقد على حساب اشتراطات الطرف الآخر، وأي نوع من الاعتراض لا بد أن يسبقه تنبيه على يد محضر ومن خلال المحكمة، ثم اللجوء للقضاء كخطوة أخيرة. هذه هي القواعد العامة في القانون المدني، ثم جاء القانون الأصلي لحقوق المؤلف وهو القانون رقم 354 لسنة 1954، وكان يتناول ببنود بسيطة وواضحة حقوق الطرفين: صاحب المصنف والمتعاقد معه، وينبغي التنبيه إلى أن الحقوق الأدبية ممنوعة من التداول، ليس من حق ناشر أن يدعي أنه استولى على الحق الأدبي للمؤلف، أساس التعامل هو الحقوق المادية أو حقوق الاستعمال. أيضا لا بد من استحداث فكرة وكيل للمؤلف للنظر في شؤونه القانونية.
فكرة استحداث مهنة وكيل المؤلف التي اقترحها العسكري فكره مهمة لكنها للأسف فكرة غير واقعية في سوق نشر عشوائية لا تحكمها ضوابط محددة كالموجود عندنا، فأساس المشكلة يتمثل في عدم وضوح دور الناشر وعلاقته بالكاتب، ففي حالة وجود عقود محددة يملك بموجبها الناشر حقوق بيع الأعمال التي يصدرها مع إعطاء المؤلف مقابلا ماديا مرضيا، سيكون الناشر هو المسؤول بشكل أساسي عن تسويق العمل وبيعه للمنتجين أو لدور النشر الأجنبية، وفي حالة وجود أي مشكلات قضائية سيكون الناشر طرفا أساسيا داعما للمؤلف فيها، مثلما هو الحال مع الكاتب دان بروان مؤلف "شفره دافنشي" التي دعمته دار النشر راندوم هاوس بشدة في قضية الانتحال التي رفعت ضده.
هذا النوع من الدعم شهدناه بدرجة مختلفة في مصر في حالة دار الشروق مع نجيب محفوظ في القضية المرفوعة ضده من ناشره القديم، غير أنها تعد حالة استثنائية لأن "الشروق" طرف أساسي في القضية.
أما فيما يخص دور اتحاد الكتاب في مثل هذه القضايا، فصحيح أن الاتحاد دخل كطرف للدفاع عن نجيب محفوظ، وأن محامي الاتحاد إيهاب فاروق حسني يتولى قضية الاستئناف التي رفعها خيري شلبي ضد ناهد فريد شوقي، إضافة لمحامي شلبي الأصلي، لكن ماذا عن باقي القضايا، خاصة التي قد يواجهها كتاب شباب. كما أن قضية امتهان الأدباء وحقوقهم مازالت مفتوحة.

الأكثر قراءة