المياه الجوفية في المملكة تتعرض لأزمة استنزاف شديدة منذ 25 عاما

المياه الجوفية في المملكة تتعرض لأزمة استنزاف شديدة منذ 25 عاما

 المياه الجوفية في المملكة تتعرض لأزمة استنزاف شديدة منذ 25 عاما

مقدمة:
بداية الثمانينيات الميلادية نهضت الزراعة السعودية ونمت رأسيا وأفقيا بسرعة أذهلت المراقبين، ومع النمو المتسارع للزراعة ظهرت أخطاء في المسيرة الزراعية أهمها هدر المياه الجوفية التي تكونت خلال 30 ألف سنة وتهدر في سنوات معدودة في بيئة صحراوية شحيحة المياه، وتنبهت الجهات المسؤولة والمواطن إلى أن هذا خطأ فادح يضر بالأجيال الحاضرة والمقبلة فبدأ الترشيد من خلال منع تصدير الأعلاف وتقليص زراعة القمح إلى الحاجة الاستهلاكية وأجريت الدراسات للتعويض ونشأت مراكز تعنى بتنويع وزيادة مصادر المياه، وأنشئت السدود وطور القائم منها، وجلب خبراء عالميون ومحليون لتطويع تجارب تناسب البيئة المحلية. من أجل ذلك جمعت "الاقتصادية" نخبة من الخبراء والمتخصصين في المياه لوضع الحلول والتوصيات للمورد الأهم في الحاضر والمستقبل، فإلى التفاصيل:

أين تتركز المياه الجوفية على الخريطة السعودية؟
الطرباق: توجد التكوينات الرئيسة الحاملة للمياه الجوفية بشكل كبير في الثلثين الشرقيين للجزيرة العربية, أما الثلث الغربي للمملكة "الدرع العربي" فلا توجد فيه تكوينات جيولوجية حاملة للمياه بشكل كبير وتقتصر المياه الجوفية فيه على المياه المحصورة قرب السطح أو قرب الوديان والمملكة حباها الله بكميات كبيرة من المياه الجوفية في التكوينات الرئيسية الحاملة للمياه.
آل الشيخ: المياه موجودة في الثلثين الشرقيين ( الرف العربي)، وهي نحو 24 تكوينا، عشرة منها أساسية والبقية ثانوية تبدأ من الأردن وتنتهي في وادي الدواسر، أما الدرع العربي فتوجد فيه المياه في الشقوق والصدوع فقط.
الطخيس: المياه الجوفية تنقسم إلى قسمين، الأول يعرف بمياه جوفية ضحلة وهي موجودة في الرواسب الوديانية والصخور المشققة بفعل عوامل التعرية وهي موجودة في الدرع العربي، أما المياه الجوفية الرئيسية فهذه توجد في منطقة الرف القاري، وهي موجودة في طبقات رئيسية وثانوية، وامتداداتها كبيرة، مثل طبقة الساق المائية وامتدادها نحو 1200 كيلومتر من شرق الدوادمي إلى حدودنا مع الأردن بعرض 40 إلى 80 كيلو مترا وبسمك يصل إلى 600 متر، يعلوها أيضا طبقات مائية.
البسام: لو نظرنا إلى جيولوجية المملكة، لدينا مياه مخزنة من آلاف السنين في طبقات صخرية ترسبت وكونت الرف القاري، وهي طبقات سميكة جدا واحتوت المياه عشرات الآلاف من السنين، وهي مصدر رئيسي للمملكة، لكنها غير متجددة، وفي الدرع العربي، تخزن المياه في رواسب الأودية، وهي مياه متجددة سنويا مع هطول الأمطار، ونعرف أن الأمطار في المملكة تتفاوت من منطقة إلى أخرى، المياه العميقة تتوافر في الرف القاري في الثلثين الشرقيين في المملكة.
الدخيل: المياه الجوفية مياه متجددة وغير متجددة، الموجودة في الرف العربي أو في منطقة الوسط والشرق والشمال الشرقي هي مياه متجددة تتغذى بشكل غير مباشر من خلال منكشفات الطبقات، وبالنسبة إلى نسب هذه المياه المتجددة وغير المتجددة الأرقام متضاربة، المياه المتجددة الموجودة في منطقة الدرع العربي تتغذى تغذية مباشرة من خلال هطول الأمطار، بينما المياه غير المتجددة وهي تجاوز غير المتجددة لأنها تتجدد بكميات أقل من السحب، وهذه المياه توجد بكميات كبيرة، ولكن مع الاستخدام الجائر لها يمكن أن تنتهي خلال سنوات.
المعتاز: قضية مهمة جدا في هذا الجانب نعاني منها في الحقيقة، وهي تتعلق بمدى توافر المعلومات والإحصائيات، ومدى استنزاف المياه في المملكة، حيث استخدمت بشكل جائر وكبير واستنزفت كميات كبيرة من المياه الجوفية العميقة المهمة دون أي تعويض.
مداخلة البسام: بخصوص نسبة تجدد المياه الجوفية، الإحصائيات غائبة أو قليلة وتحتاج لآلية تحديث دائم، ولكن بنظرة شاملة لأوضاع المملكة، نعرف أن الأمطار قليلة لدينا، والاستنزاف عال، فنتوقع أن التعويض ستكون نسبته منخفضة.
آل الشيخ: المياه المتجددة التي تنحصر في الوديان في المناطق الرسوبية حتى ولو تعرضت للاستنزاف إلى حد ما في التكوينات العميقة، إلا أنه في الغالب أن نسبة التغذية لا تعد متجددة.
الطرباق: المملكة لديها معلومات كثيرة عن مواردها المائية، لكن المشكلة تكمن في مدى الدقة في بعض الأماكن وما طرأ عليها من تغيير خلال سنوات طويلة، لكن المعلومات عن الوديان والمياه السطحية والأساسيات موجودة من نحو 30 إلى 40 سنة بدراسات مسح شاملة، قد يكون هناك بعض الدراسات التفصيلية أجريت في الثمانينيات، ولكنها تحتاج إلى تحديث نظرا لما تأثرت به الثروة المائية من ضخ كبير خلال العقدين أو الثلاثة الماضية.
التغذية في الأماكن الموجودة في الوديان، أو المياه الجوفية السطحية، هذه تتأثر سريعا بهطول الأمطار، وبسرعة تكتسب كميات كبيرة لكنها تزول بسرعة لأن الضخ عليها كثير في المزارع والوديان. الطخيس: قد أختلف مع الزملاء، لأن منطقة الدرع العربي تمثل ثلث مساحة المملكة، وبالتالي فمن الإحصائيات الموجودة لدى وزارة الزراعة عن الإنتاج الزراعي وغيره هناك كميات كبيرة من المحاصيل تنتج من منطقة الدرع العربي، وجميع الزراعة فيه تعتمد على المياه المتجددة عن طريق الأمطار مباشرة أو عن طريق المياه الجوفية الضحلة، وبالتالي فالتقديرات الموجودة لدى وزارة المياه تفيد أن هناك نحو ثمانية مليارات متر مكعب يمكن اعتبارها مياها متجددة، وفي المقابل كمية المياه التي سيتم استخراجها سنويا نحو 20 مليار متر مكعب سنويا، منها ثمانية مليارات يمكن اعتبارها مياها متجددة، إذا أخذنا في الاعتبار أن الدرع العربي يستفيد مباشرة من مياه الأمطار.
والتقديرات تقول إن المياه مقسمة: خمسة مليارات متر مكعب على منطقة الدرع العربي، وثلاثة مليارات على منكشفات الطبقات الرسوبية الحاملة للمياه. هناك الطبقات الحاملة السريعة التأثر بعد هطول الأمطار، مثل منطقة الرياض، هذه الطبقات تستجيب بسرعة للتجدد، ولدى الوزارة أيضا آبار مراقبة لتسجيل مسارات المياه وتذبذبها.

ماذا عن مستقبل المياه الجوفية في المملكة؟
الطرباق: مستقبل المياه الجوفية في المملكة سيعتمد بشكل عام على: كيف تدار استراتيجية المياه في المملكة على العموم في الاستخدامات كلها، فلا بد من استراتيجية واضحة عن استخدامات المياه في المملكة تأخذ في الاعتبار ذوي الدخل المحدود، وأساسيات المجتمع من الزراعة, وأعلم أن الوزارة جادة في وضع استراتيجية للمياه، هذه الاستراتيجية والحفاظ على المياه الجوفية، يتزامن معها دور وزارة الزراعية، وهي لديها خطة للمستقبل للسنوات الـ 20 المقبلة للزراعة، مستقبل القطاع الزراعي يؤثر كثيراً في الثروة المائية وبالذات المياه الجوفية.
آل الشيخ: نظرتي بالنسبة إلى المملكة، نظرة تفاؤلية بإذن الله، طالما أن وزارة المياه اتخذت إجراءات وبتوجيهات من الجهات العليا، لمواجهة مشكلة المياه في المملكة من أهمها دراسة وتحديد مواردنا المائية المتاحة الكم والنوع وإمكانية تطويرها واستثمارها في إطار برامج التنمية المستدامة.
الطخيس: في الواقع أن نظرتي المستقبلية إلى المياه الجوفية في المملكة، نظرة تفاؤلية مشوبة ببعض الحذر، المياه الجوفية بالفعل في المملكة مرت خلال الـ 25 سنة الماضية بأزمة استنزاف شديد، صاحبه هبوط كبير في مناسيب المياه، أثر أيضا في الطبقات الرئيسة ونوعية المياه في بعض الطبقات.
والوزارة تقوم الآن بتحديث الدراسات التي أجريت قبل أكثر من 20 عاما، ونأمل من هذه الدراسات أن تضع النقاط على الحروف، وفي الوقت نفسه فإن الوزارة تتعاون مع البنك الدولي منذ أكثر من عامين لإجراء استراتيجية وطنية للمياه، والعمل مستمر فيها، وهناك أيضا تعاون، أو يجب أن يكون هناك تكامل بين الاستراتيجية الوطنية للمياه، وبين الاستراتيجية الوطنية الزراعية التي تتولى وزارة الزراعة إعدادها، وبالتالي فإن الزراعة والمياه وجهان لعملة واحدة ينبغي أن تتماشى الخطط مع بعضها بعضا.
كما ينبغي أن يكون التركيز المستقبلي على تكثيف ورفع مستوى الوعي بأهمية المياه والمحافظة عليها من قبل الجميع وليس من قبل المسؤولين في الوزارات المختصة فقط، والقطاع الخاص المستمر في القطاع الزراعي، عليه دور كبير وعليه أن يعي أننا نتعامل مع ثروات وطنية تخص الأجيال المقبلة أيضا، ويجب أن نركز الآن كذلك على إدارة الطلب على المياه وتحديد الأولويات، صدر نظام المحافظة على مصادر المياه بأمر سام، عام 1400 هـ حدد أولويات استخدامات المياه وإعطائها أولا لمياه الشرب، ثم سقيا المواشي وغيرها، ثم الزراعة.
القطاع الزراعي يستهلك في الوقت الحالي 85 في المائة من إجمالي استهلاك المياه السنوي، وهذه نسبة كبيرة جدا حيث اختزنت في هذه الطبقات، منذ أكثر من 20 – 30 ألف عام، واستحالة تعويضها.
مداخلة البسام: نظرتي غير متشائمة، لكنها أيضا غير متفائلة، أعتقد أننا بدأنا بخطوات سليمة وجيدة لوضع استراتيجية طويلة المدى للمياه تقوم بها وزارة المياه والكهرباء، أتمنى أن تكون هذه الاستراتيجية ديناميكية يتم تحديثها مع المستجدات، أتمنى أن تركز على إدارة الطلب وأيضا تركز على المصادر البديلة، أعلم أن مخرجات الصرف الصحي تمثل نسبة كبيرة من الاستهلاك، وآمل أن نتوسع في المصادر البديلة، وأن تستجيب جميع القطاعات مع وزارة المياه في استراتيجيتها، أو غيرها من القطاعات الأخرى.
الدخيل: أوافق الزملاء على التفاؤل المشوب بالحذر الشديد، يجب أن نعرف الغرض الذي تستخدم المياه من أجله، إن كان للأغراض السكانية أو الزراعية أو الصناعية.. الصناعية تستخدم بشكل محدود جدا لا يتجاوز 5 في المائة، ومستقبلا يبدو أنها ستتوسع. أما بالنسبة إلى الزراعة فقد بدأت خطوات جيدة في حجم الاستخدام الزراعي، خصوصا في المحاصيل ذات الاستهلاك العالي للمياه.
المعتاز: لست متفائلا كثيرا في موضوع المياه الجوفية من ناحية كمياتها واستخداماتها، لأسباب قد تكون محصورة في عدم إحاطتي بما يعلمه الإخوة من دراسات وأعمال، فاستراتيجية الاستخدام، وكذلك الخطة الوطنية للمياه، وتأخر صدور هذه المعلومات، وأيضا لوجود المعلومات المتناقضة، وغياب الترابط بين الجهات المختلفة ذات العلاقة في هذا الشأن يجعلني لا أميل إلى التفاؤل في هذا الجانب.
المعلومات متناقضة وتفتقر إلى الدقة وكذلك استخدامها، ومن ناحية الحصول عليها وإنتاجها، وأيضا تتضارب المعلومات الواردة من الجهات الحكومية ذات العلاقة، فتجد أن جهة معينة تعطي أرقاما أو تعتمد في حساباتها على طرق مختلفة وتتناقض الأرقام فيما بينها، من ناحية أخرى فإن اعتماد الوزارة على الجهات الخارجية كالبنك الدولي وغيره الذي نعلم أنه عندما يأتي إلى المملكة لإجراء دراسة، فإنه يلجأ إلى المتخصصين المحليين، وبهذا فإنه يعطينا بضاعتنا.
مداخلة الطرباق: الدكتور المعتاز وضح الآن نقطة مهمة، بغض النظر عن الاستراتيجية التي تضعها الوزارة، ولا أختلف معه في أنها ستكون جيدة، لكن المشكلة تكمن في مدى التأثير على المياه الجوفية في المستقبل جراء الاستخدامات الحالية والمستقبلية، وأحب أن أوضح أن المياه الجوفية لا يمكن أن ينظر إليها بمفردها، لأنها مورد واحد من أربعة موارد نعرفها مسبقا، وإذا كنا نريد إدارة متكاملة للمياه بشكل كامل، فيجب أن تركز الخطة على كل هذه الاستخدامات، استخدامات الصرف الصحي، التحلية، السطحية، والجوفية جميعا.

ما نتائج الطرق المستخدمة في خزن وحصاد مياه الأمطار؟
آل الشيخ: أسلوب حصد وخزن مياه الأمطار ليس أسلوبا جديدا، إنه معروف منذ أكثر من 30 سنة، وتوصي به الأمم المتحدة، لذلك لدينا آمال كبيرة في تلك الطريقة وأن تكون أسلوبا للاستفادة الجيدة من مياه الأمطار التي تهطل على المملكة سنويا وخصوصا أنها لفترات محدودة، وفي الغالب تكون قريبة من فصل الربيع وهو فصل حار، ولو تركت خلف السدود، حيث تكون المسطحات المائية عرضة للتبخر نتيجة الحرارة الشديدة، ولذلك فإن الأمل إذا انتشر استخدام تقنية حصد وخزن المياه خلف السدود، وبعد تطبيق هذه التقنية يكون لدينا زراعة مستدامة وبالذات في الوديان الأزلية التي عرف عنها أنها عاصرت حضارات كثيرة سابقة.

ماذا عن طبيعة هذه التقنية؟
آل الشيخ: هي عبارة عن خزن المياه خلف السدود إلى الرسوبيات تحت بحيرة السد في وقت سريع لتجنيبها عملية البخر الناتج من تعرضها لحرارة الشمس وهبوب الرياح، والأمل أن تعمم هذه التقنية في قادم الأيام، وتتم هذه التقنية من خلال حفر بعض الآبار بناء على دراسات جيوفيزيولوجية، تبني المناطق التي يكون فيها طبقة البحص أو البطحاء، التي تنفذ منها المياه وتستوعبها بصورة أسرع، ولذلك وجدنا أن الماء بدون هذه التقنية يمكث في البحيرة لمدة أكثر من ستة – سبعة أشهر، بينما بتطبيق هذه التقنية فلا يمكث لأكثر من 20 يوما.
وتستخدم في هذه التقنية مواسير سعة 20 بوصة فيها أكثر من 150 فتحة لاستيعاب المياه في الطبقات المسربة إليها، ويستمر بعد ذلك حفر الطبقة الرسوبية في الوادي نفسه، ومن ثم يقام على البئر ماسورة بسمك 18 بوصة وعليها ثلاثة محابس لإدخال الماء الموجود بعد أن تقل المواد المترسبة المحمولة مع مياه الأمطار، وهي طريقة تختلف عما توصي به الأمم المتحدة وطبقته في بعض الدول، وقام الزملاء في مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة ومياه الصحراء بتطوير هذه التقنية.
الطرباق: مشروع الملك فهد لخزن وحصد مياه الأمطار، بدأ تقريبا منذ نحو عامين وسيستكمل قريبا تنفيذ ثلاثة حفائر ضخمة الهدف منها خزن المياه لاستخدامات البادية في مناطق المملكة الشاسعة، وسميناها الغدران الصناعية.
الطخيس: أهم وسيلة فاعلة لخزن وحصاد الأمطار، هي السدود السطحية والجوفية، وأضيف أيضا أن هناك حصادا وخزنا آخرين، من خلال تجربة صينية استفاد منها أكثر من 200 مليون صيني، حيث تجمعوا في منطقة واحدة بفعل نجاح مشروع لخزن مياه الأمطار هناك.
البسام: خزن الأمطار، فكرة ليست لها هوية، نتمنى أن تأخذ الدولة التقنية المناسبة لظروفنا، هناك تقنيات كثيرة تتلاءم مع كل دولة أو منطقة بذاتها، في الصين لديهم تقنيات تتلاءم مع طبيعة بلادهم، ونحن هنا في المملكة نتمنى أن تكون التقنيات مناسبة وملائمة، أعتقد أن مشروع الملك فهد لخزن المياه وضع تقنيات فريدة لهذا المشروع، حتى أن الطريقة المستخدمة لخزن مياه الأمطار تحت السطحية لها مواصفات خاصة بهذا المشروع وبالمركز، فما يستخدمه المركز ليس مستوردا من أي مكان، هو فكرة نشأت في المركز وطورت فيه ونفذت بمعرفة المركز وأطلق عليها بتوجيه من الأمير سلطان، مشروع الملك فهد لخزن وحصاد الأمطار.
الدخيل: حصاد الأمطار هو إحدى الوسائل المستخدمة لزيادة إمدادات المياه، كمصدر مساند للمياه الجوفية، وآمل أن يعمم على جميع مناطق المملكة، وأشير على سبيل المثال إلى مشكلة المياه السطحية الجارية التي تضيع هباء في البحر الأحمر في المنطقة الغربية وتقدر بأكثر من ملياري متر مكعب سنويا، وأولى بنا أن نحافظ على كل قطرة ماء، لأن الأجيال في حاجة إليها.
المعتاز: الفكرة رائدة وجيدة، ودور مركز الأمير سلطان عظيم في استثمار هذا المصدر، المياه التي تذهب هباء دون ما فائدة، ولهذا فإن الاستفادة منها في الأماكن الملائمة التي من الممكن أن تحملها، وكذلك إيجاد التصاميم المطلوبة وتوزيع المياه داخل هذه الطبقات، لا شك أنها فكرة رائدة أشكر العاملين في المركز والقائمين على تنفيذها.
آل الشيخ: تكاليف المشروع تعد متواضعة مقارنة بمردوده الكبير، حتى في فترات قلة هطول الأمطار، وفي الموسم الأخير في كل من العمارية في سد المزيرع وفي ضرماء امتلأ السدان وأقمنا عليهما مشاريع، وكانت المياه تمكث لسبعة أشهر، ولكن لسعة السدود مقارنة بهذين السدين مع سد العلب، فطبعا كمية المياه أكبر لأن حجم سد العلب القريب من الرياض أكبر حيث يبلغ طول البحيرة 800 متر بعرض 200متر وعمق 3.5 متر، بينما في المزيرع طول البحيرة800 متر وعرضها يفوق 600 متر والعمق 3.5 متر، وكذلك في ضرماء الطول نحو كيلومتر واحد والعرض 600 متر والعمق 3.5 متر، والعام الماضي مكثت المياه في سد العلب أسبوعين فقط بينما مكثت في السدين الآخرين لمدة 20 يوما.

لماذا لم تطبق هذه التجربة على سد بيشة عوضاً عن ضخ الماء في الوادي؟
آل الشيخ: عندما يصل المسؤولون في وزارة المياه إلى قناعة بتطبيق هذا المشروع، خصوصاً أن التكلفة لا تذكر مقارنة بالفوائد، ولا نجد عائقا في تطبيقه.
الطخيس: يوجد في المملكة حتى الآن 230 سدا سعتها التخزينية 850 مليون متر مكعب، إضافة إلى 25 سدا تحت الإنشاء الآن سعتها تفوق السدود الحالية مجتمعة وتزيد على مليار متر مكعب، ومعظم السدود الأخيرة يوجد على ساحل البحر الأحمر مثل سد بيش ورابغ، وهناك 142 سدا أخرى تحت الطرح والترسية حاليا.
ومشروع الملك فهد لحصد مياه الأمطار، ربما ينجح في مناطق وقد لا ينجح في أخرى، يعتمد ذلك على جيولوجية المنطقة، ففي الرياض نجحت الفكرة لأنه توجد طبقات رسوبية تصل إلى أعماق كبيرة.

ماذا عن سد بيشة؟
الطخيس: في سد بيشة أنا في تصوري الشخصي لن تنجح الفكرة فيه لأنه لا توجد طبقات متتابعة، هي عبارة عن رواسب وديانية، يمكن من السهولة بمكان أنها مشبعة تماما ومحجوزة في السد نفسه، والوزارة أقامت مشروع مياه على هذا السد عن طريق إقامة سد جوفي خلف السطحي، وتغذيته من خلال السد السطحي وحفر آبار لاستخدامات مياه الشرب من هذه المياه، يعني تتم تغذية والاستفادة من مياه سد بيشة باتجاهين، أولاً تغذية الآبار المستخدمة لمياه الشرب، ثانيا تفتح حسب برنامج تشغيلي أعدته الوزارة لاستفادة المزارعين منها.
وأحب أن أقول إن بيشة تقع في منطقة الدرع العربي، تخرج من الوادي يمينا ويسارا تجد صخورا نارية ومتحولة صلبة، الرواسب الوديانية محدودة السمك وبالتالي تحفر أقل من 2 – 4 أمتار، وحاجز جسم السد وصل إلى صخور القاعدة المركبة، فعمل حجز المياه لا يمكن أن ينجح في هذه الآبار، وجسم السد الخرساني محفور إلى أن وصل الصخور الصلبة، أي أن الرواسب الوديانية تصل إلى مترين أو أكثر، لكن الجدار الخرساني للسد محفور حتى وصل إلى الصخور الصلبة وبالتالي لا يمكن أن تكون هناك تسربات للمياه من خلال آبار تحفر في هذا الجانب.
وكل سد له ظروفه، هناك سدود مخصصة لأغراض الري، وبالتالي معد لها نطاق معين من الأرض تغذى بواسطة السد إما بفتح فتحات السد عليه إما بإقامة سدود جوفية لحجز المياه وضمان تدفقها إلى أسفل الوادي حتى تتكون طبقة مشبعة تستخدم عن طريق حفر الآبار لمياه الشرب، مثلا لدينا في الباحة سد العقيق وتربه وعردة، وعندنا في بيشة تستخدم لأغراض الشرب والزراعة، وفي نجران نفكر الآن في إقامة سدود جوفية تحت السد الأساس، وعلى وادي بيش نستخدم جزءاً من الاستخدامات المخصصة لأغراض الشرب، سيقام عليه مشاريع لإمدادات مياه الشرب، وبالتالي هناك خطة تشغيلية محكمة.
البسام : كما ذكرت هناك لكل سد ظروفه، قد تكون هناك تقنيات تصلح لبيشة لا تصلح للرياض، أتمنى أن تكون هناك دراسة لهذا الوضع، الشيء غير المقبول بالنسبة لي أن تبقى المياه على السطح في ظروف حرارة الصيف تتجاوز 45 درجة مئوية، معدلات البخر عالية جداً، وبالتأكيد فإن نسبة كبيرة من هذه المياه ستهدر بالتبخر، أتمنى أن تكون هناك دراسة لتقنيات بديلة وليس بالضرورة أن أستخدم التقنيات نفسها التي استخدمت في الرياض.
الدخيل: أعتقد أنه حتى لو كان السد لغرض أحادي وليس لأغراض متعددة، يمكن تعديل الغرض بما يؤدي لجدوى اقتصادية أكبر من الغرض الأساسي الذي أنشئ من أجله السد، وإعادة تشغيله بطريقة يتم فيها فتح البوابات ثم حصد مياه الأمطار وتغذية المياه الجوفية في العمق تحت السد، ويمكن فتح البوابات في أوقات معينة ويخصص لحقن المياه في الطبقات الجوفية.

لماذا يفتح سد بيشة في الصيف ولا يفتح في الشتاء لتقليل البخر؟
الدخيل: ربما في الصيف لإمداد المناطق التي تشح فيها الأمطار في المنطقة السفلية.
الطخيس: لدى وزارة المياه برنامج تشغيلي للسدود، تبدأ أول خطوة فيه عندما يصل السيل للسد، وتفتح فتحات السدود بحيث تذهب المياه الواصلة في البداية للتخلص من الرواسب، ومعظم المستفيدين في أسفل الوادي تصلهم المياه لاحقا، والخطوة الثانية بعد مرور موجة أخرى من السيول تغلق فتحات السد حسب الحاجة. ن
سد بيشة له ظروف أخرى عندما افتتح عام 1418هـ كان يختزن 298 مليون متر مكعب وآنذاك لم يكن لدى الوزارة مشروع لمياه الشرب، الآن نفذ مشروع لإمداد بيشة بمياه الشرب وهناك خطة تشغيلية للوفاء باحتياجات مياه الشرب والزراعة، معظم المزارع في بيشة تعتمد على أعلى المياه الموجودة في الرواسب الوديانية، لا توجد طبقات مياه فقط في هذه الرواسب القريبة من الوادي، ويفتح السد في الصيف لأن هناك استهلاكا عاليا للمزارع وبالتالي هم في حاجة إلى مزيد من المياه، وحتى لو فتح في الصيف لا يحدث هدر كبير، وعند سيره في الوادي يستفيد منه المزارع بسرعة أولا بأول.
أعتقد أن البخر نعطيه هالة إعلامية أكثر من حجمه، نتصور أن هناك كمية كبيرة من المياه تضيع منه، لكن هناك دراسات أثبتت أن الهدر أقل مما تتصور عقول الآخرين. هناك طرق أيضا للتخلص من البخر مثل وضع مواد كيماوية للتقليل من حرارة الشمس قدر الإمكان وبعض الدول تضع أوراق نباتات للتقليل من أشعة الشمس، ولكل سد ظروفه التشغيلية.
آل الشيخ: تعليقا على ما ذكره الدكتور الطخيس بالنسبة إلى سد بيشة وأن كل منطقة لها تقنية معينة، وكما ذكر الدكتور الدخيل، نحن في المركز نضع هذا في الاعتبار، ونعرف أن معظم السدود في الجنوب الغربي للمملكة بنيت على الصخور مباشرة حيث إن وزارة المياه تفتح السد في بعض الأحيان ليستفاد منه، إذن النظرية نفسها، طالما كانت هناك طبقة يتشرب من خلالها الماء حتى يصل للمزارع، إذن هذا هو المستهدف، وتربة ونجران من المناطق التي نأمل أن تطبق فيها هذه التقنية.
إدارة المياه على مستوى المملكة هل تتم بالطرق الأفضل؟
الطرباق: للتعامل مع الثروة المائية وتأثيرها في كل القطاعات سواء الزراعة، أو الصناعة، بذلت وزارة المياه والكهرباء جهوداً كبيرة في الدراسات والتخطيط، ولكن ربما لم يكن هناك الوعي الكافي قبل 15 سنة بالأهمية الاقتصادية للمياه، بمعنى أننا كنا نستخدم المياه في جميع الأغراض بهدر واضح، وما كان أحد ينظر آنذاك إلى جدوى ما يستخدم في الزراعة والبلدية والصناعة، أما الآن اختلف الوضع فأصبح هناك وعي واهتمام شديدين من قبل الوزارات المختلفة المعنية.
الدخيل: لم يكن لدينا في السابق وضوح رؤية لمشكلة المياه واستنزافها، حتى في الدول المتقدمة أمريكا مثلاُ، حدث في بعض ولاياتها مثل تكساس استنزاف لمتكون طبقة مائية، ثم أعادوا التفكير في إدارة المياه في هذه المناطق، وفي المملكة أرى أن وزارة المياه والكهرباء بدأت خطوات في الإدارة المتكاملة للمياه، لكنها خطوات متتالية، وليست متوازية، بدأت تشير بالتوعية بترشيد المياه، وهو جزء من الإدارة المتكاملة، الآن تسعى لإعادة تسعير جديد للمياه، وهو جزء من الإدارة المتكاملة، أعتقد أننا نسير في طريقنا للإدارة المتكاملة للمياه، وآمل أن تكون الخطى أسرع.
المعتاز: لم أجد اللبنات الأساسية من ناحية توافر المعلومة، وكذلك خروج الخطة الوطنية للمياه التي ارتدت لباساً آخر باسم الاستراتيجية المتكاملة للمياه، والتأخر الطويل لهذه الاستراتيجية، ثم جهود الوزارة تسير كما ذكر الدكتور الدخيل، بالتتابع وليس بالتوازي، في مجال الإدارة المائية، بدأت بالترشيد ثم حملات الوعي، كما يبدو لي أنها لا تتم بطابع تكاملي أو بنائي موحد ينم عن إدارة متكاملة ذات استراتيجية واضحة المعالم، لست راضياً عن هذه الإدارة بهذا المفهوم وبالأعمال التي نراها، مثل عدم ظهور الخطة الوطنية للمياه التي عدلت لتكون استراتيجية متكاملة للمياه، وعدم اعتماد الوزارة في تقاريرها على الإحصاءات والمعلومات، من بداية عمل الوزارة، بشكل متكامل وبناء.
آل الشيخ : بشأن إدارة المياه، دار الحديث من الزملاء عن الترشيد، بينما يبدو أن الترشيد جرى في المدن، وهذا لا يقارن باستهلاك الزراعة التي تستحوذ على 88 في المائة من الاستهلاك، ولا أدري إذا كانت كلمة ترشيد يمكن أن تكون مجدية في المدن مع أن الزراعة هي المستهلك الأكبر الذي يتطلب الترشيد.
مشروع مياه الملك فهد لحصد مياه الأمطار في الأودية، كم أضاف من المياه، ولماذا لم يتم تعميمه على مستوى المملكة
آل الشيخ :
سبق أن ذكرت، أنه في العام الماضي وهذا الموسم، امتلأ الواديان في المزيرعة في العمارية وكذلك في ضرماء، هناك آبار كان وزير المياه يتابعنا ويحثنا على مراقبتها قبل موسم الأمطار وبعده، كون المياه مكثت فقط خلال عشرين يوماً مقارنة بسبعة أو ستة أشهر، هذا يدل على أن المياه خزنت، الأمر الثاني أنه كانت هناك آبار تابعة لمراقبة منسوبي المركز، فلاحظنا أنه حدثت إعادة تغذية حتى أن بعض الأماكن بلغت فيها أكثر من 4 كيلومترات أو 3 كيلومترات خلال 24 ساعة، وتحسن الكيف والكم.
إحدى المزارع في وادي علب كانت الملوحة فيها عند 4 ـ 5 آلاف جزء في المليون، وبعد التغذية انخفضت الملوحة إلى 2500 جزء فقط علما بأن هذا حدث في موسم واحد للسيل، وبالنسبة لسدي العمارية وضرماء فقد أبدى عدد من الأهالي ترحيبهم واقتناعهم بالمشروع بعد أن كانوا معارضين له في الأساس.
الطخيس : تعليقي على المشروع رغم ما حققه من نجاحات إلا أن الأمر يحتاج إلى وقت أطول للحكم النهائي على مثل هذا الحدث العظيم، عادة مثل هذه المشاريع تحتاج إلى سنوات من البحث والتدقيق، وآمل أن تجرى دراسات بيئية لا أعتقد أن الهدف فقط وصول المياه إلى باطن الأرض، فأنا أنظر كهيدروجيولوجي ولعلاقتي بطبيعة المياه الجوفية قد يكون هناك آثار سلبية على المدى البعيد ربما الحبيبات مسامية نفاذية الصخور قد يكون لها دور في المستقبل.
لا بد من إجراء الدراسات البيئية، والآثار الاجتماعية والاقتصادية على المزارعين المستفيدين من المشروع وهم الأقرب إلى مجرى الوادي، لكن قد يكون المزارع الموجود على حافة الوادي غير مستفيد، وهذه من الأمور التي تحتاج إلى دراسات معمقة لتقييم التجربة ومعرفة مدى نجاحها، وذلك يحتاج إلى سنوات قبل أن نحكم عليها، المشروع عمره سنتان أو ثلاث، والمؤشرات الأولية في منطقة الرياض جيدة، لكن الرياض ليست مقياسا لتعميم التجربة على جميع مناطق المملكة، يجب أن يقوم فريق من الجيولوجيين والجيوفيزيائيين بدراسة التجربة.
هل طبقت التجربة في مناطق أخرى كالدرع العربي؟
لا أعرف أنها طبقت في الدرع العربي.
كيف نحكم على النتائج بدون تجربة؟
أنا أسأل هل جرب في الدرع العربي! ربما لو جرب نحكم على مدى نجاح التجربة إذا طبقت في منطقة الدرع العربي، حبذا لو أجريت التجربة على سد من سدود الدرع العربي، لأن هناك فرقا في جيولوجية الدرع العربي وجيولوجية المنطقة الرسوبية.
البسام : مشروع الملك فهد النتائج الأولية، بالذات في فرع آبار التغذية واضحة، وأود أن أذكر بعض النتائج: في هذه السنة انتهى المشروع من إنشاء الآبار في أحد السدود في العمارية، وكانت سعة السد نحو 500 ألف متر مكعب، وفي خلال أسبوع واحد أضيفت للمياه الجوفية تحت السطحية، وظهرت آثارها واضحة على آبار على بعد كيلو واحد من السد، ارتفعت المياه في البئر في أسبوعين لأكثر من 23 مترا.
إذن نجاح التجربة واضح، وهناك خطوات تتخذ في هذا المشروع قبل أن تطبق التقنية المستخدمة في عملية التغذية، مثل دراسات ميدانية، جيوفيزيائية وأيضا دراسة مقاطع الحفر لتحديد الطبقات التي يمكن أن تخزن فيها المياه، أعتقد أن تخزين المياه في داخل الطبقات سيستفيد منها الشخص البعيد عن السد في مرحلة متأخرة قليلا بعد عدة أشهر، وهذا أفضل مما نترك المياه في بحيرة السد للتبخر.
نحن لا نضخم حجم عملية البخر وما تسببه من هدر في المياه، ولنذكر مثالا بسيطا، لو تركنا زجاجة مياه مغلقة في الشمس لمدة يوم أو يومين، فسنجد أن الزجاجة فقدت نصفها وهي مغلقة فما بالنا ببحيرات مكشوفة تفقد بخرها مباشرة في الغلاف الجوي، أعتقد أن المشروع هو إضافة كبيرة لمواردنا المائية، ويحفظ كميات كبيرة من هذا البخر، أتمنى التوسع في هذا المشروع بلا تردد، الفائدة منه واضحة جدا.
لماذا تأخر تطبيق هذه التجربة؟
البسام : الفكرة نشأت حديثا في مركز الأمير سلطان، اجتمعت الهيئة الاستشارية وكان اقتراحا من رئيس الهيئة وأمين الجائزة، وتمت دراسة المشروع في الهيئة، وبدأنا في أحد السدود القريبة من الرياض، وأثبتت نجاحها، سواء في الكمية أو النوعية، والآن تم تعميم التجربة في هذه السنة، لكن معدلات الأمطار كانت دون المتوسط، ورغم ذلك أعطت التجربة نتائج جيدة.
أتمنى أن نرى نتائج هذه التجربة فيما لو تكرر امتلاء السد عدة مرات وكانت مستويات الأمطار أعلى، وفي كل مرة يمتلئ فيها السد فإننا نضيف 500 ألف متر مكعب من المياه إلى الطبقات تحت السطحية، فلو تكرر ذلك 5 أو 6 مرات فنحن نضيف أكثر من ملياري متر مكعب للطبقات الجوفية وتحفظ ولن نفقدها بالبخر، هذا المشروع يجب تعميمه على أكبر عدد من السدود الموجودة في الدرع العربي التي لديها وضع خاص، لدراستها ووضع الحلول والتقنيات المناسبة لها.
الدخيل : أعتقد أن مشروع الملك فهد لحصاد مياه الأمطار، مبشر بالخير كرافد مساند للمياه الجوفية، لكن يجب ألا نحصر أنفسنا في عملية حصاد الأمطار، سواء من الحفائر أو حقن المياه في الطبقات الجوفية ولو أجريت دراسة على منطقة الدرع العربي التي تتوافر فيها مياه أمطار، بحيث نشجع السكان على تجربة جميع المياه والاستفادة منها في الأغراض السكانية.
المعتاز: مشروع حصاد الأمطار، مشروع رائد ونجاحه في منطقة الرياض، من حيث تغذية الآبار وكذلك من عمل الحفائر، ظاهر وبارز، وأضم صوتي إلى الدكتور الطخيس إلى أنه من ناحية المناطق الأخرى ذات الطبيعة المختلفة تحتاج إلى مزيد من الدراسة، كما ذكر أن هذا المشروع قليل التكلفة، ونتائجه إيجابية من الكميات التي تضاف إلى مخزون المياه تحت السطحية، ولكن بعض المناطق قد لا تكون ملائمة لهذه التجربة، أو تحتاج إلى تصاميم وتقنيات مختلفة حسب اختلاف المنطقة.
آل الشيخ : كل منطقة يجب أن يكون لها دراسة تتعلق بطبيعتها وخواصها التي تختلف عن غيرها من المناطق التي لها خواص مختلفة، ويجب أن نعطيها الاهتمام والدراسة، لكن أود أن أؤكد أنه عندما زرنا تونس التي توسعت في مسألة حصاد الأمطار وحجزها خلف السدود، كان أحد الأسئلة التي ركزنا عليها وهي التأثيرات المترتبة على البيئة، علما بأنني ذكرت سابقا أن المشروع ليس بجديد، فله أكثر من ثلاثين سنة، وهي فترة كفيلة أن تظهر أي تغيرات بيئية سلبية، مع الأخذ في الاعتبار أن كل منطقة لها خواصها.
الطخيس: المياه الجوفية تعاني هدرا شديدا تم اتخاذ خطوات إيجابية، ولكن نحن في حاجة إلى المزيد، ثم وقف تصدير الأعلاف بأمر سام صدر قبل سنوات، وكذلك تم تخفيض إنتاج القمح إلى حد الاكتفاء الذاتي.
هل هي استراتيجية خطأ؟ الطخيس: أعتقد بالفعل أن عليها تساؤلات كثيرة، فدولة صحراوية تعتمد على المياه الجوفية، تقوم بإنتاج هذه الكميات الكبيرة من القمح، هي بالتأكيد ليست أسلوباً صحيحاً، الآن نشاهد الكثير من الدول تعلن حالة الطوارئ إذا انخفضت كمية الأمطار لديها عن المعدلات العامة، مع العلم أن لديهم مياه جوفية، إلا أن اهتمامهم باستدامة المصادر المائية والتنمية المستدامة جعلهم يعلنون الطوارئ.
نحن وضعنا يختلف, والحمد لله, لدينا إيجابيات كثيرة، والمطلوب تنويع المحاصيل الزراعية والتركيز على المحاصيل ذات الاستهلاك المنخفض للمياه، والتركيز على الميزة النسبية لكل منطقة، فهناك مناطق تجود فيها زراعة محصول معين بأقل كمية من المياه، ومناطق أخرى تستنزف مياهاً كبيرة لإنتاج نفس المحاصي0.
وزارة الزراعة تعد استراتيجية وطنية زراعية للخمس وعشرين سنة المقبلة، ووزارة المياه تجري استراتيجية وطنية للمياه طويلة المدى، وهناك تنسيق نأمل أن يثمر عن تعاون إيجابي تستفيد منه الأجيال، ولدينا في وزارة المياه آبار مراقبة موزعة على مختلف الطبقات المائية، عليها أجهزة تسجيل أتوماتيكية، وينبغي أن تكون هناك وقفة صادقة من الجميع، من أصحاب القطاع الخاص والمستثمرين في القطاع الزراعي ومن الجميع. نحن نتحدث عن حياة لجيل وللأجيال المقبلة، يجب التركيز على ما يعرف بالزراعة المستدامة التي توازي بين الإمكانيات المائية وبين المحاصيل.
وهناك ما يعرف أيضاً بالمياه الافتراضية، أي تستورد ما تحتاج من محاصيل تستهلك كميات عالية من المياه، بالإمكان استيرادها بأسعار زهيدة ونوفر مياهنا بطريقة أخرى، وهناك أيضاً إعادة استخدام مياه الصرف الصحي لم تستخدم الاستخدام الكافي، تنتج حالياً 1.5 مليون متر مكعب تعالج يومياً، يستفاد فقط من 500 ألف متر مكعب يومياً، والباقي يضيع هدراً أما في الأودية وإما في البحار، هناك خطة متكاملة تدرسها الوزارة الآن للاستفادة من هذه المياه، ومن ضمن البدائل أيضاً حقنها في طبقات المياه الجوفية بعد تنقيتها إلى درجة مأمونة، نأمل أن تتضافر جهود جميع المسؤولين، وأصحاب المصالح ذوي العلاقة بالمياه الجوفية، تفهم أن المياه هي مستقبلنا.
البسام: نحن نحتاج إلى وقف الهدر في القطاع الزراعي وكذلك القطاع البلدي، ووقف تسربات الشبكات نعرف أنها عالية في كثير من مدن المملكة. وقد تصل إلى 40 في المائة من إمدادات المياه، أيضاً نحتاج إلى وضع تشريعات للمياه لوقف هذا النزيف المائي، كذلك نحتاج إلى الإدارة المتكاملة لمصادر المياه.
الدخيل: أعتقد أن الفجوة المائية موجودة، ولإيقاف الهدر يجب تقليل الفجوة المائية، يجب ترشيد استهلاك المياه داخل المنزل وخلال الشبكة، ترشيد استهلاك المياه في القطاع الزراعي.
المعتاز : أتمنى أن يكون للوزارة جهود ملموسة في هذا الجانب إضافة إلى الجهود التي ظهرت من ناحية الترشيد وخاصة ترشيد الاستهلاك في المدن الرئيسية، المياه الجوفية تهدر من الزراعة التي تستهلك 85 – 90 في المائة، كمستهلك رئيسي للمياه، الزراعة مرت بفترات لإنتاج محاصيل مستنزفة لهذه المياه وقد أوقفت هذه الممارسات أو حد منها، ولكن ما زال هناك هدر كبير جداً من ناحية الاستهلاك غير المتزن في الكثير من القطاع الزراعي، أتمنى أن تكون للوزارة جهود بينة وواضحة مثلما لها من جهود في مجال الترشيد في المدن الرئيسية.
وعلى وزارة الزراعة أن تبذل جهودا أساسية في هذا الجانب، ما أراه أنه ليست هناك خطة واضحة نحو التوجه الزراعي الملائم لظروف المملكة ووضعها المائي، وهذا لا يعفي وزارة المياه أيضاً في هذا الجانب.
مداخلة البسام: أود ألا نغفل مسألة التوعية بأهمية هذه المصادر بالنسبة للمواطن من أجل الترشيد، كما شاهدنا هل هي مسؤولية وزارة الزراعة أو وزارة المياه، أتمنى أن يكون هناك مجلس وطني للمياه والزراعة أعلى من وزارة الزراعة والمياه، هو الذي يعطي التعليمات لجميع الوزارات.

معدلات الاستهلاك الحالية هل تصل بنا إلى مرحلة الخطر المائي؟
الطخيس : الاستهلاك البلدي معدل استهلاك الفرد في المملكة يعادل 286 لتراً يومياً، وهذا معدل عالٍ جداً في وضع مثل وضع المملكة الصحراوي، وهذا المعدل يضع المملكة في المرتبة الثالثة من حيث استهلاك الفرد على مستوى العالم، حيث إن كثيرا من دول العالم يستهلك الفرد فيها من 100 – 150 لتراً يومياً، لدينا استهلاك فيه هدر للمياه البلدية، بعضها بسبب سوء الاستخدام، ونشاهد هدراً للمياه في غسل السيارات.
وبالنسبة إلى القطاع الزراعي، فإنه يستهلك 85 في المائة من إجمالي استهلاك المياه، هذه نسبة عالية جداً، خاصة في المناطق التي تعتمد على المياه الجوفية غير المتجددة، وإننا نتعامل مع مورد حيوي مهم يخدم الأجيال.
وبالنسبة إلى القطاع الصناعي، استهلاكه الحالي قليل، لكن مؤشراته تؤكد أنه في نمو متزايد، ويجب وضع الاحتياطات كاملة، نحن في حاجة إلى وقفة لمحاسبة النفس، ورغم الجهود التي تبذل نحن ما زلنا نستهلك أكثر مما يجب، الموازنة المائية سلبية بشكل كبير.

الاستمطار الصناعي هل هو مجدٍ لنا في المملكة؟
الطخيس: أعتقد أننا قد لا نحتاج إلى هذه التقنية إذا تعاملنا مع مواردنا المائية بعقلانية وسلوك ديني وإنساني.
الدخيل: بالنسبة إلى مسألة استمطار السحب، أعتقد أنه أجريت تجربة في الإمارات ولم تكن موفقة.
المعتاز: أصف مياه الاستمطار الصناعي بـ "مياه الوهم"، حيث يتم استمطار السحب بنشر نترات الفضة أو غيره على ارتفاعات عالية مما يجعل جسيمات الماء تترابط ومن ثم تتجمع السحب وهذا أسميه ماء وهمياً، لأنه قد لا يتكون على الرغم من الجهود المبذولة لذلك، وحتى لو حدث هذا فقد لا ينزل وإذا سقط فقد يكون متفرقاً أو بعيداً عن المكان المطلوب.
أكرر أن هذا الأمر من الأوهام ولم ينجح في أي منطقة في العالم، وفي منطقتنا لن ينجح البتة، لأن لدينا ضغوطاً جوية مرتفعة, كما أعتقد أنه لا يوجد في كل مناطق المملكة، بل إنه فشل في الدول ذات الضغوط المنخفضة مثل إسبانيا التي أجرت فيها هذه التجربة مراراً، كما أقول إن الرطوبة هي عامل لتكوين السحب وليست الأساس لتكوينها، تكاثف السحب يتم بآلية صعبة جداً يصعب محاكاتها وإسقاطها في المكان والتوقيت اللذين نريدهما.
المشاركون في الندوة:
د. عبد العزيز سليمان الطرباق أستاذ الهيدرولوجيا ومصادر المياه قسم الهندسة المدنية جامعة الملك سعود.
د. علي بن سعد الطخيس وكيل وزارة المياه والكهرباء لشؤون المياه. د. عبد الملك بن عبد الرحمن بن إسحاق آل الشيخ أمين عام جائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز رئيس مشروع الملك فهد لحصد وخزن مياه الأمطار.
د. عبد العزيز بن محمد البسام أستاذ مشارك في كلية العلوم جامعة الملك سعود
د. عبد الرحمن بن محمد الدخيل إدارة وتخطيط مصادر المياه الجوفية عضو هيئة التدريس قسم الجيولوجيا كلية العلوم جامعة الملك سعود
د.إبراهيم المعتاز أستاذ مشارك كلية الهندسة جامعة الملك سعود التوصيات
1 - البحث عن حلول حتمية لتحقيق الأمن المائي أولا ثم الغذائي ثانيا.
2- إيقاف مشروع الاستمطار الصناعي واستبدال تقنيات أكثر فائدة بها.
3 - التوسع في مشروع حصد وخزن مياه الأمطار وتطوير تقنياته للنتائج العظيمة التي حققها في وقت وجيز.
4- التوسع في بناء السدود في كل مناطق المملكة والعمل على تخزين مياه الأمطار في باطن الأرض.
5- تنويع وتطوير كل مصادر المياه لتخفيف استنزاف المياه الجوفية
.
6
- استنباط أصناف زراعية تستهلك مياها أقل وتعميم هذه الأصناف.

الأكثر قراءة