الصيرفة الإسلامية.. تحديات تعيق انطلاقتها نحو العالمية

الصيرفة الإسلامية.. تحديات تعيق انطلاقتها نحو العالمية
الصيرفة الإسلامية.. تحديات تعيق انطلاقتها نحو العالمية

احتل العمل المصرفي الإسلامي بعد الأزمة المالية العالمية مساحة واسعة من اهتمام المؤسسات المالية العالمية. وعلى الرغم من العمر القصير الذي لا يزيد عن أربعة عقود، وكذلك إلى البدايات المتواضعة من حيث الحجم والمنتجات للمصرفية الإسلامية، فإن الأرقام تشير إلى أن الصناعة المالية الإسلامية حققت نموا كبيرا، مقارنة بالمؤسسات المالية التقليدية العالمية التي تعود إلى قرون خلت، فمن المتوقع أن تصل أصولها إلى 1.6 تريليون دولار في عام 2012. وذهبت تلك التقارير إلى التأكيد على أن السوق المالية الإسلامية ظلت تنمو بما يزيد على 30 في المائة منذ عام 2000 ، لكن ثمة تحديات كبيرة تواجه المصرفية الإسلامية ويعتبرها البعض تحديات استراتيجية ويجب تجاوزها عبر ترسيخ وتأكيد مقاصدها الشرعية.

تشير الإحصائيات إلى أن عدد المصارف الإسلامية في العالم حتى مارس ‏2008م بلغ 396 مصرفاً موزعة على 53 دولة، ورصيد التمويل في هذه المصارف يقدر بـ 442 مليار دولار، بينما بلغ عدد المصارف التقليدية التي تقدم منتجات إسلامية 320 مصرفاً رصيد التمويل فيها 200 مليار دولار. وقد اكتسبت الصناعة المصرفية الإسلامية ثقة أعداد كثيرة من عملاء القطاع المصرفي، وأصبح الاهتمام بها كبيرا لدى الباحثين والمهتمين بالشؤون المالية، خصوصا بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة، وذلك من زاوية مدى تأثر المصرفية الإسلامية بالأزمة المالية ما دامت المصرفية الإسلامية تركز تعاملاتها على القطاع الحقيقي وليس النقدي وحده، كما أنها لا تتعامل في بيع الديون أو بيع الأصول المرهونة، مما يقلل بشكل أو بآخر من درجة المخاطرة التي تتعرض لها، وإن كانت هناك مخاطر محتملة فيها. وعلى الرغم من ذلك فإن المصرفية الإسلامية ما زالت في بداية الطريق وفي حاجة إلى مزيد من التنظيم وتطوير البرامج وإيجاد المعايير الشرعية والمحاسبية، كما أنها تحتاج إلى تطوير مؤشرات شرعية مستقلة.

ويبرز السؤال الأهم حول المنتجات المصرفية الإسلامية:

هل هي صيغ مكررة لمنتجات تقليدية، أم أنها تتميز بالأصالة؟

وهل المصرفية الإسلامية قادرة على مواجهة تحديات العصر الذي يعيش بيئة قانونية وتشريعية تختلف بشكل جذري عن مقاصد الشريعة الإسلامية؟

وكيف يمكن توعية العالم غير الإسلامي بأهمية المصرفية الإسلامية؟

وهل هنالك إمكانية قيام مجلس استشاري إسلامي يوحد آراء العلماء في القضايا التي تواجه العمل المصرفي الإسلامي؟

وما الإمكانية المستقبلية لخلق سوق مصرفية إسلامية تنافس السوق المصرفية العالمية التي تختلف عنها نهجا ومضمونا؟

على أنه يجب الإشارة إلى أن هنالك فهما ملتبسا يحتل مساحة واسعة من الوعي لدى الناس حول مفهوم وآليات عمل «الصيرفة الإسلامية»، وطبيعة الدور التنموي الذي يمكن أن يقوم به المنتج المصرفي الإسلامي في تطوير المجتمعات، ونتيجة لغياب الثقافة المصرفية الإسلامية أدى ذلك الغياب على الصعيدين الإسلامي والعالمي إلى موجة من الانتقادات الموجهة لهذا النوع من العمل، ومرد ذلك الفهم إلى الاعتقاد السائد بين المسلمين على وجه الخصوص أن كل ما يتعلق بالدين يجب النظر إليه من زاوية الأجر في الآخرة، وذلك لا يتفق وشرعة الحق، إذ يقول الله تعالى في محكم التنزيل «ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك» (القصص 77)، وبالنظر إلى واقع بعض المنتجات المالية الإسلامية فإن تلك المنتجات ربما في أحيان كثيرة أصبحت مجرد محاكاة للمنتجات التقليدية، إضافة إلى أن هذه المنتجات قد ابتعد بعضها عن المقاصد الشرعية والمآلات من العقود، وهو ما ترتب عليه افتقاد المصداقية بين العاملين، والمتعاملين، وقيام بعض البنوك الغربية بتقديم المنتجات الإسلامية بغرض استقطاب الموارد المالية للمتعاملين، إضافة إلى عدم اقتناع عديد من البنوك المركزية بأهمية وجود تشريعات خاصة بالمصارف الإسلامية.

ومن أهداف تقويم المنتجات الإسلامية؛ تحقيق تلك المنتجات المقاصد الشرعية والمآلات من العقود، وتصنيف المنتجات المالية الإسلامية، ومدى تلبية تلك المنتجات لاحتياجات العملاء، ومدى سلامة تطبيق تلك المنتجات في السوق المصرفية، ومدى تميز هذه المنتجات عن نظيرتها التقليدية.

لذلك وجب على الشرعية الإسلامية أن تقدم حلولا تتناسب وروح العصر، ومن هنا تكمن أهمية المنتج المصرفي الإسلامي، فأهم ما يميز الصيرفة الإسلامية هو سعة أفقها وقدرتها على التلاؤم مع متطلبات العصر في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية، إلا أنه قد لازم مسيرة التمويل الإسلامي مجموعة من التحديات وأصبح من الضروري بذل الجهود لمواجهتها سواء من قبل المؤسسات المالية أو من السلطات الرقابية داخل الدولة لتطوير المنتج المصرفي الإسلامي وجعله في إطار عالمي يتفق ومقاصد الشريعة.

فلا بد من إيجاد البيئة الملائمة لتكريس وتعزيز اعتماد نموذج المشاركة في المخاطر والعوائد، وإيجاد الأطر القانونية والضريبية الملائمة لتسهيل عمل المصارف الإسلامية، والإسراع في تطوير واستكمال المعايير الموحدة لتنظيم عمل المصارف الإسلامية وتوحيد المرجعية الشرعية لتجنب الانقسام والجدل الفقهي وإيجاد الكوادر البشرية المؤهلة ذات الخبرات المتعددة في هذا المجال، ووضع السياسات الكفيلة بتنويع أدوات التمويل وتطوير الهندسة والأسواق المالية الإسلامية والتنسيق والرقابة عبر الحدود مع الجهات المعنية لضمان استقرار النظم المالية.

ولا بد من التفكير بالانتقال من العولمة إلى العالمية لتطوير المنتج المصرفي الإسلامي فالدول الصناعية تسعى إلى الاحتكار وضرب التشاركية كما فعلت بعض البنوك التي أرادت أن تحكم العالم فانهارت، وإذا أرادت الصيرفة الإسلامية أن تدخل العالمية فيجب عليها أن تنشئ لها مؤسسات ثقافية تسهم في نشر ثقافة الصيرفة الإسلامية وتعزز من قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، فليس هنالك أدنى شك ـــ وخصوصا مع الأزمة المالية التي اجتاحت العالم أخيرا ـــ أن النظام المصرفي الإسلامي يعطي الحل لتطوير اقتصادي مُنتج، كما أن صناعة الصيرفة الإسلامية استطاعت مواجهة الأزمة المالية العالمية كونها صناعة مستقرة، كما أن المؤسسات المالية المصرفية الإسلامية لها ركائز مهمة في الصيرفة، فهي تشجع الأعمال بفوائد مشروعة، وتحقق التطور الاقتصادي، وعلى الرغم من المصاعب والتحديات التي تواجه هذا النوع من الصناعة إلا أن تطور الصيرفة الإسلامية دليل على قوتها حيث أثبتت جدارتها خلال الأزمة المالية العالمية فقد قدمت هذه الصيرفة حلولا كثيرة لإعادة الاستقرار إلى العالم، ومن المهم جدا أن تشارك المصارف الإسلامية في القطاع المالي دون أن تكون بديلا عنه، كما أن صناعة الصيرفة الإسلامية يجب أن تركز على تطوير أساساتها في إطار النظام الصيرفي العالمي.

على أن حجم التحديات التي تواجه عمل المصرفية الإسلامية كبير ـــ كما يشير خبراء المصرفية الإسلامية والاقتصاد، وان هناك كثيرا من العوائق والتحديات التي تواجه انتشار المنتجات المصرفية الإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من البلاد غير الإسلامية، مؤكدين أن تطوير الأنظمة والمنتجات سيمهد الطريق لانتشارها في أوروبا وأمريكا.

فخضوع المصارف الإسلامية لأنظمة وأحكام لا تناسب طبيعة العمل المصرفي الإسلامي، في ظل نقص الموارد البشرية المؤهلة، مع عدم تطور منتجاتها وابتكار الجديد منها، أعاق انطلاقتها وانتشارها بالشكل المطلوب في تلك البلاد.

وحتى يتسنى تجاوز هذا النوع من العقبات لا بد من تضافر الجهود لاكتمال البنية التحتية، من خلال إنشاء مجلس أعلى للفتوى يتكون من صفوة علماء الأمة تكون ملمة بأحكام الشرع وبالمعاملات المصرفية، مع ضرورة زيادة مساحة تمويل اقتناء الأصول والسلع الرأسمالية، ومن ثم تقليل المبالغ الموجهة لتمويل رأس المال العامل، إلى جانب تحديث الأنظمة والخدمات المالية مع توسيع قاعدة المساهمين، والفصل بين الإدارة والملكية، وإعادة هيكلة الشركات التابعة، مع أهمية التقيد بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة وقواعد السلوك المهني للمؤسسات المالية الإسلامية وتطبيق معاييرها.

ويضع الدكتور محمود عبد الحفيظ المغبوب الباحث المختص بالمصرفية الإسلامية مجموعة من الأسباب التي تشكل تحديا يواجه المنتج المصرفي الإسلامي: فالإشكال الأول يعود إلى تعدد آراء المراقبين الشرعيين في الحكم على بعض النشاطات المصرفية، فقد يحدث أن تصدر هيئة الرقابة الشرعية في أحد المصارف فتوى في حكم أحد الأنشطة المصرفية، وتصدر عن رقابة شرعية في مصرف آخر فتوى مختلفة تماماً عن الفتوى السابقة، في النشاط نفسه، وهذا يؤدي إلى إحداث بلبلة فكرية لدى المسؤولين عن إدارة هذه المصارف والعملاء. وقد نتج عن ذلك كله، تعطيل بعض الصيغ والأدوات المصرفية التي توفر لهذه المصارف مرونة في العمل، ودورا أكثر فاعلية في تقديم أقصى ما يمكن في مجال العمل المصرفي.

كما أن معظم هيئات الرقابة الشرعية تتألف من الفقهاء من ذوي الواقع الاقتصادي المعاصر ومستجداته، وخبرتهم في الأمور المصرفية والمالية ليس بمستوى اطلاعهم وخبرتهم في الأمور المصرفية الشرعية، مع أن اطلاع الرقابة الشرعية على مثل هذه الأمور أمر لا بد منه كي تتمكن من أداء دورها في إيجاد الحلول المناسبة، خاصة ما يتعلق منها بالصيغ والأشكال المناسبة لتحل محل أدوات الاستثمار الربوية، وربما كان هذا هو السبب الذي دفع بكثير من هذه الهيئات الرقابية إلى رفض كثير من صور وأشكال التعامل المصرفي التي لم يرد ما يماثلها في كتب الفقه الإسلامي.

ويشير كذلك إلى تحد آخر هو عدم وجود رقابة شرعية داخلية قوية في بعض المصارف أو عدم التزام بعضها بالإجراءات الشرعية عند تقديم الخدمات، وعدم توافر عقود منضبطة شرعياً وعدم وجود هيئات فتوى محلية على مستوى كل دولة بديلة عن الهيئات الشرعية المنفردة لكل مؤسسة، على أن تستمد هذه الهيئات قوتها الرسمية والقانونية من المصارف المركزية وأن تتبع إدارياً ومالياً لمركز الفتوى في كل دولة، كما أنه يجب توحيد المرجعية الشرعية لتجنب الانقسام.

ويضيف الدكتور محمود عبد الحفيظ المغبوب أن الإشكال الثاني الذي يواجه الصيرفة الإسلامية عدم وجود عاملين مؤهلين ومتخصصين في الجانب الشرعي والمصرفي معاً نظراً لعدم وجود عاملين مؤهلين ومدربين في مجال الصيرفة الإسلامية لدى المصارف الإسلامية، وجدت هذه المصارف نفسها مضطرة للاستعانة بالعاملين المدربين في المصارف التقليدية، من أجل تكوين جهازها الإداري التنفيذي.

والإشكال الثالث الذي يواجه العمل المصرفي الإسلامي عدم وجود سوق مصرفية أو مالية إسلامية منظمة بشكل كافٍ. أدى غياب السوق المالية الإسلامية الكفؤة إلى عدم وجود أدوات مالية كافية ومناسبة؛ حيث تعاني المصارف الإسلامية من عدم امتلاكها أدوات مالية تتمتع بما تتمتع به الأدوات المالية المتداولة في الأسواق المالية من قدرة على تحويل استحقاقات موارد الأموال القصيرة الأجل إلى استثمارات وتمويل أطول أجلاً، مع الاحتفاظ بإمكانية تسييل هذه الاستثمارات وقت الحاجة، مع تحقيق قدر معقول من الأرباح والضمان. كما أن المصارف الإسلامية في الوقت نفسه لا تمتلك أدوات تمكنها من استقطاب موارد أموال ذات آجال طويلة كشهادات الإيداع كي تتمكن من استثمارها في استثمارات طويلة الأجل. كما أن الصيغ الاستثمارية التمويلية ـــ كالمضاربة ـــ لا يمكن استخدامها إلا بنسب ضئيلة وفي مجالات محدودة في الوقت الحاضر نظراً لاحتمال التلاعب من بعض المضاربين .. كما حدث مع عدد من المصارف الإسلامية.

كذلك غياب تنوع المؤسسات المالية الإسلامية: ويرجع ذلك إلى عدم وجود سوق مالية كفؤة، فالأسواق تقتصر على المصارف التجارية وشركات الاستثمار وعددها محدود، مثل شركات التأمين (التكافل) الإسلامية والشركات المالية القابضة. وهذه المؤسسات لا تسمح باستصدار الأدوات المالية المناسبة لعمليات تمويل استثمارات المصارف الإسلامية، فضلاً عن تداولها.. فلا توجد مثلاً مصارف إسلامية متخصصة في المجالات المختلفة كالمصارف الزراعية والصناعية. كما أنه لا توجد بصفة عامة شركات مالية إقليمية موزعة وفقاً لأماكن وجود المصارف الإسلامية تتولى مهمة إصدار وإدارة لأوراق المالية، فضلاً عن قيامها بالاكتتاب على بعض ما تصدره المصارف من أوراق مالية من أسهم وشهادات استثمار وغيرها، والقيام بشراء مثل هذه الأوراق ممن يرغب في التخلي عنها من الأفراد أو المؤسسات التجارية والمالية المالكة لها.

وثمة إشكالية أخرى تتمثل في بُعد القوانين الوضعية والضريبية منها بصورة خاصة عن الأحكام والقواعد الشرعية، فهي مستقاة من تشريعات ونظم بعيدة عن واقع المجتمع الإسلامي، لذلك فإن المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية تعمل في مجال التمويل على أساس العقود والاتفاقات الخاصة دون أن تكون لها في الواقع مؤيدات قانونية، وقواعد مكملة ومزايا ضريبة مماثلة للمصارف التقليدية.

كذلك عـدم وضوح العلاقة بين المصارف الإسلامية والمصارف المركزية: التي تتميز بالغموض، والملاحظ على هذه الأنظمة والقوانين التي تحدد العلاقة بين المصارف الإسلامية والبنوك المركزية، أنها جميعها تنص على خضوع المصارف الإسلامية للقوانين المصرفية السائدة من نسب الاحتياطي والائتمان، والتقيد بالسقوف والتوجهات الائتمانية التي تحددها السياسة العليا في البلاد. كما أن المصارف المركزية لا تمتلك الأدوات المطلوبة لتعزيز عمليات إدارة السيولة. وشملت التحديات التزام البنوك الإسلامية من جانب السلطات المصرفية في بعض الدول بعمليات قد لا تتفق مع أسس عمل المصارف الإسلامية، وعلاوة على ذلك فإن المصارف المركزية لا تستطيع أن تقدم ضمانات على الودائع للمصارف الإسلامية لأن الودائع ليست التزاماً إذ إن المودعين يجب أن يشاركوا في المخاطر والعوائد لهذه المصارف.

وفي الجانب المتعلق بضرورة الاهتمام بالمعايير التي يجب معالجتها حتى تتماشى مع تحفيز انتشار المصرفية الإسلامية وصناعتها في أوروبا وأمريكا، يشير الخبير المصرفي الدكتور حسني الخولي إلى أنه ما زال لدى بعض القائمين على إدارة المصارف المتوافقة مع الشريعة تصورات خاطئة، مفادها أن الفرق بين المصارف التقليدية والمصارف الإسلامية يتمثل في بعض النواحي الشكلية، مصححا هذا الاعتقاد بأن الفرق بينهما كبير، يجسده الفرق بين حرمة المعاملة من حلالها مما يعوق وتيرة وسرعة انتشار المصرفية الإسلامية في البلاد الغربية، مستدركا أن تلك التطبيقات الخاطئة في طريقها إلى الزوال.

ودعا الخولي إلى ضرورة العمل على تطوير الخدمات والمنتجات التي تقدمها المصارف الإسلامية لتناسب المتطلبات، والاحتياجات المستقبلية، إضافة إلى زيادة مساحة تمويل اقتناء الأصول والسلع الرأسمالية، ومن ثم تقليل المبالغ الموجهة لتمويل رأس المال العامل، إلى جانب تحديث الأنظمة وتقديم الخدمات المالية المتطورة لمواجهة المنافسة، وتوسيع قاعدة المساهمين، والفصل بين الإدارة والملكية، وإعادة هيكلة الشركات التابعة، مع أهمية التقيد بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية وقواعد السلوك المهني للمؤسسات المالية الإسلامية، وتطبيق معايير مجلس الخدمات المالية الإسلامية. ويعتقد الخولي أن الخطر الأكبر الذي يواجه صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل في الدول الغربية يتمثل في التمسك بالشكل دون الموضوع، إلا أنه قال إنه يمكن الحد من ذلك من خلال إلزام تلك المصارف بالرقابة الشرعية على أعمالها، والتوسع في ذلك بحيث يكون لكل مصرف مراقب شرعي خارجي يتوافر له الاستقلالية مثل مراقبي حسابات المصرف حتى لا تبتعد المنتجات الإسلامية عن مقاصد الشرع.

من ناحية أخرى، يرى الخبير المصرفي محمد الشلفان، أن توحيد المعايير التشريعية للصناعة هو التحدي الأصعب أمام المصرفية الإسلامية كي تواصل انتشارها في الدول الغربية، مبينا وجود مدرستين مختلفتين تماما في المصرفية الإسلامية، إحداهما توجد في دول الخليج وتوجد الأخرى في ماليزيا. وفي رأي الشلفان فإن الأسس التي تقوم عليها المنتجات في هاتين المنطقتين مختلفة عن بعضها، بل يعتقد أنه حتى في داخل المدرسة الواحدة، فإنه لا وجود لمعايير محددة وثابتة ومعتمدة في معظم الدول التي يتوقع منها أن تصدر الصناعة.

ويعتقد الشلفان أن الأمر قد يكون مقبولا عندما يكون القضاء شرعيا، حيث يبت القضاء الشرعي في مواطن الخلاف بناء على المفاهيم الشرعية المعروفة، وهو ما يتفق في معظم الأحيان مع تصور من صاغ هذه المنتجات والعقود ومع اللجان الشرعية التي أجازتها ابتداء، إلا أن هذا الأمر ـــ والحديث للشلفان ـــ سيكون مستحيلا عند الإحالة إلى الأنظمة التي لا تميز الشرعي عن غيره.

وأشار الشلفان إلى أن وجود قاعدة تشريعية أمر مهم لتطوير مسيرة المصرفية الإسلامية داخل إطار الدول الإسلامية، ولكنه أمر ضروري ولا مناص منه، إذا ما أرادت الصناعة الانتشار خارج هذا الإطار، حيث لا بد من وجود أطر تشريعية يمكن اللجوء إليها في حال وجود خلاف ما مع مراعاة ما يجب مراعاته ـــ شرعيا ـــ في أحوال الاحتكام عند وجود خلاف ما.

وزاد الشلفان، أنه من التحديات التي تواجه انتشار المصرفية الإسلامية في الدول الغربية، نقص الخبرات والكفاءات في هذا المجال، بدءا بأعضاء اللجان الشرعية ومرورا بالمختصين بتطوير وهيكلة منتجات التمويل والاستثمار الإسلامية، في ظل ندرة عدد أعضاء اللجان الشرعية مقارنة بالنوافذ الإسلامية الموجودة.

وأوضح الشلفان أن عدد الكفاءات يتضاءل بشكل أكبر عند حصر الأعضاء المتحدثين باللغة الإنجليزية، ناهيك عن النقص الكبير في عدد مطوري المنتجات الإسلامية المحترفين وكذلك المراقبين الشرعيين المصرفيين.

ويرى الشلفان، أن علاج هذا النقص عبر إيجاد معاهد وكليات متخصصة في المجال يعتبر تحديا كبيرا، مؤكدا أنه بالرغم من أن الصناعة ليست موجهة للمسلمين فقط فإن الشريحة الأكثر اهتماما بها هي الشريحة المسلمة، وبالتالي فإن تحديد الدول التي تستطيع المصرفية الإسلامية النهوض منها في الدول الغربية هو تحد في حد ذاته، وذلك عبر دراسات دقيقة لنسب المسلمين واحتياجاتهم في الدول التي من الممكن البدء بها.

وفي حديث ذي صلة، أوجز الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن باعشن، أهم تحديات صناعة المصرفية الإسلامية التي تواجه انتشارها في الغرب تحديدا، حيث غياب الوعي الفكري المغذى بالفهم الإسلامي الصحيح، مع أهمية الإشارة إلى أن الصناعة المصرفية ليست إلا أداة يمكن تطبيقها من خلال الوعي والذوق العام وليست مجرد تجربة تعمم على الكل في ظل غياب الجانب الأهم وهو الفهم الصحيح لقواعد اللعبة.

كذلك من التحديات في رأي باعشن، تعميم المنهج الإسلامي الاقتصادي كنموذج وعقيدة تدرس من خلال النظم المصرفية الأخرى، مع أهمية ابتعاث الفرق المصرفية الغربية للنيل من العلوم الإسلامية أسوة بالعلوم الأخرى التي يدرسونها في معاهدهم وجامعاتهم، مع ضرورة الالتزام بالشروط والواجبات التي يحددها الشرع كنظام غير قابل للتعديل.

وتصور باعشن أنه يمكن الاهتمام ببعض المعايير التي يجب معالجتها في الغرب لتواكب وتلائم المصرفية الإسلامية ومن ثم المساهمة في زيادة مساحة انتشار المصرفية الإسلامية في الغرب، من خلال معالجة السياسات النقدية المصرفية وسياسات التمويل بجميع أنواعه، وكذلك القضاء على سعر الفائدة ليتدنى إلى أقل درجة ممكنة.

وأوضح أنه يمكن تنفيذ ذلك من خلال أجندة دورية بالتنسيق مع الخبراء في مجال الاقتصاد الإسلامي إلى جانب علماء المجمع الفقهي الإسلامي وغيره من المؤسسات الدعوية الأخرى التي من شأنها أن تدفع الغرب إلى الاعتراف بأن المصرفية الإسلامية أساس مصرفي خال من عيوب النظام المصرفي التقليدي.

أما فيما يتعلق بأكثر المخاطر التي تواجهها صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي في الدول الغربية، فيرى باعشن أنها تكمن في اعتبار النظام المصرفي مخرجا فقط للأزمة وليس أجندة بفهم عميق وإيمان راسخ، مع ملاحظة تطبيق النظام المصرفي الإسلامي، وكذا التمويل الإسلامي فقط لدى فئة قلة تؤمن بالفهم الإسلامي ومفاهيمه باعتباره عقيدة وليس وسيلة.

ومن المخاطر في رأي باعشن تجرد الغرب من الفهم الأولي لمبادئ الاقتصاد الإسلامي وصعوبة تقبله الفكر والنظام المالي والاقتصادي الإسلامي، في ظل تدني الرؤية لدى كثير من الغربيين عن مستوى الفكر الإسلامي ومقارنته على الدوام بالفهم التقليدي، وكذلك وجود مخاطر أخرى مثل الإرهاب والجهل والمرض. وللخروج من هذه المخاطر، يعتقد باعشن أنه لا بد من العمل على تنقية وتصفية الأجواء إلى مدى يمكن فيه للغرب الفهم الصحيح للمسلم ومدى تمكنه من إيجاد حلول ناجعة لقضاياهم.

الأكثر قراءة