أسعار النفط مرشحة للصعود بسبب التهديدات الإيرانية ودلتا النيجر
يتوقع أن يشهد افتتاح أسواق النفط اليوم عودة قوية لتأثير العامل السياسي والأمني في الأسعار بسبب تطورين رئيسيين هما: الكلمة التي وجهها مرشد الثورة الإيرانية علي خامئني محذرا فيها الولايات المتحدة من أن أي تحرك خطأ من جانبها سيؤدي إلى مضاعفات لها نتائجها الخطيرة بالنسبة إلى سوق النفط، وكذلك عودة ظاهرة اختطاف العمال الأجانب العاملين في صناعة النفط النيجيرية.
وشهد الأسبوع الماضي تطورا أراح السوق قليلا بعد اجتماع المسؤولين من الولايات المتحدة، الصين، روسيا، ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا الذي قرروا فيه تقديم حزمة حوافز إلى إيران إذا تخلت عن برنامجها النووي. ومع أن تفاصيل العرض التي يفترض أن يحملها مسؤول السياسة الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا إلى طهران، لم يكشف النقاب عنها، إلا أنها فيما يعتقد تتضمن حوافز تتعلق بالمفاعل النووي وضمانات أمنية، لكن شريطة وقف إيران برنامجها النووي. الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد استبق زيارة سولانا بالحديث عن أنه سيستمع إلى ما يحمله المسؤول الأوروبي، لكن قرار طهران المضي قدما في اتجاه تطوير قدراتها النووية ليس خاضعا للتفاوض.
ولعب القرار الأمريكي الذي عملت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس على تمريره من خلال الإدارة الأمريكية بفتح حوار مع طهران وأيضا بشرط وقف برنامجها النووي دورا في تلطيف الأجواء، إذ اعتبر أقوى إشارة من قبل واشنطن بأنها تحبذ الحل الديبلوماسي. فهذه هي المرة الأولى التي تعرض فيها واشنطن حوارا مباشرا مع طهران على مدى 26 عاما ومنذ سيطرة الطلاب الإيرانيين على السفارة الأمريكية في طهران وأخذ الديبلوماسيين رهائن.
وأسهمت هذه التطورات في تخفيف الضغط على أسعار النفط أواخر الأسبوع الماضي، خصوصا والوزراء الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" قرروا تمديد العمل بنظام السقف الحالي للإنتاج الذي يبلغ 28 مليون برميل يوميا، ولو أن كل الدول تتجاوز حصصها والمنظمة ككل تنتج بأقصى ما لديها.
وأضيف إلى هذا حالة النمو التي شهدتها المخزونات الأمريكية التي نشرت المعلومات الخاصة بها الخميس الماضي متأخرة يوما واحدا بسبب عطلة نهاية الأسبوع الطويلة أواخر الشهر الماضي. وحققت مخزونات النفط الخام ارتفاعا بمقدار 1.6 مليون برميل إلى 345.5 مليون في الأسبوع المنتهي الـ 26 من أيار (مايو). كما زاد المخزون من البنزين 800 ألف برميل إلى 209.3 مليون برميل قبل موسم قيادة السيارات الذي يبدأ هذا الأسبوع. أما المخزونات الوسيطة والمقطرات فحققت زيادة بلغت 1.8 مليون برميل إلى 118.9 مليون. على أن التطور الأهم يتمثل في أن المصافي الأمريكية عادت إلى العمل بطاقة 91.4 في المائة، وهو أعلى معدل لها منذ 23 من آب (أغسطس) الماضي وقبل ثلاثة أيام فقط من الضربة التي وجهها إعصار كاتريتا إلى المرافق النفطية في منطقة خليج المكسيك، حيث لا يزال أكثر من 300 ألف برميل خارج نطاق الشبكة الإنتاجية.
لكن هذه التطورات التي أدت إلى تراجع في سعر البرميل من خام ويست تكساس الحلو نحو الدولار في أواخر الأسبوع الماضي، عادت ومن خلال التطورات التي شهدتها الساحة السياسية في عطلة نهاية الأسبوع لتقلب الأوضاع وتهيئها إلى تصاعد سعري. فهناك حادث قيام الحركات المسلحة في نيحيريا باختطاف ثمانية من العاملين الأجانب العالمين في ميدان الحفر: ستة منهم بريطانيين إلى جانب أمريكي وكندي. وتؤكد الخطوة حالة عدم الاستقرار والضعف الذي يلم بالوضع الأمني عموما، خاصة ونيجيريا مقبلة على فترة انتخابية يرشح للعامل الأمني أن يأخذ فيها حيزا أكبر ببعده السياسي، إذ إن عمليات الاختطاف هذه رفع للصوت بالمطالب التي تنادي بها منطقة دلتا النيجر وتسعى إلى الحصول على اعتراف سياسي بشأنها.
وهذا ما يعني من ناحية أن نصف المليون برميل يوميا من الإنتاج النيجيري المتعطلة لوجودها خارج الشبكة مرشحة للاستمرار إلى فترة أطول.
ثم يجيء تصريح علي خامئني عطفا على الحديث الذي أدلى به رئيس الجمهورية أحمدي نجاد، ليرفع من احتمالات حدوث قطع للإمدادات النفطية سواء من إيران أو تعطيل الملاحة من مضيق هرمز أو من العراق، حيث لطهران نفوذ قوي هناك. والمسؤولون الإيرانيون كانوا يشيرون طوال الفترة السابقة إلى أنهم لا يفكرون في اللجوء إلى سلاح النفط في مواجهتهم مع الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، لكن مجيء التصريح من مرشد الثورة نفسه، وهو المرجع النهائي فيما يتعلق بالقرارات الخاصة بالدولة جعل من خيار استخدام سلاح النفط أقرب إلى التحقيق من أي وقت مضى.
وهكذا يبدو أن حالة التوجه السعري إلى أسفل التي شهدها أواخر الأسبوع الماضي وكانت مرشحة للاستمرار هذا الأسبوع بسبب توافر المعروض وتحسن وضع الإمدادات من البنزين والمنتجات المكررة، ستأخذ لها وجهة أخرى بسبب التوتر المتزايد على الجبهة السياسية والأمنية في دول منتجة على رأسها إيران ونيجيريا، الأمر الذي يدفع بالعامل الجيوسياسي إلى مقدمة المسرح ويعيد تركيز الأضواء على حجم الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى "أوبك"، التي تقدر بنحو مليوني برميل يوميا، خاصة وأن جزءا كبيرا منها من نوع النفوط الثقيلة التي قد لا تكون ملائمة للكثير من المصافي في الدول المستهلكة.