الشفافية وكفاية رأس المال أهم عوامل خفض المخاطر التشغيلية
تحتاج البنوك الإسلامية إلى وضع استراتيجية تضمن الحد من المخاطر التشغيلية. ومن أهم العوامل التي يجب مراعاتها في هذا الصدد: كفاية رأس المال، ووضع استراتيجية معلومات تمتاز بالشفافية، والإدارة الفاعلة التي تتفهم الطبيعة الخاصة لصناعة التمويل الإسلامي.
إن طبيعة البنوك الإسلامية وصيغ التمويل التي تتبعها تتضمن مخاطر ذات طبيعة خاصة تستلزم الإلمام بها للمساعدة في إدارة المخاطر. وتقوم صيغ التمويل المطابق للشريعة بتحويل المخاطر المباشرة للبنوك الإسلامية إلى المودعين في الاستثمارات التي تضطلع بها. كما أنها تزيد من درجة الخطر الشاملة بالنسبة لجانب الأصول في البنوك. ومن خلال التطبيق وجد أن تلك الصيغ جعلت البنوك الإسلامية عرضة للمخاطر التشغيلية وذلك من خلال أوجه متعددة: أولها طبيعة الأنشطة التي تقوم بها البنوك الإسلامية، وثانيها عدم وجود معايير محددة للمنتجات المطابقة للشريعة، وكذلك غياب النظام التشريعي الفاعل والصارم في الوقت نفسه لضمان التزام العقود المالية بأحكام الشريعة.
ويلاحظ أن إدارة صيغ التمويل الإسلامي تعد أكثر تعقيداً من نظيرتها التقليدية حيث إن أغلبية تلك الأنشطة لا توجد في منظومة العمل المصرفي التقليدي، وعلى رأسها مبدأ المشاركة في المكسب والخسارة في المشاريع الاستثمارية في مختلف القطاعات الاقتصادية.
كما أن بعض البنوك الإسلامية لا توجد لديها آلية قانونية للسيطرة على مديري الأعمال التي يتم تمويلها من خلال عقود المضاربة، حيث إن هؤلاء الأفراد يكون لهم مطلق الحرية في إدارة المشروع وفقاً لتقديراتهم الخاصة، في حين تكون البنوك مختصة بتقدير ومشاركة المكاسب والخسائر وفقاً للنسبة المحددة بالعقد. أما في عقود المشاركة والاستثمارات المباشرة فإن البنوك يكون لديها فرص أفضل للرقابة على الأعمال لأنها تكون شريكا يمكنه التأثير في سير المشروع وكذلك استخدام حق الفيتو على أية توجهات يراها البنك في غير مصلحته.
كما أن صيغ التمويل الإسلامي تشتمل على مخاطر خاصة بكل صيغة منها ـــ بحسب تأكيد الدكتور سيد نظام الدين الباحث بقسم الاقتصاد بجامعة يزد في إيران. وعلى سبيل المثال فإن عقود السلم تعرض البنوك التي تتعامل بها لمخاطر تتعلق بأسعار السلع والنقد وذلك لأن البنك يوافق على شراء السلعة في تاريخ آجل دون الدفع العاجل وكذلك يحتفظ بالسلعة لحين تحويلها إلى نقد. وتوجد المخاطر نفسها في عقود الإجارة نظراً لأن هذا العقد لا يمكن البنك الإسلامي من القدرة على تحويل المخاطر الكبيرة إلى المستأجر حيث إن الأصول المؤجرة يجب أن تدرج في الميزانية العمومية للبنوك بنهاية مدة الإجارة.
وثمة مخاطر تنبع من الطبيعة الخاصة لودائع الاستثمار وذلك لأن قيمة رأس المال ونسبة العائد لا تكون مضمونة. ويزيد هذا الخطر إذا كانت العقود مبنية على معلومات غير دقيقة، مما يجعل البنك يدير ودائع لأشخاص بحسب تقديراتهم الخاصة. وهذا يخلق مخاطر تتمثل في عمل البنوك الإسلامية دون تقديرات صحيحة لرأس المال.
خفض المخاطر التشغيلية في البنوك الإسلامية
يجب على البنوك الإسلامية وضع استراتيجية تعتمد على إطار عمل تنظيمي وشفاف فضلاً عن عملية تطوير مؤسسي سليمة. وثمة عناصر يجب مراعاتها في سبيل تحقيق خفض المخاطر في صناعة التمويل الإسلامي:
كفاية رأس المال: تقاس كفاية رأس المال طبقاً لحجم أصول المخاطر. وتكون الأصول التابعة للبنوك الإسلامية خاضعة لصيغ التمويل المطابقة للشريعة. وهذه الأصول تتضمن مخاطر أكثر من نظيرتها التقليدية. ومن ثم فإن معدل الأصول الخطرة إلى مجموع الأصول يجب أن يكون أعلى في إطار عمل البنوك الإسلامية عنها في البنوك التقليدية. ويجب بالتالي أن يتم التأكيد على كفاية رأس المال بشكل كبير في البنوك الإسلامية. وتشير التقديرات إلى أن أصول عقود المشاركة والمضاربة تمثل 25 في المئة من مجموع تشغيل البنوك الإسلامية؛ إلا أن نسبة من تلك الأصول تتكون من صيغ غيرمطابقة للشريعة. ولهذا يوصي الخبراء بألا يقتصر تقييم كفاية رأس المال في البنوك الإسلامية على تقييم محفظة كل بنك، بل أن تشمل تقييم الأصول سواء أكانت لصيغ مطابقة للشريعة أم لا.
الأصول: في نظام المصرفية الإسلامية لا يمكن تصنيف الأصول الممثلة في عقود المضاربة إلا بعد انتهاء العقد. وحتى ذلك الوقت لا يتحمل الوكيل أي أعباء ناتجة عن سوء الإدارة أو التقصير. ويعني وجود قصور ما أن المشروع الاستثماري قد فشل في تحقيق الهدف المرجو منه وهو ما يعني أنخفاضا في نسبة الربح أو تحقيق هامش خسارة. ومن ثم يجب وضع نظام تحكم تطبيقي لمراقبة الأصول المطابقة للشريعة التي يتوقع لها أن تحقق أرباحاً أقل وذلك قبل انتهاء مدة تلك العقود.
الإدارة: يتم تقييم الإدارة تبعاً للقدرات الفنية، والقيادة، والقدرة الإدارية، والقدرة على التخطيط، والاستجابة للمتغيرات، والرغبة في تلبية الحاجات الشرعية للمجتمع. وكل هذه العوامل يجب أن توضع في الاعتبار في مؤسسات التمويل الإسلامي. يضاف إليها عوامل أخرى تلعب دوراً بارزاً في الإدارة الفاعلة للمخاطر التشغيلية، ومنها: إدراك طبيعة تعقيد عمل البنوك الإسلامية، ورقابة المشروعات الاستثمارية، وحالات عدم التيقن القانونية المرتبطة بمدى الاتفاق مع الشريعة، والتحكم في المخاطر.
الأرباح: ترتبط الأرباح بقدرة البنوك على تغطية الخسائر، وتوفير كفاية رأس المال، وتوجيه الأرباح. وتعتبر الأرباح ذات جودة عالية إذا ما كانت كفؤة لتغطية الخسائر، وزيادة رأس المال بما يؤدي لنمو البنك. ويتحقق هذا بوضوح في البنوك الإسلامية حيث تؤدي الخسائر إلى انخفاض في قيمة الودائع ثم التأثير في وضع البنك المالي في حالة استخدامه موارده الخاصة لتمويل خسائر مشروع ما، كما في صيغة المشاركة على سبيل المثال. وهذه المخاطر تؤدي إلى أزمات سيولة وربما إلى مشكلات تتعلق بالقدرة على الوفاء بسداد الديون.
السيولة: يمكن قياس السيولة بمدى ثبات الودائع، وقابلية الأصول للتحول إلى أموال سائلة والدخول إلى سوق المال سواء داخل البنك أو من مصادر أخرى لتوفير النقد. إلا أن فرص البنوك الإسلامية تبقى أقل في توفير مصادر نقد نظراً للمحاذير التي تضعها الشريعة الإسلامية.
الحساسية لمخاطر السوق: يتم تقييمها بدرجة تبني التغيرات في أسعار السوق كما في أسعار الفائدة، وأسعار السلع، وأسعار تبادل العملات. ونظراً لتحريم سعر الفائدة في التمويل المطابق للشريعة فإن البنوك الإسلامية لا تتعرض لهذا النوع من المخاطر.
ويوصي الخبراء باستحداث أدوات تحوط تتفق وأحكام الشريعة نظراً لأن فرص البنوك الإسلامية تعتبر أقل أيضاً في هذا المجال.
الحاجة إلى استراتيجية معلومات واضحة: تعتبر من الضرورات بالنسبة للمؤسسات المالية الإسلامية التي تحتاج إلى وضع عديد من المعلومات أمام العملاء الذين تسعى لاجتذابهم، وذلك حتى يتمكن العميل من الحكم على أداء البنك. ومن مميزات هذا النظام أنه يساعد المودع على أن يختار البنك الذي يتعامل معه بناءً على أدائه. كما أنه يتيح للمودع تغيير محفظته نظراً للتنوع الذي يوفره البنك. ويمكن للمودع أن يعرف الأخطار المتعلقة بالمشروعات التي يرغب في الاستثمار فيها. وفي الوقت نفسه يعطي هذا النظام فرصة للعميل أن يتوقع نسبة العائد، وهو الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للجمهور.