مبادئ العيش التي يمكننا جميعا الاستغناء عنها

مبادئ العيش التي يمكننا جميعا الاستغناء عنها

راي داليو شخص واهم وفظ وجاهل عاطفيا وبسيط ومعتد بنفسه جدا وغريب وخاطئ تماما.
إنها كلمات قاسية، ولكني أعلم أن مؤسس أحد صناديق التحوّط الأكثر نجاحا في العالم سيرحب بها. فقد كتب رئيس ''بريدجواتر'' Bridgewater قائمة لأهم 300 قاعدة حياتية، ورقم 31 هي كتابة نقاط ضعف الآخرين. أما رقم 11 فهي أن لا تقول أبدا أي شيء عن أي شخص لن تقوله له مباشرة، في حين أن رقم 22 هي ''التغلب'' على القلق بشأن فيما إذا كانت التعليقات إيجابية أم سلبية. فالمهم بالنسبة له هو فيما إذا كانت هذه التعليقات صحيحة أم لا.
وتمت كتابة هذه القواعد في أكثر وثيقة إدارة مثيرة للفضول رأيتها على الإطلاق، بعنوان بسيط هو ''مبادئ''، ويتم توزيعها على الموظفين في ''بريدجواتر'' لمساعدتهم على النجاح مثل رئيسهم. ويتم أيضا تناقلها من موقع إلى آخر على الإنترنت.
ولكنها ليست مجرد دليل للموظفين. ففي أول ثلاثة فصول منها، يشرح داليو فلسفته العامة عن الحياة، التي يقول عنها إنها أشبه بالتزلج. فطالما أنك تفعل ما يقوله المدرب، تسير الأمور على ما يرام. وليس هناك مجال لممارسة ''الأنا'' في هذا التمرين، فهو يؤكد ''مع الاستخدام المتزايد لهذه القواعد، ستتطور من كونها ''مبادئ داليو'' لتصبح ''مبادئنا'' وسيتلاشى داليو من الصورة''.
ولكن في الوقت الحاضر، لا يزال داليو موجوداً بقوة في الصورة، منكبا على كتابة وثيقة طموحة تذكرني بأخلاقيات أرسطو. فكلا الكاتبين واثقان جدا من أنفسهما ويؤمنان بالمبادئ التي لا تكون مجرد أمر مسلّم به، بل يتم اكتشافها عن طريق الممارسة. والاختلاف الرئيس هو أن الفيلسوف اليوناني لم يستخدم كلمات مثل ''الرفع المالي'' و ''الغوص في التفاصيل'' مثل مدير صندوق التحوّط. كما تجنب المعادلات الغامضة مثل الألم + التفكير= التقدم.
وتبين أن فلسفة داليو نسخة أصولية متعصبة من الحلم الأمريكي. فهو يقول ''يحصل الناس على ما يستحقون في الحياة''- وهي وجهة نظر تبعث على الراحة حين تحقق ثروة تقارب أربعة مليارات دولار. وهو يعتقد أيضا ''أن مقدار ما يكسبه الناس من المال هو مقياس تقريبي لمقدار إعطائهم للمجتمع ما يريده''- وهي أيضا فكرة تبعث على الاطمئنان بالنسبة لـ داليو ، مع أني ربما لا أتفق مع هذا الرأي لو كنت معلمة.
وبعد تصنيف المجتمع بهذه الصورة، يتفكر داليو بطبيعة الخير والشر، قائلا إن أي شيء يتناغم مع الواقع يعتبر خيراً. وبالتالي من الخير أن تؤكل الحيوانات البرية من قبل الضباع، كما يشرح، لأن هذا يعزز التطور.
والمشكلة في هذا التحليل المنطقي هو أنه يجعل المرء يتساءل فيما إذا كان داليو قابل في حياته حيواناً برياً، وأيضاً فيما إذا كان قابل إنساناً. فمعظم البشر المتطورين الذين أعرفهم يكرهون انتقادهم بقسوة علناً تماماً مثلما تكره الحيوانات البرية أن يتم تقطيعها إربا.
وبالمثل، يحب البشر المتطورون الأشياء غير المشروعة في عالم داليو. فاغتياب الآخرين- التي يقول عنها إنها ثاني أسوأ شيء بعد السرقة من صاحب العمل- أمر أساسي في أي شركة، سواء بهدف الترفيه عن النفس أو لتحقيق أغراض دبلوماسية. وإذا كان داليو يعتقد أن مرؤوسيه لم يتكلموا بالسوء عنه وراء ظهره أبدا، فهو واهم جدا.
لو استطعنا إزالة الهراء الفلسفي من هذه ''المبادئ''، ربما تكون بعض هذه القواعد ممتعة للقراءة. فليس هناك شيء كريه في ''الموهبة'' أو قوة ''نحن''. بدلا من ذلك، تقوم في عالم داليو بتعيين أشخاص أذكياء جداً وإدارتهم بنشاط- ما يفسر جزئياً سبب نجاح شركته.
ومع ذلك، حين بدأت أشعر بالحماس قليلا، قرأت قاعدة تقول إن على المديرين أن يعتبروا مرؤوسيهم مثل بطاقات البيسبول. وهذه القاعدة تفسر أكثر من أي قاعدة أخرى سبب كون ''المبادئ'' عديمة القيمة. فقد يكون داليو مستثمراً ذكياً، ولكنه لا يزال صبياً صغيراً في الناحية العاطفية. وبالنسبة للبالغين، لا تعتبر الإدارة أمراً شبيهاً بجمع بطاقات البيسبول. فلا يمكن استبدال الناس في الملعب ومنحهم علامات حسب معدلات الضرب والأخطاء. وبدلا من ذلك، يعتبرون خليطاً معقداً من العقلانية واللاعقلانية والعاطفة والطموح والكسل والخير وسوء النية.
وكما لو كان خوفاً من أن يعد عالم داليو يفتقر إلى الدفء الإنساني، فإن المبدأ 114 يقول إن على المديرين ''أن يهتموا بصدق بالأشخاص الذين يعملون معهم. حاول حضور حفلات زفافهم وأعياد ميلادهم وجنائزهم.'' وهذا أكثر المبادئ المثيرة للاستياء على الإطلاق. وأنا أعلن هذا الآن: أي شخص يقول لي إنني قمامة في وجهي ويعدني مثل بطاقة بيسبول غير مدعو لحضور جنازتي.

الأكثر قراءة