كيف نضمن استمرارية الصرف على مشاريعنا الكبرى؟

في كل أسبوع تقريبا يتم الإعلان عن مبادرات ومشاريع كبرى تعد اقتصاديات أساسية للتنمية. ونسمع عن مبالغ لتنفيذ مشاريع بعشرات المليارات من الريالات. والحمد لله لدينا وفرة وميزانيات كبيرة, لكن هذه المشاريع تحتاج إلى مليارات تصرف سنويا لعمليات الصيانة والترميم والإدارة وتسديد فواتير الخدمات. وهذه المبالغ تقدر عادة سنويا بنسبة من 5 إلى 15 في المائة من قيمة المشروع . المشروع الذي قيمته عشرة مليارات سيحتاج عادة إلى ميزانية بمعدل مليار سنويا. ومع تمنياتنا بأن تستمر الأمور والرخاء, إلا أننا نعلم أنه ربما تأتينا أزمة اقتصادية أو عجز في الميزانية بسبب تدني أسعار النفط, لذلك فإننا يجب أن نفكر حاليا في آليات وطرق لتمويل ميزانيات للصيانة المستقبلية.
في معظم دول العالم يكون هناك اقتصاد متكامل بحيث إن أي مشروع ينفذ فائدة للوطن, يوفر فرص عمل لمواطنيه وعقودا تجارية للمصانع الوطنية والمقاولين وتدور الأموال في الوطن. بينما نحن يفرح بمشاريعنا العمالة التي نستقدمها, فنحن نوفر لهم فرص عمل وليس فقط ذلك, بل إن أموالنا تحول إلى خارج الوطن لترفع ميزانية تلك الدول.
كما أن الاقتصاد المتكامل في تلك الدول هو الذي يضمن استمرارية تلك المشاريع الكبرى. فتجد أن المشروع سواء كان جامعة كبرى أو مدينة اقتصادية يستطيع أن يجذب مدخرات بطريقة معينة حتى يصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي لتمويل نفسه, فمثلا الجامعات تستطيع أن تستفيد من بعض آليات الاقتصاد للحصول على إعفاء من الضرائب أو تحصل الجامعة على تبرعات من القطاع الخاص, أو أن القطاع الخاص مطلوب منه عمل بعض الأبحاث أو التجارب على منتجاته لاعتمادها، فيقوم بالاستفادة من الجامعة أو الأكاديميين فيها لإجراء تلك البحوث مقابل دعم مالي لهم, أو أن تقوم الجامعة بأخذ رسوم على التعليم المتأخر أو المتواصل أو دورات علمية أو طباعة كتب وغيرها من الوسائل التي تستطيع من خلالها جمع ميزانيات تساعدها على إدارة نفسها بنفسها, بينما لا تزال وزارة المالية لدينا حجر عثرة.
عهد الإصلاحات الذي نعيشه منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الحكم ودعوته إلى الاستثمار الأجنبي والتعديلات الهيكلية على أنظمة الاستثمار والضرائب والقضاء وما يتبعه من تنظيم السوق المالية وغيرها من الإصلاحات في القضاء والتعليم، جميعها تفرض علينا إعادة النظر في مدى قابلية نظامنا الاقتصادي ومدى وعينا كمواطنين بتفعيل هذه القرارات، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي تحتم علينا أن نغير الطريقة التي نلعب بها أوراقنا, فالحقبة أو العصر القادم هو عصر الحروب الاقتصادية وكلنا سيحاول أن يعيش أو يعول مواطنيه.
وإعادة النظر في النظام الاقتصادي الحالي ومحاولة البحث عن حلقات الاتصال المفقودة أو آليات التنسيق بين جميع القرارات والسياسات ومخرجاتها، جزء من مسؤولية المجلس الاقتصادي الأعلى والهيئة العليا للاستثمار ووزارة التخطيط بعد تعاون وزارة المالية. متى تفكر هيئة سوق المال في ضرورة إيجاد المؤشرات المالية وربطها بالمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية لتصبح للسوق منطقيتها بدلا من أن يقعوا ضحية مجموعة من المضاربين الذين يقررون ويوجهون السوق؟ وما مصداقية مكاتب المحاسبة التي تبصم على ميزانيات ومراكز مالية بما تريده الشركات؟
وربما يكون الخلل أن نعتقد أن الحل لدى الاقتصاديين فقط وعصاهم السحرية للسياسة النقدية والمالية, بينما يكون أبعد من ذلك ومفتاحه مرهون بدور علماء التخطيط, فعلم التخطيط علم مبني على دراسة الاقتصاد والاجتماع والسياسة. نحن ننسى أو نتجاهل أن أي هيئة أو قرار أو سياسة اقتصادية لا يمكن تطبيقها في ضوء عدم وجود نظام سياسي واجتماعي وقانوني تشريعي متكامل ومترابط (العمود الفقري للدولة ودستورها الشرعي) ودستور مدني للمواطنين مستمد من القرآن والسنة ويوفر لهم الحماية القانونية الصارمة على القوي والضعيف بشفافية واضحة. ما فائدة الأنظمة من دون وجود من يرعاها ويضمن لها هيبتها التي هي من هيبة الدولة وصرامتها, التي بدورها تعزز ثقة المستثمرين الوطنيين بالأجانب للاستثمار في هذا البلد؟ والنظام المتكامل يكون مربوطا بأحد الأنظمة المتكاملة مثل نظام الزكاة ( بدلا من الرسوم) الذي يشكل أهم الأنظمة التي توفر معظم المعلومات عن المواطن والشركات والدخل العام, ومنها تشتق جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. وهو نظام مربوط بمؤشرات اجتماعية وسياسية واقتصادية. وأساسه الحكومة الإلكترونية ويعتمد على سلوكيات المستهلك ومعدل البطالة وثقة المستهلك بالاقتصاد ومعدلات الإنتاج القومي وغيرها. هذا الترابط مهم في محاولة توجيه الاقتصاد العام, ويخضع لمعايير وضوابط دولية ومراقبة داخلية, ويتطلب مراجعة شاملة للأنظمة والقوانين وبناء قاعدة صلبة من تقنية المعلومات، لتعطي الدولة فرصة للتدخل وتوجيه دفة جميع الأنظمة. فقد انتهى عهد الحلول الوقتية أو ردود الأفعال لكل حدث, التي تعالج المشكلة في وقتها من دون معرفة تبعاتها المستقبلية وما يخلفه الحل أحياناً من سلبيات أكثر تكلفة على المجتمع. وذلك يجعل من اتخاذ القرار أمرا معقدا ويمثل تحديات كبيرة لا بد من توظيف جهاز وموظفين أكفاء وعلى مستوى عال من التأهيل.
وذلك مربوط بسلسلة معقدة من الأنظمة والمؤشرات التي يجب توحيدها وربطها بميكانيكية ونظام متكامل ومترابط (الحكومة الإلكترونية) يمكننا من قراءة الاقتصاد الوطني والقدرة على فهم التغيرات التي تؤثر فيه عند تغير أي من المؤشرات. وهو أيضا مربوط بعملية التوحيد القياسي للأنظمة والمعلوماتية الحكومية في شبكة وقاعدة معلومات موحدة وربطها معلوماتياً بواسطة شبكات الحاسوب. وأن يتم تفعيل البطاقات الممغنطة لكل مواطن لتمكن كل جهة حكومية من تمريرها على حساسات حاسوبية لمعرفة أي معلومات عن المواطن بدلاً من إرهاق الجميع بطلب صور منها ما يساعد على التخلص من أرشيفات ومخازن الأوراق التي تحتل مساحات كبيرة من المباني الحكومية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي