تحذير من تنامي تحديات الإنتاج والمضاربة على صناعة النفط السعودية
حذر خبيران سعوديان من تنامي مستوى التحديات التي تواجه صناعة النفط السعودية، التي يأتي على رأسها نمو حجم الإنتاج السعودي من النفط وفق الخطط المرسومة والمعلنة، في الوقت الذي لا يمكن معه رسم رؤية واضحة بشأن مسار الأسعار بفعل التأثير المتزايد للمضاربين في أسواق الطاقة.
وقال لـ "الاقتصادية" خبيران في الاقتصاد والطاقة إنه على الرغم من امتلاك المملكة لأكبر احتياطي للنفط في العالم، إلا أن عودة المضاربة في أسواق النفط وزيادة الإنتاج والاستهلاك المحلي تمثل تحديات ملحة، يجب التنبه لها والعمل على معالجتها قبل أن تؤثر في خطط التنمية الاقتصادية. عثمان الخويطر نائب رئيس شركة أرامكو سابقا، يقول "صحيح أن المملكة تمتلك أكبر احتياطي في العالم للنفط، وأكبر مصدِّر في العالم، ولديها حالياًّ قدرة إنتاجية تبلغ 12 مليون برميل في اليوم.. ولكن هذا ما يُحتم عليها الحفاظ على ما تبقى من هذه الثروة الثمينة".
وأضاف "من المعلوم أن الاحتياطي النفطي العالمي على وشك البدء في الانخفاض ما يعني حدوث نقص في الإمدادات النفطية التي لا يزال العالم في حاجة إليها".
وخشي الخويطر أن تتجه الأنظار حينئذ إلى المملكة لطلب زيادة الإنتاج من أجل تعويض النقص المتوقع، وهو ما لا يود حدوثه لأن ذلك سيؤثر سلباً في مستقبل عمر ثروتنا النفطية. والطريق الأمثل للمملكة وللبشرية، هو أن المجتمع الدولي والدول المتقدمة على وجه الخصوص، يتوجهون بمجهودهم العلمي وبجديد تقنياتهم نحو إيجاد وتطوير مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية، وكذلك الطاقة النووية لمنْ لديهم الإمكانات والخبرة والبنية التحتية التي يحتاجها هذا المرفق.
وتمنى أن تكون المملكة من أوائل المستثمرين في الطاقة البديلة، لأن ذلك سيُوفر لنا كميات كبيرة من المشتقات النفطية التي يتم استهلاكها محلياًّ ومن ثم يتم توجيهها للتصدير، بدلاً من الاستمرار في زيادة الإنتاج الذي يُؤدي في النهاية إلى سرعة نضوب الثروة الوحيدة.
وقال "لعله من المناسب أن نُشير إلى أن مستقبل المشتقات النفطية سيزداد أهمية وثمناً مع تقدم الزمن، حتى في حالة توافر كميات كبيرة من مصادر الطاقة البديلة، نظراً لكون النفط مادة اقتصادية صالحة لكل زمان ومكان. ولو استغنى عنها العالم كمصدر للطاقة، وهو أمر مشكوك في حدوثه، لأن لها استخدامات صناعية أخرى لا حدود لها ولا تقل أهمية".
من ناحيته قال فادي العجاجي المستشار الاقتصادي في مؤسسة النقد السعودي إن السياسة النفطية للمملكة ترتكز في الوقت الراهن على تحقيق الأهداف الاستراتيجية طويلة المدى التي تحقق لها التنمية الاقتصادية المستدامة، وتراعي مصالح الدول المصدرة والمستهلكة، ولا تؤثر سلباً في معدلات النمو العالمية.
وأشار إلى أن المملكة تنتهج مبدأ الالتزام الأدبي تجاه الاقتصاد العالمي نظراً لكونها أكبر منتج ومصدر للنفط الخام وصاحبة أكبر احتياطيات نفطية بين دول العالم. حيث تكفي الاحتياطيات النفطية للمملكة لإنتاج النفط الخام لمدة تزيد على 65 سنة بوتيرة الإنتاج الحالية نفسها. وتتمثل أبرز التحديات التي تواجهها صناعة النفط في المملكة في المخاوف من عودة نشاط المضاربة في أسواق النفط العالمية وصعوبة تقدير أسعار النفط في المديين المتوسط والطويل، ويؤثر ذلك في قرارات الاستثمار سواءً في مجال استخراج النفط، أو زيادة الطاقة الاستيعابية للتكرير. خاصة مع ارتفاع تكاليف الاستثمار في صناعة النفط، فقد بدأت تكاليف التنقيب والاستخراج في الارتفاع الملحوظ منذ منتصف التسعينيات.
وأضاف المستشار الاقتصادي أن "النفط لا يزال أهم المتغيرات الاقتصادية التي تُؤخذ في الحسبان عند رسم وتنفيذ السياسات الاقتصادية أو تفسير بعض الحالات والظواهر التي يمر بها اقتصاد المملكة، حيث تمثل الإيرادات النفطية النسبة الأكبر من إجمالي إيرادات الدولة. فمنذ منتصف السبعينيات والتغيرات في الإيرادات النفطية قريبة جداً من التغيرات في مستوى عجز الميزانية العامة، كما أن نسبة عجز الميزانية العامة إلى إجمالي الناتج المحلي تسير في الاتجاه نفسه تقريباً. ومن شأن التقلبات الحادة في أسعار النفط أن تؤثر سلباً في تحقيق الاستقرار".
وأثنى العجاجي على وزارة المالية لاستخدامها التقديرات المتحفظة عند إعداد الميزانية العامة للدولة، وباعتباره، هذا ما جنب الاقتصاد الوطني التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية.
وأوضح أن السياسة الاقتصادية للدولة في الوقت الراهن قد استفادت من تجربة أوائل الثمانينيات، حيث توسعت الدول المصدرة للنفط وخاصة الدول الخليجية في إنفاقها على مشاريع البنى التحتية، ودخلت في بعض التعاقدات والالتزامات طويلة الأجل. ونتيجة لانخفاض أسعار النفط واجهت الحكومة عديدا من التحديات التي أجبرتها على استهلاك فوائضها المالية والدخول في دوامة عجز الميزانية العامة والحساب الجاري. ففي تلك الفترة بلغ عجز الميزانية العامة ذروته في عام 1991م عند 85.4 مليار ريال وبلغ عجز الحساب الجاري 103.5 مليار ريال.