مملكة الإنسانية وسفراؤها الجدد

تابعت ما نشرته الصحف بتاريخ 8/12/2005 عما دار في المؤتمر الصحافي الذي عقده جيمس أوبريتر السفير الأمريكي في المملكة بخصوص الجهود التي تبذلها السفارة لمواكبة العدد الكبير لطلبات التأشيرات التي تلقتها خلال العام الجاري 2005, للدراسة في الولايات المتحدة أو زيارتها. وكان مما لفت نظري في حديث السفير أن عدد الذين تقدموا بطلبات للحصول على تأشيرات للدراسة فقط هذا العام زاد عشرة أضعاف على ما كان عليه في العام السابق. فمنذ بداية العام حتى مطلع كانون الأول (ديسمبر) 2005 بلغ عدد الطلاب الذين تقدموا للحصول على تأشيرات سبعة آلاف طالب مقابل 647 طلب تأشيرة دراسية في عام 2004.
لا شك أن على رأس العوامل التي أسهمت في هذا الإقبال، الزيارة الناجحة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للولايات المتحدة عندما كان ولياً للعهد. حيث تم الاتفاق في تلك الزيارة مع الرئيس الأمريكي على تعزيز العلاقة التاريخية بين البلدين ببناء المزيد من جسور التواصل, وفي مقدمتها تشجيع ابتعاث الطلاب السعوديين للدراسة في الولايات المتحدة.
وها نحن اليوم نشهد ثمار ذلك الاتفاق بعد ترجمته إلى برنامج يشرع أبواباُ واسعة أمام نخبة من شبابنا نحو آفاق مشرقة حافلة بالفرص والآمال لتحقيق أحلامهم والمشاركة في بناء مستقبل وطنهم.

بالطبع لا يقتصر برنامج الابتعاث على الولايات المتحدة فقط بل يشمل دولاً أوروبية ، وأستراليا ونيوزيلندا، وكذلك اليابان. ومن حديث نشرته جريدة "الوطن" للدكتور عبد الله المعجل وكيل وزارة التعليم العالي بتاريخ 14/12/2005 تبين أن الوزارة تستهدف من خلال هذا البرنامج ابتعاث أكثر من 15 ألف طالب خلال السنوات الخمس المقبلة لدراسة تخصصات متنوعة تحتاج إليها السوق السعودية كالهندسة، التقنية، الطب، والعلوم.
ويعُد هذا البرنامج في نظر الكثير من المراقبين أحد أهم الخطوات التي أقدمت عليها الدولة في السنوات الأخيرة ضمن منظومة الإصلاحات الاقتصادية والتعليمية، سيفتح للمملكة المزيد من نوافذ العلم والمعرفة، وسيبني كوادر مؤهلة قادرة على العمل في بيئة منافسة متعددة الأطراف في شتى مناحي الحياة. وهنا لا بد من الإشادة بدور وزارة التعليم العالي في تصميم البرنامج في زمن قياسي وإدارته بدرجة عالية من الشفافية تضع أمام المتقدمين خيارات واضحة وشروطاً موحدة.
هناك مكاسب أخرى كثيرة ستجنيها المملكة أيضاً من هذا البرنامج لا تقل أهمية عما سبقت الإشارة إليه. من هذه المكاسب مد جسور التبادل الحضاري والثقافي مع مراكز المعرفة في العالم الجديد. فهؤلاء الآلاف من المبتعثين الذين اختيروا، كان اختيارهم بناء على تفوقهم في تحصيلهم الدراسي مما يجعلهم مؤهلين لتقديم صورة مشرقة عن وطنهم وأمتهم. وهي رسالة لا بد لكل واحد منهم أن يدرك أهميتها بالذات في هذه المرحلة التي يتسابق فيها الناس لكسب أكبر عدد من الأصدقاء.
إن برنامج الابتعاث يوفر للمملكة آلية لتقديم نماذج حية ناجحة من أبنائنا للمجتمعات الأخرى، وهذه الآلية تعد من أكثر الآليات فعالية للوصول إلى قلوب ومن ثم عقول تلك المجتمعات. فإذا كانت الصورة تغني، كما يقال، عن ألف كلمة فما بالك بقدوة صالحة يرى فيها كل من حولها صدقاً في القول وتفانياً في العمل وحسن خلق. هؤلاء هم سفراء مملكة الإنسانية.
في ذاكرة الأمم قرارات تترك بصماتها على مسيرتها، من بين هذه القرارات أحسب أن التاريخ سيسجل قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تشجيع الابتعاث للدراسة في الخارج في مرحلة تسير فيها المملكة نحو المزيد من البناء ورسم مستقبل واعد لأبنائها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي