العيون الزرقاء
العيون الزرقاء
<a href="mailto:[email protected]">kasksu@gmail.com</a>
"عفواً، أنا لا أريد سعودياً، بل أريد خبيرا أجنبيا (صاحب العيون الزرقاء) لكي أستشيره أو يقوم بهذا المشروع". هذا وللأسف ما يتم الآن في نسبة كبيرة من إدارات تقنية المعلومات، سواء في القطاعات الحكومية أو الخاصة. وها هو أحد أصحاب شركات تقنية المعلومات يخبرني برضوخه للواقع المرير، حيث يعتزم استقدام موظف أجنبي بشرط أن تكون عيونه زرقاء ولا ينطق العربية، ليكون واجهة الشركة الرسمية لدى الجهات المختلفة.
وهذا آخر يحدثني أنهم في شركتهم يلجأون إلى استضافة شخص أوروبي لحل الخلافات (أو ما يمكن تسميته بنقص الثقة) بينهم وبين العميل. والغريب في الأمر أن ما يقوم به ذلك الشخص لا يتعدى إعادة صياغة ما عرضته الشركة على العميل!
يرجع هذا الاعتماد على الشركات الأجنبية لأسباب عدة، من ضمنها:
أولاً: ضعف ثقة المسؤول بنفسه وإحساسه بالنقص، لذلك فإنه يحاول تعويض هذا النقص في الاعتماد على أفضل المختصين الدوليين.
ثانياً: تهّرب المسؤول من تحمل المسؤولية، لذا فإن اعتماده على خبراء دوليين يحميه عند الإدارات العليا في حالة فشل المشروع، لأنه في ذلك الوقت سوف يثبت لهم أنه لم يتسبب في الفشل لأنه اعتمد على خبرات أكفاء ومعروفة بالنجاحات الدولية.
ثالثاً: ضعف الشركات أو الكفاءات الوطنية، أو دعونا نقسم ذلك الضعف إلى أمرين، أولهما: أن بعض الشركات الوطنية هي وطنية بالاسم أو المقر أما الكادر البشري فأغلبه من الخارج (وطنية مقنعة)، وهذا النوع يرضى بالقليل وبالطبع يقدم القليل، لذا فالمسؤول إما أنه قد جرب تلك الشركات وخرج بتجربة غير مرضية، أو سمع نصائح زملائه ممن قاموا بتجربتها. والآخر: شركات وطنية بنسب سعودة عالية، وهي إما أنها ناشئة وتبحث عمن يقدم لها التشجيع وفرصة النمو، وهذه الفئة تقابل من بعض المسؤولين بالتجاهل والنظرة الدونية حرصاً منه على تحاشي المغامرة مع تلك الشركات، أو أن تلك الشركات الوطنية من النوع الناضج ولكن تكلفتها على العميل عالية مقارنة بالشركات الوطنية المقنعة، ولا تلام تلك الشركات في ذلك، لأن أجور السعوديين المختصين أعلى من غيرهم، وتلك الشركات الناضجة تفتقر إلى العدل من قبل المسؤولين، فالمسؤول على نوعين تقريباً، إما أن يقرر التعامل مع الشركات الوطنية لمحدودية ميزانيته، وهنا يضطر إلى التعامل مع الشركات الوطنية المقنعة لانخفاض أسعارها، أو يتعامل مع الشركات الأجنبية عندما تكون الميزانية مرتفعة والثقة معدومة بالشركات الوطنية.
لا أريد أن يفهمني القارئ على أنني ضد الخبير الأجنبي، بالعكس قد يقدم الخبير الأجنبي ما لا يستطيع الخبير الوطني في بعض الأمور (لاحظ استخدامي قد وبعض)، لكني أود أن أركز على أمرين مهمين:
أولاً: لابد أن يكون الاعتماد على الخبراء الأجانب في نطاق محدود ومقنن.
ثانياً: في حالة اللجوء إليهم، فإنه يجب الحرص على استدامة الفائدة وذلك بنقل تلك الخبرة حتى وإن كلّفت أكثر. ها هم الماليزيون بدأوا بالاستفادة من الخبراء الأجانب في مشاريعهم وتعليمهم ثم استطاعوا نقل تلك الخبرة لديهم، والتي منحتهم الفرصة لتقديمها، ليس في وطنهم فقط بل في بلدان أخرى.
إن ما نحتاج إليه الآن في ظل الطفرة الاقتصادية وقدرتنا على الاستفادة من الخبرات الأجنبية هو إعطاء شبابنا فرصة الاستفادة من تلك الخبرات سواء العملية أو التعليمية والتدريبية، وإعطاؤهم الثقة بأنفسهم بتقديمهم على غيرهم.