التحذير من استخدام الشركات المتعثرة «حجة المخافة الشرعية» للتهرب من اتفاقياتها

التحذير من استخدام الشركات المتعثرة «حجة المخافة الشرعية» للتهرب من اتفاقياتها

حذر عاملون في صناعة الصيرفة الإسلامية من تبعات الحكم القضائي الذي صدر لصالح دار الاستثمار الكويتية، وذلك بعد أن استخدمت الشركة المتعثرة ''حجة المخافة الشرعية'' للتهرب من اتفاقياتها التعاقدية. وتفاعل الخبراء القانونيون مع الحكم الصادر، وقالوا إن السماح للشركات بالتراجع والمجادلة بأن الصفقة لم تكن أصلاً ملتزمة بالأحكام الشرعية من شأنه في نهاية الأمر أن تضر بسمعة المصرفية الإسلامية. وقال مايكل ريني، شريك في شركة كينج أن سبولدينج: ''إذا كانت إحدى المؤسسات المالية الإسلامية ترغب في المجادلة بعدم الجواز الشرعي لتعامل معين في سبيل تجنب التزاماتها التي دخلت فيها بعلمها، فما الذي يمنع إحدى المؤسسات المالية الإسلامية أن تستخدم حجة مخالفة الأحكام الشرعية كأسلوب تكتيكي تفاوضي وقت دخول التمويل لتحقيق أحكام أفضل لصالحها في العقد؟

حجة المتعثرين
وفي مقابلة له مع صحيفة ''ذا ناشونال''، قال خالد هولدار من قسم الاستثمار في وكالة موديز للتصنيف الائتماني ''في هذه القضية استُخدِم عدم الالتزام بالأحكام الشرعية كوسيلة للتهرب من التزام تم الاتفاق عليه بين الطرفين في بداية العقد''. وتابع: ''ينبغي أن يشعر المستثمرون بالقلق لأن هناك احتمالاً جوهرياً أن تقوم الشركات الإسلامية باستخدام هذه الحجة الدفاعية حين تمر بأوقات عصيبة، وهو أمر من شأنه إضافة خطر آخر إلى الخطر التشغيلي للصكوك أو لأي استثمار آخر في المصرفية الإسلامية. وهذه قضية خطيرة، وتابع: ''فعلى خلاف تعليقات الشيخ تقي عثماني، التي كانت رأياً صادراً عن شخص واحد. نحن الآن أمام حكم محكمة''.
وقال الشيخ مدثر صديقي، الذي يرأس قسم المعاملات الإسلامية في الشرق الأوسط في شركة دينتون وايلد سابت: ''استراتيجية الدفاع المذكورة خطرة للغاية. بالنسبة للناس الذين يتعاملون مع مؤسسات الصيرفة الإسلامية، من شأن ذلك أن يضيف مخاطر شرعية أخرى تنضم إلى المخاطر الأخرى الموجودة في السوق''.
يقول ريني: ''المستثمرون الذين يقررون مسألة الدخول أو عدم الدخول في أحد التعاملات الجائزة شرعاً ربما يشعرون بالتردد والتخوف الآن إذا كانوا يعتقدون أن الطرف المقابل في التعاقد ربما يحاول في المستقبل أن يتجنب الوفاء بالتزاماته بالادعاء بأن اتفاقية الاستثمار مخالفة للأحكام الشرعية، وربما يشعرون بقدر كبير من التشكك حين تجادل إحدى المؤسسات المالية الإسلامية بأن أحكاماً معينة في العقد لا بد منها بسبب الاعتبارات الشرعية''.
الحماية من الدائنين
يذكر أن دار الاستثمار قد دخلت مرحلة «الوضع المالي المتعثر» وهي ما تعرف لدى الاقتصاديين بـFinancial distress . وللمرة الأولى منذ تأسيسها، تكبدت الشركة الكويتية خسائر بلغت 80.3 مليون دينار عن عام 2008، بحسب نتائجها المالية التي أعلنتها قبل أيام. وتعثرت الشركة في السنة الماضية في تسديد الدفعات الدورية لحملة سندات إسلامية تبلغ قيمتها 100 مليون دولار.
وتحاول ''دار الاستثمار'' حالياً وضع بنود مع المصارف لإعادة تمويل مبلغ بقيمة مليار دينار كويتي تقريباً. وأعلنت الشهر الماضي أنها قدمت طلب حماية قانونية بعد أن استمرت أقلية صغيرة من المستثمرين في التصدي لمشاريع إعادة هيكلة الدين التي أقدمت عليها الشركة.
ووافقت محكمة الاستئناف الخاصة في الكويت على طلب الحماية القانونية الذي قدمته ''دار الاستثمار'' بموجب قانون الاستقرار المالي في البلاد. وأعلنت المحكمة أنها ستضع حداً للإجراءات القانونية المواجهة كافة ضد الشركة إلى أن توافق على مشروع الدين.
اجتهادات الفقهاء
لكن ذلك لم يمنع المحكمة البريطانية في أن ترتكز على إصدار حكمها على الشريعة، الأمر الذي جعل العاملين في صناعة الصيرفة الإسلامية يفاجأون أو بعبارة أخرى يشعرون بالصدمة من رؤية محكمة بريطانية تبني قرارها على الأحكام الشرعية.
وقال فقيه شرعي طلب عدم الكشف عم اسمه: ''المبادئ الدينية لست من القوانين. المحكمة لا تستطيع الرجوع إلا إلى القانون في بلدها. على سبيل المثال المحكمة السويسرية تستند في قراراتها إلى القانون السويسري''.
هذا الحكم يعد علامة فارقة في غاية الأهمية، فقد غادرت الأحكام الشرعية عالم اجتهادات الفقهاء ودخلت إلى قاعة المحكمة. فكثير من القضايا المعقدة في المصرفية الإسلامية يمكن تفسيرها بالافتقار إلى سلطة عليا تحكم على تفسير معين بأنه يتمشى مع الأحكام الشرعية. نتيجة لذلك فإن المصرفية الإسلامية تعتمد على الإجماع، الناتج عن عدة أطراف تعمل معا للتوصل إلى قرار مشترك.
تفاصيل القضية
بليك جود، كبير الإداريين في مؤسسة، Marquam Capital تمكن من الاطلاع على تفاصيل الحكم القضائي الصادر وقال إن الأساس الذي يقوم عليه التعاقد مع بنك لبنان والمهجر يقضي بأن يضع بنك لبنان والمهجر أموالاً لدى دار الاستثمار، حيث كان البنك يقوم بدور الموكِّل (المودع) وتقوم دار الاستثمار بدور الوكيل. لكن العقد يطالب الشركة بإعادة رأس المال المستثمَر إضافة إلى ربح ثابت، وهي صفقة يقول محامو دار الاستثمار إنها نوع من الربا، المحرم شرعاً في الإسلام. يقول القاضي في وثيقة الحكم القضائي:
يحدد العقد معدلاً متوقعاً للربح استخدم لتحديد اقتسام الربح بين الوكيل والموكل. على سبيل المثال، إذا كانت النسبة المتوقعة للربح هي 5 في المائة، فإن أية أرباح تزيد على هذه النسبة سيحتفظ بها الوكيل باعتبارها رسماً من الحوافز، وإذا كانت الأرباح أقل من 5 في المائة فإن الموكل يحتفظ بكامل الربح ويعطي مبلغ الفرق بين معدل الربح الفعلي والربح المتوقع، لكن اتفاقية الوكالة أضافت فقرة غيرت العلاقة في اتفاقية الوكالة:
''الفقرة 7.1 تنص على أن الأموال التي يقدمها الموكل (المودع) سيتم استثمارها في مجموعة أموال خزانة الوكيل مع سريان المفعول اعتباراً من تاريخ القيمة. كذلك نصت الفقرة على أن الأموال ستعامَل بالتساوي مع أموال المودعين الآخرين في أموال الخزانة، وهو ما أفهمه على أنه يعني بالتساوي ودون مفاضلة. ونصت الفقرة 7.2 على أنه عند تاريخ تسوية الوكالة سيدفع الوكيل إلى الموكل (المودع) مبلغاً مساوياً للربح المذكور في العرض المرفق. هذا المبلغ كان يجب أن يُدفع ''بسبب الربح'' وفقاً للعرض الخاص بالوكالة التي من هذا القبيل. هذه الدفعة ''بسبب الربح'' كان من المفروض أن تكون مساوية للربح المتوقع. بالتالي كان هناك التزام غير مشروط بتسديد المبلغ بسبب الربح ويكون مقداره هو الربح المتوقع، بصرف النظر عما إذا تم تحقيق هذا الربح بالفعل أو لم يتحقق من خلال (ما يسمى) بالاستثمار في أموال الخزانة''.
وهنا يقول بليك: ''من حيث الأساس فإن هذا كان يُلزِم دار الاستثمار (بصفتها كوكيل) بأن تدفع معدل الربح المتوقع سواء تم تحقيق هذا الربح من عدمه من خلال الموجودات في أموال الخزانة. هناك شك حول ما إذا كان ذلك ينسجم مع الفكرة العامة للوكالة، لكن المجلس الشرعي لدار الاستثمار أجاز الوكالة، على ما يبدو استناداً إلى تفاصيل أخرى في العقد جعلت العقد متمشياً مع الأحكام الشرعية. وهذا أدى بالقاضي الذي ينظر في القضية إلى المجادلة بأن بنك لبنان والمهجر ينبغي أن يتلقى دفعة مبدئية تتألف من رأس المال الذي استثمره في الوكالة، على أن يتم تحديد المبلغ المتبقي (أو الربح المتوقع) في مرحلة لاحقة. كذلك سمح القاضي لدار الاستثمار بأن تستأنف قرار المحكمة الخاص بالدفعة المبدئية، رغم أنه أعرب عن رأيه في أن من غير المرجح أن يُنقَض هذا الحكم.
وهنا تقول الوثيقة القضائية التي حصلت ''الاقتصادية'' على نسخة منها ''في نهاية الأمر، إذا كانت اتفاقية الوكالة الرئيسة لا تتعارض مع الأحكام، فإن دعوى العقد ستنجح. فإن لم تفعل فإن دعوى التعويض ستنجح. في كلتا الحالتين تكون دار الاستثمار مطالبة قانوناً بتسديد كامل المبالغ المودَعة على الأقل. حسب ظاهر الأمر، ينبغي أن تعطى إلى بنك لبنان والمهجر، لكن البنك، رغم أنه شركة لبنانية تتمتع باحترام واسع، لا يخضع للمحاكم الإنجليزية، وتخشى دار الاستثمار من أنه إذا نجحت جميع دفوعها في نهاية الأمر ألا تكون لديها سبيل للحصول على التعويض من شركة لبنانية. ولو أنني (أي القاضي) كنت أظن أنه في نهاية المطاف ستكون هناك أية فرصة قوية في تحقيق النتيجة المذكورة، فإنني كنت سأُصدر أمري إما بتقديم دفعة في المحكمة أو الاحتفاظ بالمبالغ ضمن الاختصاص القضائي. لكن حسب ما أرى فإن بنك لبنان والمهجر سينجح بطريقة أو بأخرى، وبالتالي فإنني أصدر أمري بأن تُدفع دفعة مبدئية إلى بنك لبنان والمهجر بصورة غير مشروطة بالمبلغ الوارد في الحكم''.
ويقول بليك: ''سيتعين علينا أن ننتظر لنرى ماذا ستكون النتيجة بالنسبة ''للأرباح المتوقعة'' من اتفاقيات الوكالة، وهي نتيجة ربما تنطبق كذلك على بعض اتفاقيات المضاربة والمشاركة.

الأكثر قراءة