مخاطر فائض السيولة والخوف من اضطراب أسواق العملة
المخاطر في الأسواق المالية في تعاظم. ذلك هو الرأي الذي يجمع عليه غالبية خبراء الاستثمارات. وغالباً ما يعقب هذا التقدير تقديم النصائح بزيادة حجم الاحتياطيات السائلة. غير أن حالة الإجماع هذه سرعان ما تنتهي عندما يبدأ النقاش حول أسباب هذه المخاطر. فالبعض يعزو ذلك للهزات الخارجية مثل النزاع حول الطموحات النووية لإيران وارتفاع أسعار النفط وتنامي الاتجاهات الحمائية في الكونجرس الأمريكي خصوصاً في مواجهة الصين. بينما يرى آخرون أن مصدر جميع المخاطر هو السيولة العالمية التي لا تزال فوق المستوى المعقول والتي تدفع في اتجاه البحث عن مضاربات في مجالات استثمارية مما يؤدي إلى مبالغات وإفراط.
عدد الخبراء الذين يشعرون إزاء ذلك ببعض الإحراج ليس قليلاً، فهم ينظرون قبل كل شيء إلى تطور أسعار المواد الخام التي تطغى عليها المضاربات إلى حد بعيد. وهم يتساءلون: هل ما زال من الممكن إبرام عقود شراء جديدة في ظل الظروف السائدة؟ ومن بين هؤلاء ديفيد روزنبيرج الخبير الاقتصادي في مؤسسة ميريل لينش المسؤول عن قطاع أمريكا الشمالية ، أما ستيفن روش الخبير الاقتصادي في مؤسسة مورجان ستانلي فيتوقع استمرار تحركات الأسواق التي تسببها السيولة الزائدة لفترة أطول مما كان يفترض.
ويبدي بعض المراقبين دهشتهم إزاء استمرار ضآلة التغيرات في أسعار الصرف بين العملات الرئيسية في الأجواء الحالية المشحونة بالمضاربات، وهذا وارد بشكل خاص لأن عدداً كبيراً من الاقتصاديين والخبراء والمحليين يتوقع مزيداً من التردي في سعر الدولار الأمريكي. ومن بين هؤلاء يفيض الخبراء من جولدمان زاكس في الحديث في هذا الاتجاه، كما أن جيفري دو جراف من مؤسسة ليمان براذرز يرى في الأجواء منذ الآن مقدمات لتحولات مقبلة فتذبذب سعر الدولار آخذ في التزايد في الوقت الذي تعتبر فيه العملات المستقرة دليلاً قاطعاً على ثقة المستثمرين. أما إذا حدث اضطراب في أسواق العملات الصعبة فسرعان ما يمتد، كما تشير التجارب كلها، إلى الأسواق الأخرى. إن خبراء مؤسسة ( درزدنر كلاين فورت فاسرشتاين) يوافقون على هذا الرأي لأن سعر النفط الذي يسجل رقماً قياسياً حالياً والنزاع مع إيران يقدمان ما يكفي من الأسباب للتنبؤ بمزيد من الارتفاع في أسعار النفط، فالمسألة مسألة وقت لا غير حتى يكتشف سوق العملات الصعبة هذا الموضوع. ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى انزلاق أسواق رأس المال إلى واحدة من التذبذبات القوية.
وثمة أيضا ناحية أخرى تعمل منذ زمن طويل على إثارة حالات من القلاقل والمخاطر تلك هي السياسة النقدية للبنك المركزي الأمريكي فبعد نشر بروتوكول اجتماع لجنة السوق المفتوحة التابعة للبنك في 26 آذار (مارس) الماضي سجل سوق الأسهم في نيويورك ارتفاعاً لافتا للنظر. وقد جاء في أكثر من موضع من هذا البروتوكول أن نهاية سلسلة الزيادات في أسعار الفائدة أصبحت تلوح في الأفق. ومن البديهي أن هذا يخدم الآلة الدعائية لما يسمى "جانب البيع" في وول ستريت أي الباعة والوسطاء وبنوك الاستثمار وصناديق الاستثمار، لدفع الجمهور لشراء الأسهم.
ويقال في هذا الصدد إن أفضل الأوقات للاستثمار في الأسهم يكون قبل وقت قصير من نهاية دورة ارتفاعات سعر الفائدة الرئيسية . غير أن مؤسسة "كومستوك بارتنرز"، وهي من الشركات الأمريكية المشهورة في إدارة رؤوس الأموال، لا تتفق مع هذا المنطق، حيث إنه لم يحدث أن ارتفع مؤشر"داو جونز" منذ عام 1920 وخلال ست عشرة من دورات ارتفاع سعر الفائدة، إلا مرة واحدة عام 1995 وذلك في أعقاب آخر زيادة في أسعار الفائدة تقررت آنذاك. وفي المتوسط كان المؤشر يسجل تراجعاً بنسبة 19.1 في المائة في جميع الحالات بعد آخر زيادة في أسعار الفائدة وقبل أن يهبط سوق الأسهم إلى أدنى نقطة.