عندما تعبّر المرأة بحرّية

في ندوة "المرأة والحوار الوطني" التي عقدت في مكتبة الملك عبد العزيز العامة يوم الإثنين 26 شوال 1426هـ، الموافق 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 تحت رعاية الأميرة حصة الشعلان، حرم خادم الحرمين الشريفين، وإدارة الدكتورة نورة الشملان أستاذة الأدب العربي القديم في جامعة الملك سعود، قُدمت ست أوراق عمل حول: مشاركة المرأة في صنع القرار، العنف الأسري، مراجعة التشريعات والأنظمة الخاصة بها وتقنين الشريعة، والوصاية على المرأة وتأمين فرص العمل لها، قدمتها مجموعة من الأكاديميات، هن الدكتورة إلهام الدخيل المشرفة العامة على مؤسسة أسراري، الدكتورة سلوى الخطيب أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة الملك سعود، الدكتورة نجلاء المبارك أستاذ الحديث المساعد في كلية التربية للبنات، الدكتورة هند آل الشيخ أستاذ الاقتصاد المساعد في معهد الإدارة العامة، والدكتورة وفاء الرشيد المستشارة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الرياض.
وقد ذكرت في المقال السابق ما دار على المنصة من قضايا، وفضلت أن أفرد لما دار بين الجمهور هذا المقال، فقد اتضح من ملاحظتي أن هناك فريقين رئيسين يتجاذبان قضية المرأة وحقوقها في مجتمعنا، أحدهما ذلك المتفق مع الأوراق التي قدمت والذي يجدها معبرة بشفافية وجرأة غير معهودة عن واقع المرأة السعودية ويطرح كذلك حلولاً عملية وواضحة. والآخر، ذلك الفريق الذي ينظر إلى كل شأن يخص المرأة السعودية بريبة ويعتبره دخيلاً على مجتمعنا "المثالي"، وأن أي تحليل تستخدم فيه لغة اقتصادية أو اجتماعية حديثة في قراءة الحال ووضع التوصيات ينظر إليه كبدعة سيئة مستوردة من "الأمم المتحدة"، وكأننا لسنا أعضاء مؤسسين في هذه المنظمة الدولية، ويرى أن مكان المرأة هو البيت حيث يأتيها رزقها وهي في مكانها من ولي أو وصي أو من بيت مال المسلمين، وأن المرأة ليست مطالبة بالعمل ويكفيها إكثار الأمة بالإنجاب. كان في تكرار مواضيع المداخلات ما يشير إلى أن هذا الفريق لم يكن يصغي إلى بعضه بعضا، ناهيك عن الإصغاء إلى المتحدثات. وفيما بين الفريقين كانت الطروحات في غاية الأهمية والحدة أيضاً، وتحمل توصيات قوية مكملة لتوصيات فريق المنصة.
لكن المختلف ذلك المساء كان في جوّ الحرية الذي انسكب على الجميع مع انسكاب فنجان النعناع الحار عليّ وأنا أصفق متحمسة للمتحدثات. كانت هناك ثقة في النفس وفي الحق، في الحياة مهما كان رفض الآخر المحتكر للدنيا والآخرة. وكان هناك إصرار من نوع جديد على إسماع صوت جديد، على التعبير عنه علناً وإن لم يعجب الأغلبية. تشعر وكأن هناك عدوى تسري من الحديث بجرأة ونبذ للخوف. كان الميكروفون وهو يتنقل من يد إلى أخرى مع إعلان الدكتورة نورة الشملان للمداخلة التالية يشهد مكاشفات من نوع غير مألوف، وكل ما انتقل إلى يد أخرى يرتفع معها سقف التعبير.
وكان المختلف أيضاً إفلاس صوت التيار المتشدد الذي يصادر حق المرأة في العمل والمشاركة الاقتصادية الفاعلة، فكانت غالبية السيدات ممن يهاجمن أوراق الجلسة على أساس أنها تركز على المشاركة الاقتصادية خارج المنزل متغافلين عن أن دور المرأة البقاء في المنزل إلخ، كن هن أنفسهن من النساء العاملات. كان هناك تكرار لنقطة واحدة وهي "أن مشاركة المرأة السعودية الاقتصادية ينبغي أن يحسب فيها تربية المرأة الأبناء من منزلها وأن هذه مشاركة اقتصادية فعالة وأساسية".
وعلى الرغم من أن احتساب عمل المرأة في المنزل يعد أحد المواضيع الجدلية في الغرب أيضاً إلا أنه في ذلك السياق لم يكن هو الرد الأمثل، ذلك أننا حتى لو احتسبنا النساء العاملات من منازلهن، فما زالت مشاركة المرأة السعودية الاقتصادية الأدنى في العالم، وهذا ليس من صالح اقتصادنا أو تنمية مجتمعنا. فضلا ًعن أنه لا يتوافق مع ما ينفق من أموال على تعليم المرأة. وعلى الرغم من كل هذا فإن تربية المرأة أبناءها من المنزل لم تحل مشكلة البطالة أو ضعف المشاركة الاقتصادية بين الرجال أو مشكلة تقدير قيمة العمل، ولم تستطع أي من هذا التيار الرد على الدكتورة حنان الأحمدي، إحدى المشاركات في الحوار الوطني الثالث، بتفسير طوابير التقديم للوظائف بمجرد الإعلان عن وظيفة في أي مكان، أو تفسير تسول النساء في الشوارع إن كان جلوسهن في بيوتهن يكفيهن ويجعل بيت المال يصرف عليهن، أو إنكار أن بيوت معظم النساء العاملات تعتمد اليوم على مساهمتهن في ميزانيتها، ناهيك عن البيوت التي تعتمد عليهن كلية، متسائلة بشكل رئيس عن إشكالية قيمة العمل التي تنخفض بين النساء والسعوديين بشكل عام.
كانت هناك مزايدات كما هو المعتاد في مثل هذه الأجواء، وكلها مزايدات دينية، وكأننا نتحدث في فراغ أو كأن فئة واحدة فقط تملك الحق في الحديث باسم الإسلام مخرجة ً الباقيات منه، بل إن إحداهن كانت تدافع عن سلوكيات كالشغار والحجر على المرأة وغيرها، معتبرة أن لهذه أغراضاً في التشريع الإسلامي وأنه لا يجوز للمتحدثات التعرض لهذه القضايا باعتبار أنه "تجرؤ على أحكام الله". وعلى الرغم من أن الحديث يرد على نفسه إلا أنه يبدو أننا بحاجة إلى الرد على البدهيات، ولا سيما أن هذه التعليقات ترد من نساء مسؤولات في التربية والتعليم وحاصلات على درجات علمية عليا، فالسيدة المعلقة تحمل درجة الدكتوراة وتعمل في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
كان هناك حديث مباشر وصريح حول الوصاية التي يمارسها الرجل على المرأة السعودية في كل محفل وقطاع، وكان هذا الموضوع محور أحد السجالات بين المجموعتين، ففي حين أن المتحدثات على المنصة أكدن على إشكالية الصلاحية التي تـُجرد منها المرأة مهما كان المنصب الذي تصل إليه، كان مجموعة أخرى من السيدات يرين أن فيما تطرحه المتحدثات مبالغة غير حقيقية، وأن المرأة السعودية تنال حقها وأن العالم "يحسدها" على ما وصلت إليه من مكانة وما تحظى به من تكريم، وأنها في مناصبها كمديرة أو عميدة أو ما أشبه تمارس كل الصلاحيات المهمة.
وكان من حسن الحظ أنه كانت في الحضور الدكتورة الأميرة الجوهرة بنت فهد مساعدة وكيل وزارة التربية والتعليم لشؤون الكليات، التي يعد منصبها هو أعلى منصب تحتله امرأة سعودية. فسألتها الدكتورة إلهام الدخيل من المنصة عما إن كانت تحظى بصلاحيات في منصبها، فكان جوابها جريئاً وشافياً وشفافاً، فقالت بصراحة إنه ليس لديها أية صلاحيات على المستوى العالي وإن كل ما تقوم به من خلال اجتماعات لجانها المختلفة هو رفع توصيات إلى الوكيل ومنه إلى الوزير حيث يبتون هم في الأمر، لكن ليس لها أي قرار رئيس .. فكان قولها قولا فصلا.
شعرت أكثر الحاضرات وعلى الأخص المشاركات في الحوار الوطني أن هذه الجلسة كانت أكثر حيوية وتحقيقاً لمبدأ الحوار من ثلاثة أيام أمضينها في المدينة المنورة في جلسات مكثفة حول الحوار والمرأة. ولعل الجو العام الذي اتسم بالشفافية والصدق والقوة والراحة كون ما يدور يجري تحت سمع وناظري السيدة الأولى مما يلف المكان بنوع من الحصانة والمشروعية في الوقت نفسه، ساعد كثيراً على انطلاقة النساء. كانت هناك آراء في غاية الأهمية تدور حول مشكلات أساسية كالفقر والبطالة والهجرة، كالمواطنة والعدالة وأهلية المرأة لأن تكون مواطنة وما إذا كان من الإسلام أن تكون ناقصة الأهلية. كانت هناك مطالبة بوضع وثيقة وطنية للأسرة توضح فيها حقوق المرأة والأسرة، ومطالب بإدخال مواد التربية الأسرية إلى المناهج الدراسية للبنات والبنين.
وكان هناك اغتنام أيضاً لفرصة هذا الحضور بدعوة سمو الأميرة لتبني ما طرح من قضايا، ولا سيما مشروع المجلس الأعلى للمرأة أو الأسرة على أن تتولى رئاسته، ويرتبط مباشرة بالملك أو بمجلس الوزراء.
راقتني الكلمة الختامية للدكتورة وفاء الرشيد بأن الوطن للجميع، ولكل منا حق فيه، وكما لغيره الحق في أن يقول رأيه فلها أيضاً هذا الحق دون وجل ودون مصادرة للاختلاف في الرأي.
الحوار عملية صحية نجدها بدأت تنتشر كاسم ومفهوم وتعدت القاعات المغلقة. الحوار إعلان عن حق الجميع في الحياة على الرغم من اختلافهم وعلى الرغم من انتمائهم على وطن واحد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي