معدلات نمو إنتاج القطاع الخاص وزيادة صادراته تدحضان ما يُقال عن هروب الأموال
معدلات نمو إنتاج القطاع الخاص وزيادة صادراته تدحضان ما يُقال عن هروب الأموال
قال رجل الأعمال عبد العزيز الصغير إن سياسة التخصيص في السعودية تستهدف في الأساس توسيع مجال المنافسة، لأن نجاح المنافس بعد دخوله إلى العمل في السوق سيكون "بالتأكيد عامل جذب وإغراء للشركات العاملة في المجال ذاته".
وبحكم خبرته الطويلة كمستثمر في مجالات متعددة، اعتبر الصغير في حوار أجرته معه "الاقتصادية" أن المناخ الاستثماري في السعودية جيد، سواء للمستثمر المحلي أو المستثمر الأجنبي، بدليل أن السوق استطاعت جذب العديد من الاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى المناخ الاستثماري الذي يتمتع بمرونة عالية وحرية في الاقتصاد مكنته من مواجهة التحديات والتقلبات الاقتصادية التي مرّت بها الأسواق العالمية خلال الأعوام الماضية.
ويختصر الصغير رؤيته في هذا السياق بقوله: "سوقنا مفتوحة للمنافسة أسهمت في خلق فرص لكل شخص يرغب في مزاولة العمل التجاري".. إلى تفاصيل الحوار:
من واقع معايشتكم النشاط الاستثماري في السعودية, كمواطن وكصاحب خبرة في مجال البنوك وكرجل أعمال ومؤسس في شركة موبايلي ورئيس لمجلس إداراتها, كيف تقيمون المناخ الاستثماري المحلي في الوقت الراهن؟ وما المجالات التي تعتقدون أنه ينشدها على المدى الطويل؟
دعني أولا أقوم بدمج ما ذكرته عني من خبرة في مجال البنوك والأعمال وقطاع الاتصالات بمواطنيتي التي هي المرتكز والأساس والمحفز على تحقيق الذات من خلال مزاولة الأنشطة التي أشرت إليها. فالاستثمار كمرادف لإعمار حياتنا اجتماعيا واقتصاديا هو تعبير مكثف عن حبنا وانتمائنا لوطننا بالعمل من أجله سواء كان برأسمال وطني أو بمشاركة الأجنبي وعلى هذا الأساس, أصدقك القول, إنني أنظر إلى الحراك الاستثماري في بلادنا بغبطة وبهجة عميقتين لأن إقبال المواطنين من أصحاب الاهتمامات المختلفة في الاستثمار على خوض غمار أعمال الخدمات والإنتاج أصبح لافتا، فالمستثمر أو صاحب العمل السعودي لم يعد يقنع بما عهدناه سابقا من أداء تقليدي للعمل التجاري يعمد إلى مزاولة نشاط بعينه بطريقة روتينية, وبمعنى اقتصادي فالمناخ الاستثماري في السعودية يتمتع بمرونة عالية وحرية في الاقتصاد جعلته قادرا على مواجهة التحديات والتقلبات الاقتصادية التي مرّت بها الأسواق العالمية خلال الأعوام الماضية، وكذلك التقلبات التي مرّت بأسعار النفط، وهي سوق مفتوحة للمنافسة أسهمت في خلق فرص لكل شخص يرغب في مزاولة العمل التجاري، ولذلك فإنه يمكن القول إن المناخ الاستثماري في السعودية جيد سواء للمستثمر المحلي أو للمستثمر الأجنبي، بدليل أن السوق استطاعت جذب العديد من الاستثمارات الأجنبية، وخصوصا في المشاريع الصناعية العملاقة، وقطاع الاتصالات. والسعودية أنهت منذ زمن ليس بالقصير إعداد بنيتها التحتية, وأقامت المؤسسات الاقتصادية والخدمية الداعمة للأنشطة الاستثمارية وهي ماضية في توسيعها وتحديثها أيضا, فيما يتزايد دخلها الوطني بمعدلات طيبة, سواء بفعل أسعار النفط أو بفعل عوائد القطاعات غير النفطية التي يشكل القطاع الخاص ثقلا نوعيا عريضا فيها. أما المجالات التي ينشدها الاستثمار على المدى الطويل, فدعنا نجملها بما أصبح يعرف باقتصاد المعرفة ذلك الذي يعنى بقواعد المعلومات والتقنيات الحديثة والاتصالات المتطورة بكل أشكالها والصناعات المساندة والدقيقة, الصناعات التحويلية وقطاع البترول ومصافيه والغاز وتحلية المياه والصناعات التجميعية وجهود استنباط صناعات وطنية خاصة, هذا علاوة على أن المستقبل لا يمكنه أن يستبعد استشارات دائمة ومواكبة ومطلوبة في كل حين كالعقار والإسكان وصناعة الغذاء والدواء والأثاث وغيرها من المواد والمستلزمات الاستهلاكية والخدماتية.
تبدو شيخ عبد العزيز متفائلا, فيما يذهب آخرون إلى أن النشاط الاقتصادي السعودي يعاني حالة من التراجع قياسا بالمفترض أن يكون عليه من نشاط عارم, هناك مَن يحيل أسباب ذلك إلى أن سوق الأسهم أكثر إغراء وأجدى ربحية وأسرع من قطاع الأعمال الأخرى, بل إن هناك مَن يرى أن رجال الأعمال أنفسهم ألقوا بثقلهم المالي في تجارة الأسهم.. فما تعليقك؟
أرجو أن أظل دائما متفائلا, لأن ذلك هو السبيل إلى أن أشحن نفسي بطاقة العمل, إنما لا يذهب ظنك إلى أن تفاؤلي نوع من الدعاية للطمأنينة أو بث الأحلام المجانية, فلو لم يكن نشاطنا الاستثماري الوطني حيويا وفاعلا لما ارتفع معدل نمونا الاقتصادي في مختلف مكوناته الحكومية والخاصة, ولما شهدت إقبالا من دول العالم تطرق أبوابنا ساعية إلى شراكة استثمارية, ولما سمعت وقرأت عن مشاريع وبرامج تنموية في الكهرباء والغاز والتحلية والإسكان والصرف الصحي علاوة على إنشاء مئات المدارس والمستوصفات والطرح المتتابع للشركات المساهمة للاكتتاب العام وليس صحيحاً أن ثقل أموال رجال الأعمال في تجارة الأسهم، لأن كلمة ثقل أمر مبالغ فيه, فهم ـ أولا ـ يعرفون حجم المخاطر التي تشكلها التعاملات مع سوق الأسهم, ليس هنا فحسب, وإنما في مختلف بورصات العالم, وثانيا, لأنك لا تسمع مثلا عن إفلاس أو كساد أو حتى تدني إنتاجية القطاع الخاص, بل العكس وبإمكان المراقب المحايد الاطلاع على إنتاجية هذا القطاع من خلال ما ينشر عن نتائج الشركات مواقع وزارة الصناعة والتجارة ووزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة الصناعة والهيئة العامة للاستثمار والغرف التجارية, على الإنترنت أو حتى في التقارير التي تنشرها, إنما هو في طور التنفيذ, وما هو قيدها, وما هو تحت الإعداد والدراسة كثير, كما أن معدلات إنتاج ونمو القطاع وزيادة صادراته, وحجم التوظيف للسعوديين فيه في تزايد مستمر يدحض ما يشاع عن هروب أموال رجال الأعمال لسوق الأسهم أو حتى للخارج, ولكي أكون منصفا, لا يعني هذا أن رجال الأعمال خارج لعبة سوق الأسهم فأنت تعلم أن الأسواق المحلية والعالمية يحركها صعودا ونزولا الطمع والخوف، نعم هم كغيرهم يصيبهم ما يصيب الآخرين, فيهم المستثمر طويل الأجل, وفيهم مَن يضارب, إنما في النهاية لا يشكل مجموع ثقلهم في سوق الأسهم خطرا على قطاع الأعمال السعودي على الإطلاق, ودع عنك مغامرين ومضاربين قلائل, هؤلاء تجدهم في كل البلدان والعبرة في الاستثمار سواء في سوق الأسهم أو غيرها أن يبنى على أسس أساسية Fundementals.
تعتبر "موبايلي" أول تجربة في المنافسة في سوق الاتصالات, هل تعتقد أن نجاحها شكل جذبا للآخرين, أم أن سياسة التخصيص هي التي تستدعيهم لاعتبارات أخرى؟
مع أنني أحب أن أفهم عبارتك الأخيرة "لاعتبارات أخرى" على أنها محاولة من الدولة لتيسير الخدمة ونشرها وتخفيض تكاليفها, إلا أنني أعرف أن سياسة التخصيص في بلادنا تستهدف بالأساس توسيع مجال المنافسة, هذا من ناحية, كما أن نجاح أداء وخدمات "موبايلي", رغم عمرها الوجيز في السعودية وإقبال الناس عليها, هو بالتأكيد عامل جذب وإغراء للشركات العاملة في المجال ذاته. هذا طبعا لا نأخذه على أنه يمثل تهديدا لنا في "موبايلي", وإنما على أنه زمالة حافزة للجميع لمنافسات نوعية في مختلف مجالات الخدمة الهاتفية. ونحن في شركة موبايلي كنا منذ البداية على دراية تامة بفتح قطاع الاتصالات الثابتة والمتحركة للمنافسة.
أنت رأست مجلس إدارة البنك العربي سنوات وعايشت تطور العمل المصرفي في ظل الشريك غير السعودي, وهناك دعوات ومقترحات بل وخطوات لإدخال بنوك أجنبية للسوق المحلية, ألا يشكل ذلك تهديدا لبنوكنا المحلية من ناحية, وربما تهديدا آخر لفرص وظيفية كانت متاحة أكثر للسعوديين وقد تضيق في المستقبل؟
إن أردت الصراحة, فهذا سؤال مزعج, لأنه ذو علاقة بموقفين يبدوان متناقضين, أو متناطحين, فمن جانب هو إجراء تمليه مستجدات تطور اقتصادنا الوطني وتطور الخدمات البنكية ومواكبة مستجدات الاقتصاد العالمي, ويأتي في مقدمتها, بالنسبة لبلادنا, الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية, التي بشكل ما تجعل من كل العالم سوقا مفتوحة للمنافسة وتمنع احتكار العمل.. ومن جانب آخر, السياسة الاقتصادية السعودية التي تسعى إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وأصدرت من أجله قانونا لتشجيعه, نحن هنا أمام "قادم" يملك شروط تلك المنظمة الدولية وأمام "مُستقبل" له هو الآخر شروطه التي يريد بها الخير لبلاده مع عدم الإضرار بمصالح مؤسساته القائمة بما فيها العاملون فيها. لكن هذا التناقض أو التناطح ستتوقف تأثيراته السلبية وتتعزز تأثيراته الإيجابية بناء على ما تتخذه مؤسسة النقد من تشريعات ولوائح وأنظمة تحفظ للمصارف الوطنية مكانتها ولا تقف حجر عثرة في الإفادة من القادم الجديد, ولكن قبل ذلك على بنوكنا نفسها أن تعمد إلى إيجاد آلية لتقوية مركزها المالي والخدمي والاستثماري سواء ذاتيا أو عن طريق الدمج, وكذلك السماح بإنشاء بنوك محلية جديدة تستوعب التلهف على الخدمات البنكية وتستقطب العملاء وتوثق علاقتها معهم قبل أن يستغل القادمون الذين قد يكونون أوسع وأقدم خبرة هذا الفراغ وهذه الندرة في عدد البنوك, وبالتالي سحب زبائن البنوك الحالية إذا لم تطور من هيكلتها وخدماتها وتعمق صلاتها في خدمة المجتمع. وفي رأيي أن فسح المجال لمزيد من البنوك سوف يشحذ المنافسة ويصب لصالح البنوك المحلية وعملاء البنوك وتوظيف السعوديين، وذلك لما للبنوك السعودية من خبرة طويلة وملائمة مالية جيدة، ومعرفة جيدة بأوضاع وعملاء السوق المحلية.
يظل رجل الأعمال, مدفوعا باستمرار, بفعل النجاح نفسه, وبفعل الأجواء الاستثمارية الواعدة, إلى التطلع للاستثمار في مجالات جديدة, وكما تعلمون طرحت الدولة مشاريع عديدة, أبرزها مدينة الملك عبد الله في رابغ ومحطتا الشعيبة لتحلية المياه وينبع وسكك الحديد وغيرها, هل لكم إسهام في هذه؟ أم أنكم تخططون للاستثمار في مجالات أخرى؟
رجال الأعمال دائما وأبدا في كل مكان, خصوصا حين تكون لهم خبرة وسمعة, يظلون مقصدا يبحث عنهم من يفكرون بإنشاء مشاريع كبيرة. ليس بالضرورة بقصد التمويل, فهذه مسألة يمكن تدبرها من خلال البنوك وبيوت المال, أو حتى ممن يريدون استثمار مدخراتهم وهم ليسوا ممن يعملون في قطاع الأعمال. إن أصحاب المشاريع يقصدون رجال الأعمال لأنهم يريدون أن يضموا خبرتهم وعملهم وسمعتهم إلى ما لديهم هم من خبرة وعمل وسمعة.
هذا هو الضمان لقيام المشاريع الناجحة وبالنسبة لرجال الأعمال السعوديين الذين برزوا, يجدون أنفسهم غالبا في عين أصحاب المشاريع عامة أو خاصة, لكن تبقى في النهاية خياراتهم هي الأساس وكلمتهم هي ما يقرر المضي للمشاركة في هذا المشروع أو ذاك, وهو ينطبق على زملائي الأعزاء في الميدان كما ينطبق عليّ شخصيا, ولذا فالتفكير في الإسهام والمشاركة في تبني الاستثمار في المشاريع التي ذكرت أو غيرها أمر طبيعي ونحن مستثمرون في بعضها, لكن كما تعلم كل شيء يعلن عن نفسه في حينه.