ألمانيا تسعى لإفساح المجال أمام مصادر الطاقة المتجددة

ألمانيا تسعى لإفساح المجال أمام مصادر الطاقة المتجددة

تستوعب حركة النقل والتدفئة ما يقدر بنحو ثلثي معدلات استهلاك الطاقة في ألمانيا. وعلى هذا فإن كل خطوة متقدّمة في تطوّر المحركات الأكثر فعالية وكفاءة والسخّانات المركزية الأكثر توفيراً، تُعد كلها مساهمة مهمة في الحفاظ على ميزانية الأسرة. وفي الوقت ذاته، يُساعد التقدّم التكنولوجي أيضاً في خفض الحاجة إلى مصادر الطاقة غير المتجددة مثل النفط والغاز، وتقليص الإصدارات الملوثة للبيئة، والتي تؤثر سلباً على المناخ وصحة البشر. أما قطاع الصناعة فيعتبر ثالث أكبر مستهلك من حجم الطاقة الرئيسية.
وإذا كانت لا بد أن تحقق مساهمة في حماية المصادر وتحسين المناخ، عندها من المفترض أن تعمل هذه الصناعة على تحسين فعالية الإجراءات المُتخذة، أو تطوير مصادر الطاقة المتجددة إذا أمكن ضمن تكنولوجيا مبتكرة. وبالفعل تم اتخاذ خطوات عملية في كلا الطريقين خاصة مجال تكنولوجيا الطاقة المتجددة، ولكن يبقى السؤال: متى تكون تلك المصادر قادرة على حمل جزء من عبء إنتاج الطاقة الكهربائية مثلا؟ وماذا سيكون حجم تكلفة إنتاج الطاقة بهذه الطرق؟
يبلغ حجم مساهمة إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة في ألمانيا اليوم نحو 10 في المائة، وتمثل طواحين الهواء البالغ عددها نحو 17 ألف القسم الأكبر منها، ويتبعها مباشرة طاقة المياه المستخدمة منذ مئات السنين. وكلاهما معاً يغطيان نحو 77 في المائة من سوق الطاقة البيئية. والباقي يتوزّع بين المخلفات الحيوية، والكهرباء الضوئية.
وتتمكن طاقة المياه فقط من بين هذه الأساليب من إثبات نفسها في غمرة المنافسة مع التقنيات الموجودة في محطات توليد الطاقة الكهربائية، وباقي الأساليب الأخرى يتم دعمها عن طريق دفع أسعار ضمانة وفيرة قياسية من المجتمع الموحّد لمستهلكي الطاقة. وفي العادة يمكن تطوير تلك الوسائل عبر فترة من الزمان تُقدّر بنحو 20 عاماً مع توفير الأموال اللازمة للتطوير وتحقيق المزيد من الفعالية.
ولكن ما المساهمة التي يمكن أن تحققها مصادر الطاقة المتجددة مستقبلاً؟ لا يزال هذا أمراً خاضعاً للجدال، حيث ترى بيانات الجدوى للسياسة والتوقعات العلمية أن حصة تلك المصادر في عام 2020 ستتراوح بين 20 و25 في المائة. وتكمن ثقة كبيرة بوجود قدرة كامنة كبيرة بالأخص في المواد الحيوية، والفرصة في صنع مصادر طاقة غازية وسائلة ناتجة عن المواد النباتية الجديدة، مثل الإيثانول من الحبوب وغاز الميثان من مواد السماد السائلة. وبما أن هذه المواد الحقلية قادرة على تشغيل محركات السيارات وجلب الدفء لقنوات الشقق السكنية، ويبقى جزء ضئيل من هذا الحصاد لسوق الطاقة الكهربائية. ولهذا، إذا أردنا بالفعل تحقيق الهدف، فعلينا أن نطوّر حصة توليد الطاقة عن الطواحين الهوائية أكثر. وتبقى الطاقة الضوئية، والتي تسهم اليوم بنحو 0.2 في المائة من سوق الطاقة البيئية، بعيدة عن الانتظار أي مساهمات ذات قيمة مذكورة، بعكس الأحجام الكبيرة التي تدعمها التقنيات الطموحة في هذا المجال.
وفي خضم كل هذا الحديث لا بد من التأكيد على ضرورة الاعتماد على الفحم وعدم التخلي عنه كمصدر رئيس من مصادر توليد الطاقة في ألمانيا. وتظهر الحاجة ماسة للغاية إلى المزيد من محطات توليد الطاقة عن طريق حرق الفحم، حيث لا بد من إنشاء نحو 50 منشأة كبرى خلال 20 عاماً المقبلة بإنتاجية تُقدّر بنحو 40 جيجا وات، وخاصةَ بهدف استبدال محطات توليد الطاقة القديمة.
وبالفعل يشاع نبأ منذ بضعة أيام في الوسط الإعلامي، بأن المرء قادر على بناء محطات توليد الطاقة في المستقبل خالية من إصدار ثاني أكسيد الكربون. ولكن لا بد من الحذر هنا، حيث لا تزال هذه التقنيات الضرورية المُتحدّث عنها في مراحلها المبكرة، ولا يمكن أن يقوم هذا النوع من المنشآت الاقتصادية قبل عام 2020. ومن ناحية أخرى، فمع هذه الوسائل المسؤولة عن فصل ثاني أكسيد الكربون للتغيّر البيئي لا يمكن التخلّص منه بأي شكل من الأشكال. وفي النهاية لا بد من خزنه، وإلى الأبد إذا أمكن، وبالتالي تحافظ تقنية محطات توليد الطاقة التقليدية على المدى القريب على لعب دور بارز في إنتاج الطاقة. والأهم من هذا، تحسّن الفعالية، والتي يتم تحقيقها عن طريق محطات توليد الطاقة الحديثة الحارقة للفحم البني والفحم الحجري.
وبهذه الطريقة تصل محطات توليد الطاقة الحارقة للفحم الحجري إلى درجة من الفعالية تُقدّر بالمعدل نحو 45 في المائة، بينما تبلغ نسبة الفعالية لدى محطات توليد الطاقة عن طريق الفحم البني نحو 43 في المائة. وبالتالي، تسجّل حصيلة الوقود منها نحو 30 في المائة أعلى من المنشآت الحالية. وبناءً على هذا، تنخفض إصدارات غاز ثاني أكسيد الكربون. وإذا أردنا تحقيق هذا التأثير المناخي عن طريق طواحين الهواء، فلا بد من تخصيص إنتاجية مراوح الهواء بحجم يبلغ نحو 35 ألف ميجا وات. وللموازنة ما بين الإنتاج المتعلّق بالعرض، والإنتاج المتوقّف على الطلب، لا بد من بناء مخزّنات لطاقة الرياح إضافية وضخمة.

الأكثر قراءة