الجور على البيئة ظاهرة مجتمعية مطلوب مواجهتها
طرحت "الاقتصادية الإلكترونية" استفتاء تساءلت فيه عن أبرز مظاهر الجور على البيئة التي كانت مشاهدة للعيان خلال إجازة الربيع التي ودعتنا قبل أيام معدودة ودفعت بعدد كبير من العائلات إلى اللجوء إلى المتنزهات البرية والرياض الخضراء التي ازدانت بالعشب والأزهار قبل أن يطأها الإنسان ليغيرها كلية ولتصبح تلك المساحات الخضراء والمتنفس الأوحد لغالبية السكان ممتلئة بالفضلات ومسكونة بالمخلفات ناهيك عن أشكال مختلفة من جور الإنسان على بيئته التي يعيش فيها، والتي تقف دول العالم كلها مصطفة في خندق واحد لحمايتها، فيما لا يزال بعض الأفراد غير مضطلعين بمسؤولياتهم تجاه الكوكب الذي يمر بمحنة التغير المناخي، فهم دون أدنى شعور بالمسؤولية أو إحساس بالآخر يستمرون في غيهم على أرضهم وبكل ما أوتوا من قوة.
#2#
87 في المائة من القراء الذين شاركوا في الاستفتاء أكدوا أنهم رأوا على الأقل مظهرا واحدا شكلت فيه يد الإنسان أداة تخريب، وهم مثلوا ما يفوق الـ 1300 قارئ أي أن هناك - على أقل تقدير - ما يماثل هذا العدد من مظاهر التعدي على البيئة.
علي الحارث طرح مثالا وقال: "بالأمس كنت موجودا في شاطئ الخبر وبكل أسف لم أستطع الجلوس في معظم الأماكن هناك، لأن من سبقني كان قد ملأها بالنفايات" وأضاف "إذا لم ينبع العلاج من الأسرة، فلن تكون هناك معالجة لهذا الوضع المزري، فرب الأسرة يجب عليه مطالبة جميع من معه بتنظيف المكان من المخلفات قبل مغادرته، لم تخصص سلال رمي النفايات لتبقى فارغة، عمال النظافة يقومون بدورهم ولكن ما هو دورنا؟!
"حسن الحاتم" قال بحسرة، ما عليك سوى النظر إلى الأماكن الترفيهية والمتنزهات في جدة صباح يوم الجمعة، حيث تكون أغلب العائلات قد قضت يوم الخميس فيها لترى ما لا يخطر لك على بال، نعم في لحظات كتلك يخيل إليك أن المكان مخصص أصلا لرمي النفايات والقاذورات.
هذا الطرح تكرر من عدد من القراء، وهو يظهر بوضوح أن المشكلة توعوية وأن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق الأفراد فهم من يباشرون التعدي على تلك الأماكن، رغم ما أشار إليه البعض من تصرف قلة قليلة على نحو مسؤول".
جميل لم يكن موافقا على هذا فقال ما مضمونه، البشر يبقون بشرا وهم لم يخلقوا ملائكة، وعدم توفير سبل كافية لهم لن يجعلهم يتصرفون بمثالية نعرف أنها غير موجودة، وطرح مثالا وقال: "كنت في منطقه بحرية يتجمع فيها الناس ويخيم فيها البعض للظفر بلحظات من الراحة بعيدا عن العمل فما وجدنا إلا حاوية واحدة وهي بالطبع بعيدة نسبيا عن أكثر المتنزهين، فحري بنا ألا نتوقع حينها أن يتصرف الناس على نحو مثالي فهم سيرمون بكل ما لديهم من مخلفات على الشاطئ عمدا أو كسلا".
عبد الله روى قصته وقال: "في مدينة الدمام وتحديدا ضمن حي النورس السكني خُلق لدينا مجمع للنفايات، فالشركة التي تعمل في مشروع الصرف الصحي أصبحت تضخ المياه في الأراضي غير المسكونة رغم قرب البحر، ما أدى إلى تجمع الحشرات بشكل كبير".
القارئ نفسه عاد للمشاركة ليقول: "لا حياة لمن تنادي، نستمر في المناشدة والمطالبة، ولكن لا أحد يسمع، فهل نلوم الناس على أوراق تطير في الهواء؟"
سعيد جبران أعاد نفس القصة التي رواها عبد الله، ولكن بشكل مختلف، يتساءل الإنسان في نفسه، ما الذي قد يمثله التزامه الحضاري والأخلاقي تجاه البيئة ونظافتها والحفاظ عليها في ظل تجاوزات منظمة تفسد بأضعاف مضاعفة وقال: "بحق! أرغب في التصويت والمشاركة، ولكن الحياء يمنعني إذ هل يجوز لواحد مثلي أن يشارك في هذا النقاش، فيما هو يقطن على بعد كيلو ونصف من أكبر بحيرة مجاري في العالم.. المسك وما أدراك ما المسك".
وبنفس الطريقة قال عبد الله الغامدي: "أكبر ملوث للبيئة هي البلديات التي تقطع أشجار الغابات في بعض المناطق وتحول مجاري السيول وتخطط عشوائياً".
خالد الناصر أيضا هوّن من الأخطاء الفردية وقال: "أكبر الملوثات التي تهدد مدينة كالرياض مثلا مصانع الأسمنت التي تقع في أطرافها التي تضخ مع فجر كل يوم جديد أطنانا من الدخان الملوث".
بعض القراء أشار إلى أن هذه الطريقة في النظر للأمر انهزامية إلى حد ما وتبعية للغوغاء، وذكروا قائلين، أو ليس الرسول الكريم نبهنا إلى هذا حين قال: "لا يكن أحدكم إمعة، إن أحسن الناس أحسن وإن أساؤوا أساء".
أحمد الغصن بين أن للمشكلة جذورا أخرى لخصها على شكل نقاط فقال: "انعدام الوعي لدى كثير من الناس بأهمية المحافظة على البيئة، وعدم اهتمام الوافدين بنظافة تلك الأماكن وانعدام المواطنة لدى كثير من المواطنين، والتقصير من بعض الجهات المسؤولة عن تلك الأماكن وعدم الاهتمام الإعلامي الكافي بتلك المخالفات، وفقدان المراقب الواعي الذي يحاسب المخطئ".
وبقصتين تكشفان عن الثقافة الفردية تجاه البيئة اختتم الحوار، ماجد إسماعيل طرح قصته وقال: "بالتزامن مع قمة كوبنهاجن لمواجهة التغير المناخي كنت وأسرتي نستمتع بقضاء يوم قرب مطار الملك فهد في الدمام والمعروف لدى سكان المنطقة الشرقية ببر المطار، وبكل استهتار قام رب إحدى الأسر بإشعال إطار سيارة ما أدى إلى تكوين سحابة كثيفة من الدخان الأسود دون أن يراعي صحة أسرته أو باقي الأسر الموجودة، وهذا المخرب الجاهل بالتأكيد لا يعرف أن لفعلته هذه عقوبة، فهو أمن فأساء الأدب ".
قارئ آخر طرح قصة وقال، في حي النسيم في الرياض قام شخص بإحراق سيارته عمدا لأنه يرى هذا حلا لمشكلة شخصية، حضرت سيارات الدفاع المدني وباشرت عملها، وأضاف القارئ تساءلت على مسمع من مجموعة بقربي ما هي عقوبة هذا الشخص وعلام ينص القانون تجاه جريمة بيئية كهذه؟ باتفاق غريب أجابني الجميع بأنه لا عقوبة عليه!، فقلت: والدخان الملوث الذي سوّد واجهات البيوت المجاورة وحمل الأمراض إلى رئة هذا وقلب ذاك.
وأيا كانت العقوبة التي واجهها ذلك الشخص الذي حل مشكلته على حساب الأطفال والمرضى والبيئة قبلهم، فنظرة أفراد المجتمع تجاه الإضرار بالبيئة تنبئك عن شكل تصرفهم تجاهها.
* "هذه المادة منتقاة من "الاقتصادية الإلكترونية" تم نشرها اليوم في النسخة الورقية"