احترس من تقلبات الدولار!
توقع كثير من تجار العملة قبل نحو عام من الآن حدوث انخفاضا في قيمة الدولار بسبب العجز الكبير في ميزان المدفوعات الأمريكي. ولكن النتيجة جاءت مختلفة تماما فبدلا من انخفاض قيمة الدولار إذا به يرتفع ارتفاعاً كبيراً مقابل اليورو والعديد من العملات الأخرى. أما الآن فإن الدولار يقف بالفعل على أعتاب انخفاض وذلك وفق توقعات يورج إيسلمان رئيس قسم تداول العملات الصعبة في بنك BHF في فرانكفورت.
ويتحدث إيسلمان عن أسباب ذلك قائلا: "أولاً لأن الرئيس الأمريكي مستنفد سياسيا، فبوش شعبيته ضعيفة داخليا إضافة إلى وجود مشاعر معادية لأمريكا في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. يضاف إلى ذلك أن الصين تثير أعصاب الأمريكيين بسياساتها النقدية، كما تطورت في هذه الأثناء أقطاب متعارضة، ما يحد من قدرات الحكومة الأمريكية على المناورة، وهذا كله يشكل ضغطاً على الدولار.
الشيء نفسه ينطبق كذلك على العجز المزدوج في الموازنة العامة وفي التجارة الخارجية، فأمريكا في طريقها هذه السنة لتسجيل رقم قياسي في عجز ميزان المدفوعات الذي سيبلغ مستوى قياسيا هذا العام يقدر بمليار دولار، وهو ما يشكل 7 إلى 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ولتوفير التمويل اللازم في هذه الحالة لا بد من استقطاب أموال من الخارج، وهذا يحد مرة أخرى من قدرة السياسة الأمريكية على المناورة، حسب وجهة نظر هذا الخبير في شؤون النقد.
وثالثاً ستشهد المرحلة المقبلة تراجعاً في تصدر الدولار أسعار الفائدة، أما خلفيات هذا التقرير، فهي أن من المتوقع من البنك المركزي الأوروبي أن يرفع أسعار فائدته الرئيسية خلال السنة الحالية من 2.5 إلى 3 أو 3.25 في المائة. ومن الناحية الثانية فإن دورة أسعار الفائدة في أمريكا بلغت ذروتها، حسب تقديرات إيسلمان، وهو يتوقع ظهور دلائل على ذلك عقب اجتماع لجنة السياسات النقدية، حيث سيعلن البنك المركزي الأمريكي وللمرة الخامس عشرة عن رفع أسعار الفائدة الرئيسية من 4.5 إلى 4.75 في المائة، ولكن ستتم في الوقت نفسه الإشارة في بلاغ البنك إلى أن الجلسة المقبلة التي ستعقد في أيار (مايو)، وحسب تطورات الاقتصاد في هذه الأثناء قد تحجم عن اتخاذ أية خطوة إضافية بشأن أسعار الفائدة، وبهذا تكون ذروة أسعار الفائدة في أمريكا قد تحققت أو كادت، وفقاً لتقديرات إيسلمان الذي يعمل منذ 25 عاماً في بنك BHF، الذي يعتبر أحد أبرز المؤسسات العاملة في مجال الاتحاد بالعملات الصعبة في فرانكفورت.
كان ثمة إجماع مطلع العام على أن من المتوقع أن يقع الدولار بوضوح في النصف الثاني من العام الجاري تحت ضغوط شديدة لتخفيض قيمته. ويعتقد إيسلمان أن من المحتمل حدوث ذلك في وقت مبكر. ويشير إيسلمان من بين أشياء أخرى إلى إعلان البنك المركزي في الياباني في مطلع آذار (مارس) الماضي عن نيته تقليص جزء من سيولته النقدية، وسيؤدي هذا التوجه في السياسة النقدية إلى رفع قيمة الين. غير أن كثيراً من التدخلات جرت منذ هذا الإعلان للحيلولة دون حدوث ذلك ولإتاحة الفرصة أمام المنشآت اليابانية لاتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة. ومع نهاية العام المالي الياباني تكون هذه التدخلات قد استنفدت فاعليتها، ما يتيح الفرصة لرفع قيمة الين وتخفيض قيمة الدولار، وسيؤدي ذلك بشكل عام إلى الضغط على الدولار.
والسؤال الآن هو: ماذا يعني ذلك بالنسبة للمستثمر العادي؟ يجيب إيسلمان بالقول: "التسلح بأقصى درجات الحذر"، حيث إن تقليص السيولة وارتفاع قيمة العملة يحملان في طياتهما مخاطر جسيمة من المحتمل أن تؤدي إلى خسائر كبيرة في البورصة. ويمضي إيسلمان قائلاً: "إن العملات ذات أسعار الفائدة المرتفعة، مثل الكرونا الآيسلندية والدولار الآيسلندي ذاقت مرارة ذلك".
ويرى إيسلمان أيضاً أن أسواق الأسهم والقروض الأمريكية معرضة كذلك لخطر النكوص، خصوصاً عندما يقدم المستثمرون الأجانب على سحب أموالهم نتيجة ضعف الدولار. ويقول: "إن على المستثمر باليورو أن يأخذ في الحسبان منزلقين خطيرين: احتمال حدوث خسائر في أسواق الأسهم والقروض، واحتمال فقدان الدولار بعضا من قيمته. وبالتالي فإن على كل مستثمر أن يفكر جيداً فيما إذا كان يريد أن يبقى مستثمراً في منطقة الدولار".
أما في حالة حدوث أزمة، وهو ما لا يعتبره احتمالاً وارداً، يرى إيسلمان أن الدولار يمكن أن يتعرض للانهيار فترتفع عندها قيمة اليورو لتصبح 1.40 إلى 1.45 دولار. وهو يرى أن الأكثر احتمالاً من هذا هو حدوث تطور منتظم في أسواق العملات الصعبة، بحيث يمكن أن ترتفع قيمة اليورو حتى نهاية هذا العام من 1.21 إلى 1.30 دولار.