تقاسم الألم
حين تكون الظروف صعبة يميل كثيرون إلى الاعتماد على بطاقاتهم الائتمانية لبعض الوقت. وحين تقع الاقتصادات في الركود تسمح كثير من الحكومات لعجز الميزانية بالاتساع من أجل دعم الاقتصاد في الأوقات الصعبة.
وعلى الرغم من أن هذا يبدو استراتيجية معقولة، إلا أن حالات العجز في عديد من الدول زادت بصورة كبيرة وسريعة للغاية خلال الأزمة الاقتصادية في الأشهر الـ 18 الماضية أو نحو ذلك, بحيث إنه من المتفق عليه عموما الآن أنه ستكون هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات تصحيحية في الأجل المتوسط, فلا يمكن أن تستمر حالات العجز البالغة 10 في المائة أو أكثر من الناتج المحلي الإجمالي فترة طويلة، لا سيما حين يؤدي قلق الأسواق إلى رفع تكلفة خدمة الديون المتنامية.
وتفسر ضغوط السوق سبب زيادة أهمية حالات العجز في جنوب أوروبا. فقد شهدت اليونان والبرتغال على وجه الخصوص زيادة حادة في تكلفة التمويل، وشكك بعض المستثمرين في قدرتهما على تجديد ديونهما. إلا أن حالات العجز ستكون في مركز الصدارة في حملة الانتخابات البريطانية المقبلة، وفي أمريكا شنت حركة ''حفلة الشاي'' الاحتجاجية حملة شعبية ضد ارتفاع الإنفاق الحكومي.
ليس هناك قاعدة مطلقة تبين أن حالات العجز أو الديون العامة مرتفعة جدا نسبة إلى حجم الاقتصاد. فقبل الأزمة كان من المتفق عليه بالإجماع عموما أن الديون العامة للدول الغنية قد تصل إلى 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي دون أن يشكل ذلك خطرا عليها. لكن على الرغم من أن ديون اليابان تجاوزت ناتجها المحلي الإجمالي لسنوات عديدة، إلا أن الحكومة لم تشهد أزمة تمويل، ولعل ذلك لأن فيها عددا كبيرا من المشترين المحليين المستعدين لشراء سنداتها. لكن حين تفقد الأسواق الثقة بالاستقامة المالية للحكومة، قد تنشأ أزمة بسرعة كبيرة، ما يجبر الدول على اتخاذ قرارات سياسية مؤلمة.
ومن الواضح أن النمو الاقتصادي يجعل حياة صنّاع السياسة أسهل بكثير. فالنمو يقلل حالات العجز تلقائيا عن طريق زيادة الإيرادات الضريبية وخفض الإنفاق على إعانات البطالة وما إلى ذلك. ومع نمو الاقتصاد، تنخفض حالات العجز وتصبح الديون أكثر استدامة، ما يخفف عبء التصحيح ويطمئن المستثمرين.
لقد تعافت الدول من أعباء الديون الضخمة في الماضي، وغالبا ما كان ذلك في أعقاب الحروب، حين كان يتم توجيه الرجال والموارد إلى العمل الإنتاجي بدلا من القتال. وحين يتعامل السياسيون مع مشكلات العجز اليوم، من الضروري أن يختاروا سياسات تعزز آفاق النمو طويل الأجل. وسيكون لديهم عديد من الفرص: في عديد من الدول مثلا، من المفترض منذ زمن طويل أن تتم زيادة سن التقاعد القانونية وتنفيذ إصلاحات أخرى تجعل أسواق العمل أكثر مرونة.
ومع ذلك، من غير الحكمة الافتراض أن حدوث نمو سريع وطويل أصبح أمرا وشيكا في عديد من الاقتصادات الغنية. فمن المرجح أن يكون النمو بطيئا بسبب شيخوخة السكان أو تقلص أعدادهم. كما إن النمو يكون عادة ضعيفا في أعقاب الأزمات المالية. ففي كتاب جديد حول الديون السيادية، وهو This Time is Different، تستنتج Carmen Reinhart من جامعة ماريلاند وKenneth Rogoff من هارفارد أن ''الأدلة لا تدعم وجهة النظر القائلة إن الدول تتخلص من ديونها حين تنمو''.
وهكذا، إذا لم يحدث تخلف عن سداد الديون أو تخلف ضمني من خلال التضخم، لا يتبقى سوى وسيلتين لسد العجز: إما خفض الإنفاق وإما زيادة ما يدفعه دافعو الضرائب. وسيتمحور عديد من المعارك السياسية في السنوات القليلة المقبلة حول هذه الخطوط، حيث سيكون دافعو الضرائب أحد أطراف الصراع فيما سيكون المستفيدون من الإنفاق العام الطرف الآخر. وستكون إحدى المعارك الوشيكة بين دافعي الضرائب والعاملين في القطاع العام. وفي بعض الدول، سيتم اعتبار أحد الأحزاب بوصفه يمثل دافعي الضرائب (حزب المحافظين في بريطانيا والجمهوريين في أمريكا) فيما سينظر إلى الحزب الآخر باعتباره يمثل العمال (حزب العمل والديمقراطيين على التوالي).
وستكون هناك معركة أخرى أيضا بين الأجيال. ففي أمريكا، تعد أكبر الضغوط متوسطة الأجل على الميزانية هي المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية للمسنين. وقد يخفف العجز الكبير الألم الاقتصادي على المدى القصير لكنه قد يرهق الجيل المقبل بعبء ارتفاع الضرائب ومدفوعات الفائدة الذي يضعف النمو. وهذه المعارك متشابكة أيضا: فدافعو الضرائب يمولون المعاشات التقاعدية لموظفي القطاع العام، التي هي أكثر سخاء وأكثر قابلية للتنبؤ إلى حد كبير منها في القطاع الخاص.
ستختلف نتيجة هذه المعارك من دولة إلى أخرى. ويملك كلا الجانبين أسلحة فاعلة, فكثير من أكبر دافعي الضرائب هم من الجهات المانحة السياسية ولديهم علاقات بأشخاص في السلطة. وإذا تم تجاهلهم قد يحزمون أمتعتهم ببساطة وينتقلون إلى منطقة أكثر ودية. وفي فرنسا على وجه الخصوص، هناك أعداد كبيرة من موظفي القطاع العام, إضافة إلى المستفيدين من الخدمات العامة. ولا شك أنهم أكثر تنظيما، عبر نقاباتهم، وهم أيضا من الجهات المانحة السياسية. وكما أثبت العمال الفرنسيون كثيرا، يمكن لنقابات القطاع العام ترهيب الحكومات بالإضرابات والمظاهرات. ويحاول إخوانهم اليونانيون تقليدهم.
الحجج المؤيدة للتخفيضات
تظهر التجارب أن على الحكومات التركيز على خفيض الإنفاق بدلا من زيادة الضرائب. فقد خلصت دراسة للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية عام 1996 إلى أن ''التعديلات المالية التي تعتمد أساسا على خفض الإنفاق وفاتورة الأجور الحكومية أمامها فرصة أفضل للنجاح كما أنها توسعية. وعلى النقيض من ذلك، فإن التعديلات المالية التي تعتمد أساسا على زيادة الضرائب وخفض الاستثمار العام لا تدوم عادة وتكون انكماشية''. ووجد بحث أجراه Antonio Afonso من البنك المركزي الأوروبي وDavide Furceri من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن زيادات الإنفاق الحكومة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ترتبط عادة بالنمو الاقتصادي الأبطأ. واستنتجت دراسة نشرها معهد Policy Exchange الفكري البريطاني من يمين الوسط أن دمج الديون الناجح يركز بنسبة 80 في المائة على خفض الإنفاق.
لقد كان بعض أكثر برامج خفض العجز نجاحا مصحوبة بانخفاض التضخم ومعدلات الفائدة. وساعد هذا على تسهيل انتعاش الاقتصادات ودعم التأييد الانتخابي للحكومات. إلا أن التضخم منخفض أصلا اليوم، وكذلك عوائد السندات لمعظم الدول, لذا فإن خفض الإنفاق قد لا يجلب منافع كبيرة من الأسواق على شكل أسعار فائدة أكثر انخفاضا, إلا أن فكرة أنه قد لا يتم خفض الإنفاق ربما تجلب مساوئ على شكل أسعار فائدة أعلى.
لكن خفض الإنفاق العام مهمة شاقة, فالإنفاق على الرفاه الاجتماعي يرتفع تلقائيا خلال فترات الركود؛ ومدفوعات المعاشات التقاعدية تستمر في النمو مع شيخوخة السكان. وقد استغلت الدول الغربية نهاية الحرب الباردة لخفض ميزانيات الدفاع في التسعينيات، لكن بالنظر إلى استمرار العمليات العسكرية في أفغانستان وتهديد الإرهاب، من الصعب تصور إجراء مزيد من التخفيضات الكبيرة. ومن الصعب أيضا تصور المكاسب السهلة لمرة واحدة من خلال خصخصة الصناعات الكبيرة التي بدأتها بريطانيا في الثمانينيات تحت رئاسة مارجريت ثاتشر.
وسيوفر وعد باراك أوباما بتجميد الإنفاق التقديري (باستثناء الإنفاق على الدفاع والأمن القومي) مبلغ 250 مليار دولار على مدى عشر سنوات - ليس بالمبلغ الكبير حين تكون حالات العجز السنوية تبلغ تريليون دولار أو أكثر. لذلك ستضطر الحكومة إلى معالجة مجالات أكثر حساسية على الصعيد السياسي. ومن المرجح أن تشكل التغييرات على الضمان الاجتماعي (المعاشات التقاعدية)، التي هي ليست جزءا من الإنفاق التقديري، جزءا من أي إصلاح مالي في أمريكا. وإذا فاز المحافظون بالانتخابات البريطانية، ربما يغيرون أهلية الحصول على مدفوعات الرعاية الاجتماعية.
لقد حاصر عديد من الحكومات نفسها عن طريق مكافأة مؤيديها بالوظائف أو الإعانات, ففي اليونان، وصل الحزب الديمقراطي الجديد اليميني إلى السلطة عام 2004 بناء على تعهده بتحرير الاقتصاد. وحين ترك المنصب عام 2009، كان لديه عدد أكبر من موظفي الخدمة المدنية من العدد الذي كان حين بدأ. وتؤدي عادة استراتيجية ''جمع العملاء'' هذه إلى حضور أكبر للدولة في الاقتصاد، حيث يزيد عدد المواطنين الذين ينفقون على الحكومة للحصول على العمالة والدخل. ثم يصوت هؤلاء الأشخاص لمصلحة الوضع الراهن. وقد يتطلب الأمر حدوث أزمة لإجبار الحكومات على التصرف بطرق تضر بمؤيديها الأساسيين.
وحين تحدث الأزمة، تصر الأسواق عادة على تخفيض النفقات العامة كنوع من اختبار قوة وشجاعة الحكومة. وتقول Reinhart وRogoff في بحث جديد: ''تضطر حتى الدول الملتزمة بسداد ديونها كاملة إلى تشديد السياسة المالية بصورة كبيرة من أجل أن تبدو ذات مصداقية بالنسبة إلى المستثمرين, وبالتالي تقليل علاوات المخاطر''.
وهكذا ربما تجد الحكومات أن قراراتها السياسية مدفوعة بالحاجة إلى إبقاء الأسواق إلى جانبها. وهذا هو السبب في كون الخيار واضحا جدا بالنسبة إلى دول جنوب أوروبا، المرتبطة بمنطقة العملة الموحدة. فلم تعد تلك الدول تملك خيار خفض قيمة عملاتها، الذي لجأت إليه عدة مرات في الماضي. ولم يعد بوسعها أيضا الجمع بين السياسة المالية المتشددة والسياسة النقدية المتساهلة، لأنها لا تسيطر على السياسة النقدية.
الناخبون أم الدائنون؟
إذا كانت التخفيضات مؤلمة جدا، قد تكون الحكومات غير مستعدة لتحمل التكلفة السياسية لفرضها. والمثال الكلاسيكي على ذلك حدث عام 1931، حين كانت بريطانيا تحاول أن تظل على معيار الذهب. وقد قيل لحكومة حزب العمال حينها إن تخفيضات عجز الميزانية، خاصة إعانات البطالة، ضرورية لتهدئة الأسواق؛ وإلا ستنفد احتياطات الذهب لبنك إنجلترا في غضون أسبوعين. وانقسمت الآراء في مجلس الوزراء. وتولى Ramsay Macdonald، رئيس الوزراء، تحالف (معظمه من المحافظين) وهو يتعرض لانتقادات في أوساط السياسيين منذ ذلك الحين. وبعد كل هذا الجهد، فشلت خطة التقشف وتركت بريطانيا معيار الذهب في غضون أشهر.
وينظر إلى حادثة عام 1931 في تاريخ حزب العمال باعتبارها ''منحدر المصرفيين'' الذي حاول فيه الممولون دفع الحكومة إلى الإضرار بالفقراء. وقد تميل الحكومات المعاصرة أيضا إلى تحميل ''المضاربين''، وهي فئة تشمل الجميع من المصرفيين إلى مديري صناديق التحوط، مسؤولية أخطائها. ويبدو أنه من الصعب على السياسيين تقبل الفكرة القائلين إن الدائنين قد يشعرون بالقلق من قدرة الحكومات على سداد ديونها - وبالتالي يصرون على رفع أسعار الفائدة. وفي المنتدى الاقتصادي في دافوس في كانون الثاني (يناير)، قال رئيس وزراء اليونان، George Papandreou: ''هذا هجوم على منطقة اليورو من قبل بعض المصالح الأخرى، سواء سياسية أم مالية، وتتم عادة استخدام الدول باعتبارها الحلقة الضعيفة، إذا شئتم، من منطقة اليورو''.
ومع ذلك، وافقت الحكومة اليونانية على ضرورة تخفيض العجز. وفيما يتعلق بسياسة تخفيض العجز، لدى Papandreou بعض المزايا الحاسمة: تشير استطلاعات الرأي إلى أن اليونانيين يوافقون على ضرورة التقشف؛ وقد حقق فوزا انتخابيا كبيرا العام الماضي؛ والمعارضة تدعمه؛ ولدى حزبه، حزب Pasok، علاقات قوية مع النقابات العمالية. وقد يكون من الأسهل على حزب يساري تحقيق تخفيضات الميزانية.
وقد يفسر التماسك الاجتماعي الداعم نجاح التشديد المالي في السويد بعد الأزمة المصرفية في أوائل التسعينيات, فقد حولت حكومة الحزب الديمقراطي الاجتماعي عجز الميزانية البالغ 9.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 1994 إلى فائض يبلغ 1.2 في المائة بحلول 1998. وانخفض الإنفاق بنسبة تزيد على خمس نقاط مئوية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي وارتفعت الإيرادات الضريبية بالنسبة نفسها تقريبا. وبلغ متوسط النمو 3.2 في المائة في الأعوام 1994-98 وكان معدل البطالة أقل في النهاية عما كان عليه في البداية - وهي نعمة سياسية واقتصادية بالتأكيد.
ويمكن للسياسة داخل الحكومة مساعدة أو عرقلة تخفيض العجز. فقد كان لكندا ثلاث محاولات فاشلة في تنفيذ إصلاحات مالية قبل أن يتم كشف النقاب عن برنامج تقشف ناجح في ميزانية الحزب الليبرالي عام 1995. وتمت عرقلة الجهود السابقة من قبل دوائر حكومية. وفي المحاولة الرابعة، تم تشجيع الدوائر على اقتراح تضحيات - وقيل لها إنه سيتم تخفيض الميزانيات بنسبة 10 في المائة في جميع المجالات إذا لم توافق. وتم إجراء تخفيضات في عديد من المجالات، بما في ذلك الدفاع والإعانات الزراعية وإعانات البطالة. وتم تحويل عجز الميزانية البالغ 6.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 1994 إلى فائض صغير عام 1997.
وقد تكون الزيادات الضريبية، خاصة على الأشخاص الأكثر ثراء، ضرورية من الناحية السياسية لضمان القبول الشعبي بأنه يتم تقاسم الألم. إلا أن الزيادات الضريبية الكبيرة ربما تسبب أضرارا اقتصادية. وفي التسعينيات، كانت أكثر قصص النجاح البارزة مرتبطة بدول خفضت الضرائب من أجل اجتذاب الأعمال ورأس المال. فقد كانت نسبة الضرائب على الشركات في أيرلندا، التي أصبحت تعرف باسم النمر الكلتي بسبب معدلات نموها، تبلغ 12.5 في المائة واختارت عدم زيادتها حين خفضت الإنفاق العام الماضي.
لقد كانت الضرائب على الشركات تسير باتجاه تنازلي حاد خلال الـ 30 عاما الماضية. فقد وجد مسح أجراه Robert Carroll من الجامعة الأمريكية في واشنطن العاصمة أن أعلى معدل في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (باستثناء أمريكا) انخفض من 51 في المائة في أوائل الثمانينيات إلى 32 في المائة بحلول عام 2009. وإذا كانت الضرائب المنخفضة تجتذب الشركات، فإن هذه الشركات ربما تنسحب إذا ارتفعت المعدلات.
وفي الماضي، اشتكت الحكومات الأوروبية التي تفرض ضرائب مرتفعة من المنافسة من دول مثل أيرلندا؛ وقد تؤدي الأزمة الحالية إلى مزيد من الدعوات لتنسيق السياسات الضريبية. وفي الواقع، ستزيد عديد من الدول الضرائب بشكل متزامن، الأمر الذي قد يقلل إغراء نقل الأعمال بالنسبة إلى الشركات. ويعتمد الكثير على المجالات التي تبدأ فيها الدول؛ ومن المفترض أن يكون أسهل على الدول ذات الأعباء الضريبية المنخفضة زيادة ضرائبها.
ويمكن أن يكون أصحاب الدخول المرتفعة متنقلين, لذا انتقل كثير من المهنيين الفرنسيين إلى لندن خلال العقد الماضي بحيث إن الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، ناشدهم (وعرض عليهم صفقات ضريبية) للعودة. وبدأت بريطانيا تفقد جاذبيتها تدريجيا بالنسبة إلى الأجانب ذوي الدخول المرتفعة. وتبين حسابات شركة Pricewaterhouse Coopers للمحاسبة أن السلطات البريطانية ستزيد الضريبة على أجور المديرين التنفيذيين المتزوجين الذين يجنون 250 ألف جنيه استرليني (373 ألف دولار) أكثر من أي دولة في مجموعة العشرين باستثناء إيطاليا.
لقد أدت ضرورة أن تأخذ الدول حصة أكبر من مواطنيها إلى تجدد الاهتمام بمنع التهرب من الضرائب. وتضغط الدول في مجموعة العشرين بقوة كي توفر الدول ذات الضرائب المنخفضة مثل سويسرا معلومات عن المودعين الأجانب. ومع ذلك، هناك كثير من الطرق المشروعة كي تنتقل الشركات والأفراد إلى دول تطبق أنظمة ضريبية مواتية.
ولهذا السبب، ستميل الحكومات إلى فرض ضرائب من الصعب التهرب منها، خاصة ضرائب المبيعات أو القيمة المضافة. والعيب السياسي لمثل هذه الضرائب هو أن الفقراء يتحملون وطأتها أكثر من الأغنياء. ولن يحظى هذا بالشعبية، خاصة لأن كثيرا من الناس يعتقدون أن الأزمة ناتجة عن أخطاء المصرفيين ذوي الأجور العالية. علاوة على ذلك، إذا أضعفت الضرائب الأعلى الطلب، ربما تنزلق الاقتصادات ثانية إلى الركود. ولا يزال كثيرون يعتقدون أن زيادة ضريبة الاستهلاك في اليابان عام 1997 هي سبب عرقلة انتعاشها.
وبالتالي أنتجت الحكومات الأوروبية مزيجا من التدابير في برامج التقشف الخاصة بها. فقد وعدت اليونان وأيرلندا والبرتغال وإسبانيا بشن هجوم على أجور القطاع العام عن طريق تخفيض أو تجميد الأجور أو عن طريق تقليل عدد الموظفين. وأعلنت اليونان جولة جديدة من التخفيضات في الثالث من آذار (مارس). إلا أن البرامج تحتوي أيضا على زيادات ضريبية (رسوم الطرق في البرتغال وضرائب الوقود في اليونان) وحملات هجومية على التهرب من دفع الضرائب.
ويبدو أن التهرب من الضرائب شائع في اليونان بين الطبقات المهنية، حيث لا يعلن كثير من المواطنين أجورا عالية؛ وإحدى استجابات الحكومة هي محاولة تشجيع استخدام الإيصالات. ويجب على أصحاب الدخول العالية المطالبين ببدل الضريبة الشخصية بمبلغ 12 ألف يورو (16270 دولارا) تقديم إيصالات بهذه القيمة على الأقل.
وعلى الرغم من هذه المحاولة لتوزيع الألم، إلا أن الحكومة اليونانية واجهت موجة من الإضرابات من قبل العاملين في القطاع العام. ويمكن للحكومات استخدام الضغوط المالية في الخارج كذريعة لتنفيذ الإصلاحات التي لن تكون مقبولة سياسيا بغير ذلك. إلا أن هذا يتطلب توازنا دقيقا. فقد يكون الناخبون أكثر مقاومة إذا اعتقدوا أن التدابير القاسية هي أوامر من الأجانب، سواء من الاتحاد الأوروبي أو صندوق النقد الدولي.
الناس ليسوا هجوميين
كان Lord Salisbury، وهو رئيس وزراء بريطاني وغيره من المحافظين من القرن الـ 19 يخشون أن تؤدي الديمقراطية إلى إسقاط حقوق الملكية الخاصة, فعدد المدينين يفوق الدائنين، وبالتالي يمكنهم التفوق عليهم في الأصوات.
ولم تثبت بعد صحة هذا التشاؤم. فأحيانا تجابه القوة العارمة شيئا غير متحرك, ففي كاليفورنيا مثلا، يملك الناخبون حق التصويت على سياسات مالية معينة في الاستفتاءات. وكانت النتيجة فرض حد أقصى على الضرائب دون وجود حد واضح على الإنفاق. وآيسلندا على وشك توفير اختبار محدد لهذه النظرية في استفتاء، يطلب فيه من الناخبين قبول أو رفض شروط تعويض المودعين الأجانب في البنوك الأيسلندية الفاشلة.
ومع ذلك، تشير جهود كندا والسويد على أنه يمكن إحراز تقدم، إذا كانت الأزمة حادة بما فيه الكفاية. وليس من المرجح أن تكون الأنظمة الديكتاتورية أفضل من الأنظمة الديمقراطية. فالأنظمة العسكرية في أمريكا اللاتينية (باستثناء تشيلي) لديها سجلات اقتصادية سيئة؛ فهي ترى الدولة باعتبارها مصدرا للوظائف السهلة للضباط والإعانات لمصانع الأسلحة. إضافة إلى ذلك، قد يغري افتقارها إلى الشرعية الأنظمة الاستبدادية برشوة شرائح مؤثرة من الناخبين.
ومع ذلك، تواجه الأنظمة الديمقراطية قرارات صعبة في السنوات المقبلة. وإحدى أكبر المشكلات هي المعاشات التقاعدية، التي ستجعل تكلفة عمليات إنقاذ البنوك الأخيرة تبدو ضئيلة. وحين تم إدخال المعاشات التقاعدية الحكومية عام 1889 من قبل Otto von Bismarck، المستشار الألماني، كان متوسط العمر المتوقع يبلغ 45 عاما؛ وكان الهدف هو توفير دخل لأولئك غير القادرين على العمل لفترة أطول. ويمكن للنساء اللاتي يبلغن سن 65 عاما هذه الأيام أن يتوقعن 20 عاما من التقاعد.
وتعتمد حتى هذه الحسابات الصعبة على الأشخاص الذين يعملون حتى سن 65 عاما في المقام الأول. واعتاد كثير من أرباب العمل، خاصة في القطاع العام، السماح للعمال بالتقاعد في أواخر الخمسينات أو الستينات من العمر. وسيشعر الألمان، الذين سيرتفع سن تقاعدهم الحكومي إلى 67 عاما، بالاستياء إذا طلب منهم إنقاذ اليونانيين، الذين تبلغ سن تقاعدهم 63 عاما.
وفي بريطانيا، لا يزال معظم العاملين في القطاع العام أعضاء في مخططات الراتب النهائي أو المنافع المحددة، في حين أن الموظفين الجدد في الشركات الخاصة يشتركون عادة في مخططات المساهمات المحددة بمنافع غير مؤكدة. وقد يبلغ الفرق في التكلفة 30 في المائة من الرواتب.
ولن يؤدي رفع سن التقاعد، إلى 70 ربما، وتخفيض فاتورة المعاشات التقاعدية للقطاع العام إلا إلى وفورات متواضعة على المدى القصير، لكنه سيحسن إلى حد هائل الصورة على المدى الطويل, لكنه لن يحظى بالشعبية على الإطلاق, فنسبة السكان الذين بلغوا سن التقاعد أو الذين يوشكون على ذلك في تزايد؛ واحتمالات تصويت الأشخاص الأكبر سنا أكبر من الشباب. لكن دون الإصلاح، سيواجه الناخبين الشباب اللامبالين عبء ضريبي كبير.
وهناك عديد من المعارك المقبلة بسبب العجز: دافعو الضرائب ضد العاملين في القطاع العام، والمسنون ضد الشباب. وقد تخفف السياسات المدروسة بعناية التي تشجع النمو من حدة هذه المعارك. لكنها مع ذلك قد تكون دموية