هل باراك أوباما صارم بما فيه الكفاية؟

هل باراك أوباما صارم بما فيه الكفاية؟

إذا كان هناك شيء واحد يتفق عليه المحافظون، فهو أن باراك أوباما ليس صارما بما فيه الكفاية ليكون القائد العام للقوات المسلحة. ويلمح البعض إلى أنه لا يحب أمريكا بما فيه الكفاية للدفاع عنها بكل إخلاص. فلم يسبق أن ظهر رئيس قبله ''أمام جماهير غفيرة من الأجانب ليعتذر عن كثير جدا من الجرائم الأمريكية، الحقيقية منها والمتصورة''، كما يقول Mitt Romney، المرشح الرئاسي الجمهوري السابق، والمستقبلي بلا شك. وحتى فرنسا تلقي محاضرات على أمريكا حول مخاطر التهدئة، وهو أشبه ''بأن تلقي علينا المجموعة الأمريكية الدولية محاضرة عن المسؤولية المالية'' كما يقول Tim Pawlenty ساخرا، وهو مرشح آخر يطمح إلى الرئاسة. وفي مؤتمر العمل السياسي المحافظ في واشنطن الأسبوع الماضي، كانت الطريقة السهلة لاجتذاب التصفيق هي انتقاد الرئيس لأنه سمح للإرهابيين بحق تعيين محامين. وفي وسط تصفيق حار من الحضور، حث Marco Rubio، الزعيم الجمهوري الشاب من فلوريدا، على اتباع نهج أكثر صرامة: قتل أو اعتقال الإرهابيين، ''والحصول على معلومات مفيدة منهم'' ثم ''تقديمهم للعدالة.. أمام محكمة عسكرية في جوانتانامو، وليس محكمة مدنية في مانهاتن''. وكتب هذا السؤال على ملصق معاد لأوباما: ''إذن أنت تؤيد الإجهاض لكنك تعارض قتل الإرهابيين؟''.
ومعظم هذه الانتقادات جوفاء وفارغة. وصحيح أن أوباما يفضل محاكمة خالد الشيخ محمد، العقل المدبر المزعوم لأحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، في محكمة مدنية، إلا أن هذا ليس دلالة على الضعف. فقد تم بنجاح محاكمة عدة إرهابيين في محاكم مدنية في عهد جورج بوش. وعلى الرغم من أن أوباما على استعداد للاعتراف بأوجه قصور الدولة، إلا أنه قاس جدا فيما يتعلق بتدمير أعدائها. فقد أطلقت الطائرات الأمريكية الآلية صواريخ على قادة طالبان والقاعدة المشتبه بهم في المناطق القبلية في باكستان 55 مرة العام الماضي، ما أسفر عن مقتل مئات الجهاديين وعدد مجهول من المدنيين. وتسارعت عمليات القتل هذا العام؛ تم الإبلاغ حتى الآن عن أكثر من 12 هجوما. ويأمر أوباما بتنفيذ عمليات اغتيال بوتيرة أنشط مما فعل جورج بوش. ولسبب ما، تثير عادته في قصف الإرهابيين المشتبه بهم والمارة من الجو قدرا أقل من الغضب العالمي مما أثاره خنق أحد أعضاء حماس، من جانب إسرائيل كما يزعم، في غرفة فندق في دبي. لكن سواء كنت تعتقد أن هذا مبررا أم لا، فإنه ليس دليلا على أن الرئيس ''يعارض قتل الإرهابيين''.
وبعد أكثر من عام في السلطة، لم يتوصل أوباما بعد إلى معرفة ما يجب فعله بالإرهابيين المشتبه بهم الذين يتم اعتقالهم على أراض أجنبية. ولم يف بعد بوعده بإغلاق سجن جوانتانامو لأنه لا يعرف ما يجب فعله مع بقية السجناء. ويعتبر بعضهم أخطر من أن يتم إطلاق سراحهم، لكن لا يمكن أيضا محاكمتهم بسهولة. وفي بعض الحالات، تم الحصول على الأدلة عن طريق الإكراه؛ وفي حالات أخرى، عن طريق مصادر استخبارية لا تريد الإدارة الكشف عنها في المحكمة. ولا يستبعد أوباما احتمالية احتجازهم لأجل غير مسمى دون اتهامهم، لكنه يعلم أن هذا يجعل أمريكا تبدو سيئة. وهو لا يريد أن يزيد المشكلة عن طريق وضع مزيد من الجهاديين الأجانب في سجون أمريكا. وبدلا من ذلك، تقوم القوات الأمريكية إما بقتلهم وإما السماح بحلفاء أقل تحفظا باحتجازهم. وفي أيلول (سبتمبر) مثلا، تعقبت أمريكا إرهابيا مطلوبا في الصومال. فقد تم اتهام صالح علي نبهان بالمساعدة على تفجير السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا عام 1998، ويعتقد أنه همزة الوصل الرئيسية بين القاعدة وحليفتها في الصومال، حركة شباب. ولو تم القبض عليه واستجوابه، لكان من الممكن الحصول على كثير من المعلومات الاستخبارية المفيدة. لكن ليس هناك حكومة صومالية عاملة لكي يتم تسليمه لها، لذا قتلته الطائرات المروحية الأمريكية. ويبدو أن هذه هي القاعدة وليس الاستثناء. وقد وجد تحقيق جديد لصحيفة Washington Post عن حرب أوباما ضد قادة القاعدة في الخارج ''عشرات عمليات القتل المستهدفة دون تقارير عن حالات الاعتقال على مستوى رفيع من قبل القوات الأمريكية.
وبالطبع، يتم وضع الإرهابيين المشتبه بهم الذين يتم إلقاء القبض عليهم على الأراضي الأمريكية في سجون أمريكية. لكن يتم تسليم أولئك الذين يتم اعتقالهم في العراق إلى العراقيين بسرعة. أما أولئك الذين يتم اكتشافهم في باكستان، فيحتجزهم الباكستانيون- كما تم اعتقال عديد من قادة طالبان في الأسابيع الأخيرة، ويعود الفضل في ذلك جزئيا إلى الاستخبارات الأمريكية. وتحتفظ أمريكا بسجن في قاعدة Bagram الجوية في أفغانستان، ولكن سيتم تسليمها إلى الأفغان بحلول نهاية هذا العام. ولا تشتهر أي من هذه الدول بأن لديها سجونا مريحة أو سجانين مهذبين. باختصار، من غير الواضح على الإطلاق ما إذا كانت سياسات أوباما أدت إلى معاملة الإرهابيين المشتبه بهم في الخارج بشكل ألطف. وقد يكون العكس صحيحا. ولهذا السبب بدأ النشطاء في مجال حقوق الإنسان بإطلاق صرخات الألم، حيث كانوا يعتقدون في السابق أن أوباما هو الرجل المناسب. ومن هنا أيضا تبرز الحاجة لوضع سياسة اعتقال عقلانية.

رجل من فولاذ
بشكل عام، الفكرة القائلة إن أوباما لا يأخذ مسؤولياته كقائد عام للقوات المسلحة على محمل الجد فكرة مضحكة, ففي العراق، يقوم بسحب القوات الأمريكية بصورة منظمة في الوقت الذي تصبح فيه الدولة أكثر قدرة على حكم نفسها. وفي أفغانستان، اختار، بعد فترة تردد طويلة، استراتيجية سليمة ويقوم بمتابعة تنفيذها. ويبدو أن زيادة الجنود في قوات حلف شمال الأطلسي في مقاطعة هلمند ناجحة، على الأقل حتى الآن. أما بالنسبة لإيران، يمكن أن يوافق أوباما على نصيحة سارة بالين ويعلن الحرب على الملالي لكي يثبت للناس أنه ''ربما أكثر صرامة مما كنا نعتقد''. ولكن قد يكون لهذا نتائج سلبية. وبدلا من ذلك، يحاول أوباما إقناع الصين وروسيا بالموافقة على فرض عقوبات أشد لعرقلة طموحات إيران النووية. وقد ينجح هذا أو لا ينجح. والدلائل لا تبشر بالخير، فقد أعلنت إيران هذا الأسبوع عن خطة لبناء مصنعين جديدين لتخصيب اليورانيوم داخل الجبال، حيث سيكون من الأصعب قصفهما. ويقول James Lindsay وRay Takeyh في مجلة Foreign Affairs إن على أوباما أن يفكر مليا في كيفية احتواء إيران بعد أن تصبح دولة نووية. وسيعتمد نجاح سياسة أوباما الخارجية على قدرته على الاختيار بين الشرور. وإذا فشل في ذلك، لن يكون السبب افتقاره إلى القوة

الأكثر قراءة