ذو الوجهين

ذو الوجهين

لا يخلو أي مجتمع من المتلونين الذين يقابلون الأشخاص بوجه ويقابلون غيرهم بوجه آخر، هذا ديدنهم لا يحيدون عنه، هم كذلك مهما تعددت النصائح والتوجيهات, تجدهم يظهرون عند اندلاع الخلافات والمشكلات بين الأصدقاء, لا يتورعون عن الإسهام في إشعال فتيل الأزمات, بعضهم لا يقر له قرار ولا يهدأ له بال حتى يعمق المشكلات فتراه ما إن يسمع عن خلاف بين صديقين إلا ويكون هو السباق لهدم هذه العلاقة نهائيا واستغلال سوء العلاقة لتدميرها, فهو قد يتظاهر أَمام شخص معين ببُغضِه وبقطيعتِه، فإذا ما انْفرطَ الاجتِماعُ أسرع إلى الخَصم فأظهر له مِثلَ ما أظهر للسابق, فلا جدال أن من يفعل ذلك لا مناص أن فاعله هو ما يطلق عليه بذي الوجهين الذي يأتي لكل شخص بوجه مختلف عن الآخر, وصاحب هذه الصفة والخصلة الذميمة قال عنه المصطفى, صلى الله عليه وسلم : "تَجِدُ من شِرارِ الناس يَوْمَ القيامةِ عند الله ذَا الوَجْهين الذي يَأتي هَؤلاءِ بوجهٍ وهَؤلاءِ بوجه" رواه البخاري في كتاب الآداب. وفي حديث آخر روى شريك عن الركين عن نعيم بن حنظلة عن عمار قال : قال: رسول الله,صلى الله عليه وسلم: "من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار" . لذا فإن المتصف بصفة ذي الوجهين وعيده شديد كما دل على ذلك ما ذكر من بعض نصوص السنة النبوية على لسان المصطفى, صلى الله عليه وسلم, والنماذج في ذكر صور ذي الوجهين متعددة ولا يتسع المقام لذكرها لكن لا يمنع من تناول بعض هذه الصور المؤلمة التي دفعتني إلى الكتابة في هذا الموضوع. ومن هذه الصور حادثة ذكرها لي أحد الثقات الذي كان يحتفظ بصداقة لا توصف مع أحد الأصدقاء منذ سنوات طويلة وبينهم شراكة تجارية واستغرب في إحدى المرات تغير هذا الصديق نحوه وكلما يحاول أن يتحدث معه يتهرب, حتى جاء ذلك اليوم الذي يطلب منه بأن يفض الشراكة وكل واحد يذهب من الاتجاه الآخر, حاولت أن أعرف من السبب لكنه ظل متحفظا ولم يرغب في إيضاح الأمر لكنه بطبيعة الحال كان واضحا من تصرفاته معي وأن هناك سببا ما وراء تغيره وانهيار صداقة عمرها أكثر من 20 سنة, والحقيقة أنني لم أيأس لمعرفة الحقيقة وحرصت على توسيط بعض الأصدقاء المقربين منا, وبدأوا مشوار الإصلاح بيننا, لم أكن أفكر إلا في هذا الصديق ولم يكن يهمني استمرار الشراكة بشكل كبير بقدر حرصي على عودة الصداقة بيننا, وفعلا بعد عدة لقاءات, اكتشفت السبب الرئيسي لهذه المشكلات والمتمثل في دور أحد الموظفين في علاقة الفتور ولم نكن نتوقع ذلك, خصوصا أنه كان يظهر في تعامله عند كل واحد منا بشكل مختلف, واكتشفنا أنه وراء كل المصائب وذلك بنقل معلومات مغالطة لصديقي عن العمل أسهمت في القطيعة, وكان حريصا على ذلك وسلك أساليب ملتوية ولم يكن ينقل الحقائق الصحيحة فنتج عن ذلك الخلاف بيننا الذي لعب فيه أبو الوجهين دور الممزق للعلاقة الأخوية الصادقة فتم طرده من العمل وتفهم صديقي الوضع. إن ما ذكره هذا الصديق صورة واحدة من الصور المؤلمة حقا التي تتمثل فيما يطلق عليه بذي الوجهين, وكم من ذي وجهين بيننا نمد له أيدينا وهو خطر علينا, فالوصية لكل من يجد فيه خصلة من صفاته أن يتخلص من هذا المرض الخطير, نسأل الله النجاة منه, وأن يوفقنا إلى كل خير.

الأكثر قراءة