السيارات القديمة.. الأضرار تتفاقم ولا حلول
تذمر كثير من الناس من استمرار ظاهرة وجود السيارات ذات الموديلات القديمة الملوثة للبيئة التي أصبح لا يخلو منها أي شارع من شوارع الرياض، وهي تسير مخلفة وراءها سحبا من الدخان الكثيف الملوث للبيئة ولصحة الإنسان تحديدا في منظر منفر يتنافى وأبسط مظاهر المدنية والحضارة والنظام.
لمن أراد أن يشاهد أرتال السيارات القديمة الملوثة للبيئة ما عليه سوى أن يتابع حركة السير على إحدى الطرق السريعة ليرى أنواع التلوث الذي يتكرر يوميا عندما يحل المساء، ويغادر العمال والمقاولون مواقع العمل باتجاه العودة إلى منازلهم مستخدمين بذلك سيارات مهترئة أكل عليها الدهر وشرب، وتعود موديلات بعضها لعصر السبعينيات.
#2#
## فوضى سيارات العمالة
يكتظ طريق خريص المحور الأكثر ازدحاما في العاصمة بقطعان من تلك السيارات الملوثة للبيئة، وهي تسير باتجاهات مختلفة قاصدة أحياء أكثر ازدحاما أيضا، وكلما اقتربت تلك السيارات من الأماكن التي يقطنها سائقوها، إما في وسط أو جنوب الرياض، تبدأ مركبتهم بالانحراف بشكل فوضوي تستهدف الانقضاض على مداخل ومخارج الطريق، إما لإركاب عامل ينتظر أو لإنزال ما فيها من حمولة.
وتعد وسائل المواصلات القديمة من أكثر مسببات تلوث الهواء في المدن الرئيسية، وذلك بسبب مكونات الملوثات التي تنفذها تلك المركبات في الهواء نتيجة حرق الوقود بكثافة، حيث أصبح الهواء الذي يتنفسه الإنسان في المدن الرئيسية يتخطى الخط الأحمر الذي يعني حدوث أضرار صحية للسكان بسبب قربهم من مصادر انبعاث التلوث.
وطالب مهتمون في الحفاظ على البيئة الجهات المعنية بضرورة اتخاذ قرارات حاسمة لاجتثاث هذه المشكلة، وعدم ترك داء السيارات القديمة يتفاقم ويتحول لوباء لا يمكن حله.
#3#
## خطر التلوث البيئي
وأمام ذلك حذر عدد من المراقبين، من خطورة تفاقم خطر التلوث البيئي الذي أصبح يهدد السلامة والصحة العامة والبيئة بشكل عام، ولا بد من معالجة هذا الخطر الداهم، وبأسرع وقت ممكن، مشيرين إلى أن التأخير في علاج هذه المشكلة يجعل من الهواء غير صحي وغير صالح للتنفس والحياة ويسبب كثيرا من الأمراض المستديمة.
واستند المراقبون أنفسهم في تحذيراتهم من خطر التلوث البيئية بسبب ما تنفذه السيارات القديمة إلى إحصائية صادرة عن مؤسسة الفحص الدوري للسيارات، تشير إلى أن وسائل النقل من سيارات وحافلات وشاحنات، وخاصة القديمة منها تعد المصدر الرئيسي لتلويث البيئة بنسبة 70 في المائة من إجمالي ملوثات الهواء، وبأكثر من 90 في المائة من انبعاثات غازات أكسيد الكربون، ويزداد التلوث كلما زادت أعداد السيارات، حيث تنفث المركبة العادية ذات المواصفات القديمة ما بين 3و4 أضعاف زيادة عما تسمح به المواصفات والمقاييس للمركبات الجديدة.
## مقترح بالتصفية والإعدام
وقدم يوسف بن حمود العتيبي، أحد المهتمين في مجال حماية البيئة، أن الحل في القضاء على ذلك التلوث يكمن في تصفية وإعدام السيارات القديمة التي تجوب الشوارع منذ عقود، وتسبب التلوث البيئي، والسمعي، والبصري أيضا، خاصة أن نسبة لا بأس بها من السيارات تعود موديلاتها لعصر الثمانينيات.
#4#
## معامل صهر الحديد
ويرى العتيبي أن الحل الممكن للقضاء على هذا المصدر الخطير من التلوث البيئي والحضاري هو أن تتدخل الجهات الحكومية وتمنع تجديد رخص سير السيارات التي يزيد عمرها على 15عاما وفق شروط معينة ويتم تطبيق هذه الشروط من قبل لجنة في أقسام المرور والفحص الدوري للسيارات، بحيث يلزم صاحب السيارة ببيعها لأصحاب معامل إعادة صهر الحديد لإعادة تدويرها وإراحة شوارعنا وساحاتنا ورئاتنا من عبء ثقيل.
وقال: «كما أنه يمكن للجهات الحكومية تشجيع أصحاب مصانع إعادة تدوير الحديد على شراء هذه السيارات القديمة بأسعارها المتعارف عليها في السوق لإغراء مالك السيارات بالتخلص منها».
## متهالكة.. انتهى عمرها
وتابع قائلا: «إنه يوجد لدينا في المملكة كثير من السيارات القديمة التي باتت مشكلة على صاحبها بسبب تقادمها وتهالكها وعبئنا على شوارعنا وعلى صحتنا بسبب كمية الدخان الأسود الذي تنفثه والصوت الذي تصدره بسبب قدم تقنية تصنيعها، ورغم ذلك فكثير من مالكيها يصرون على الاحتفاظ بها والسير بها في الشوارع»، متسائلا عن سبب تجاهل هذه السيارات من قبل الجهات المعنية وعدم اتخاذها موقفا واضحا تجاهها، خاصة أنها تجوب الشوارع ليل نهار، بل إن بعضها يحمل رخصة سير جديدة وهي بحالة لا تليق بحمل لوحات باسم السعودية, بعد أن أصبحت قديمة ومتهالكة».
#5#
## سيارات حكومية تالفة للبيع
ونبه العتيبي إلى أمر آخر في غاية الأهمية يتمثل في قيام بعض الجهات بين الحين والآخر بإجراء مزادات علنية لبيع مئات السيارات الحكومية القديمة المتهالكة منتهية الصلاحية بمختلف الأشكال والأحجام لتعود للسوق مرة أخرى بعد إصلاحات شكلية لتملأ الطرقات وتزيد الزحام والتلوث، مطالبا بضرورة وقف مثل هذا الأمر، إذ إنه من الأفضل أن يتم بيعها لمصانع الحديد «الخردة» لصهرها وإعادة تدويرها والتخلص منها بدلا من ضخها على الطرقات، وخصوصا أن تلك السيارات تباع بأسعار زهيدة جدا.
## تخفيض نسبة تلوث الهواء
ودعا العتيبي كلا من: وزارات النقل، المالية، الشؤون البلدية والقروية، والرئاسة العام للأرصاد وحماية البيئة، إلى ضرورة النظر إلى مثل هذا المشروع من خلال التعاون مع إحدى الشركات المتخصصة في إعادة تدوير الحديد، ليتم القضاء على أكثر ملوثات الهواء بنسبة عشرة أضعاف أكثر من السيارة الجديدة، إضافة إلى تورط السيارات القديمة في حوادث الطرق أعلى من السيارات الحديثة، كما أنه يمكن الاستفادة من المواد الناتجة عن صهرها إلى مواد قابلة لإعادة التدوير، إلى جانب السبب الأهم وهو إبعاد السيارات القديمة من الشوارع سيسهم في الصحة العامة للسكان من خلال تخفيض تلوث الهواء، وكذلك الاستفادة من حديد السيارات التالفة المتوقفة في كثير من الشوارع والتي وصفها بـ «الثروة المهدرة».
## مراكز لتسلم السيارات القديمة
وذهب العتيبي في إطار اقتراحه التقليل من عدد السيارات القديمة في الطرق، إلى أهمية إيجاد مراكز مخصصة لتسلم السيارات القديمة لتحويلها إلى الخردة، بحيث يمكن لصاحب السيارة القديمة التي عمرها 15 سنة وما فوق بيعها لهذه المراكز التي تقوم بدورها بفك السيارات القديمة وفصل المعادن والمواد الأخرى المختلفة عن بعضها بعضا طبقا لنوعيتها، وكذلك سحب السوائل والزيوت والشحوم قبل كبسها وفرمها بالكامل وقبل إعادة تدوير المواد القابلة للتدوير وإعادة الاستخدام.
وعلى الصعيد ذاته أفاد الدكتور إبراهيم عالم الخبير البيئي المعروف بأنه يوجد في السعودية عدد من شركات البيئة التي تستثمر في شراء السيارات القديمة والعمل على تشليحها من قطع الغيار وبيع الهياكل الحديدية على شركات إعادة صهر الحديد.
## توفير الآلاف من أطنان الحديد
أشار عالم إلى أنه في حالة إطلاق مثل هذا المشروع فإنه سيزيل من الشوارع عشرات الآلاف من السيارات القديمة الملوثة للبيئة وتوفير الآلاف من الأطنان من الحديد، الذي يمكن صهره وتحويله للاستفادة منه في صناعات أخرى.
وأبدى الدكتور عالم استعداد مؤسسته للقيام بالدراسات اللازمة لتنفيذ مثل هذا المشروع والعمل على رصد عدد السيارات القديمة في الشوارع السعودية، وتقصي الأضرار الصحية التي قد تسببها عوادم السيارات القديمة على الإنسان في حالة طلبت أي جهة منه عمل ذلك.
## تحديد عمر السيارات المستوردة
هذا وكانت مصلحة الجمارك قد أصدرت قرارا بتحديد عمر السيارات الصغيرة والشاحنات المسموح باستيرادها إلى المملكة بألا يكون قد مضى على تصنيع الأولى خمس سنوات ولا يزيد عمر شاحنات النقل الثقيل على عشر سنوات، وذلك للحيلولة دون دخول سيارات قديمة لها تأثيرات بيئية.
## غازات سامة وزيوت ضارة بالبيئة
قالت مصلحة الجمارك التي بدأت في تطبيق القرار منذ حزيران (يونيو) الماضي، إن صدور قرارها هذا جاء بناء على نتائج دراسة قامت بها لجنة مشكلة من عدة جهات حكومية، منها وزارات: الداخلية، التجارة والصناعة، النقل، الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس، ومصلحة الجمارك، وذلك بسبب الآثار البيئية الناتجة عن استخدام السيارات القديمة بسبب ما ينبعث منها من غازات سامة وزيوت ضارة بالبيئة والتأثيرات السلبية لاستخدام السيارات القديمة في الاقتصاد الوطني وما يستنزفه ذلك من ميزانية الفرد من مصروفات مالية ناتجة عن أعطالها المتكررة ومخاطرها على السلامة المرورية نتيجة عدم مطابقتها للمواصفات السعودية المعتمدة أو استهلاك كثير من مكوناتها وأجزائها عند استيرادها لمضي فترات طويلة على استخدامها، ومعظم دول العالم تحدد الحد الأدنى لموديلات السيارات والشاحنات التي يسمح باستيرادها ويمنع ما زاد عمره على الموديل المحدد من الدخول إليها، كما أن هناك عددا من دول العالم لا تسمح بدخول أو سير المركبات غير المسجلة لديها إذا تجاوزت موديلات محددة.
## استيراد 140 ألف سيارة
أفادت مصلحة الجمارك أن عدد السيارات المستعملة التي تم استيرادها إلى المملكة ويزيد عمرها على خمس سنوات خلال عام 2008م بلغ 140.444 سيارة وقد تجاوزت قيمتها 17.5 مليار ريال وتمثل ما نسبته 24 في المائة من مجموع السيارات المستعملة المستوردة إلى المملكة خلال العام نفسه مقارنة باستيراد 104.157 سيارة مستعملة يزيد عمرها على خمس سنوات خلال عام 2007م بقيمة 13 مليار ريال، وتمثل ما نسبته 21.27 في المائة من مجموع السيارات المستعملة، التي تم استيرادها إلى المملكة خلال العام نفسه.
# 5 ملوثات صحية خطيرة مصدرها عوادم السيارات
أثبت عدد من الدراسات البيئية أنه تنبعث من عوادم السيارات خمسة ملوثات أساسية تسبب جملة من التأثيرات الصحية للإنسان في حالة التعرض لها، أقلها حدوث النوبات القلبية وارتفاع حساسية الرئة للأمراض المختلفة عبر التنفس.
وتشمل هذه الملوثات الجسيمات الدقيقة التي يمكن استنشاقها وتعتبر مجموعة الملوثات الأخطر على صحة الإنسان من بين مجموع الملوثات المنبعثة من السيارات، وإن الحديث يدور عن جسيمات ذات قطر صغير جداً (أقل من 2.5 ميكرون) والتي تتغلغل بدون صعوبة بسبب قطرها الدقيق إلى أعماق الجهاز التنفسي وتسبب له الأضرار، وتتكون الجسيمات بالدرجة الأولى من مادة السخام وبقايا الوقود غير المحترق، وكذلك تضم مواد أخرى أصلها من الوقود، مثل المعادن والكبريت.
أما المادة الثانية فهي أكاسيد النيتروجين: ملوث ينتج بالأساس عن أكسدة النيتروجين الجوّي بدرجات الحرارة العالية. إن أكاسيد النيتروجين تؤدي إلى الارتفاع في حساسية الرئة للأمراض المختلفة في الطرق التنفسية وتؤدي إلى زيادة تأثيرات هذه الأمراض على المريض.
ومن المواد الملوثة أيضا أول أوكسيد الكربون وهو ملوث ينتج بالدرجة الأساسية عن احتراق الوقود الكربوني مع عدم وجود الأوكسجين، يرتبط هذا الملوث بالهيموجلوبين في الدم بقوة تصل إلى 200- 300 ضعف مقابل الأوكسجين العادي ويؤدي إلى صعوبات في نقل الأوكسجين إلى الأنسجة، وفي حالة التركيز الخفيف يؤدي إلى الشعور بالنعاس، أوجاع الرأس وانعدام اليقظة. وفي حالة التركيز العالي- يؤدي إلى الوفاة نتيجة الاختناق.
إن التعرض على مدى سنوات طويلة لمستويات منخفضة يزيد من شيوع النوبات القلبية.
كما تضم الملوثات الناتجة عن عوادم السيارات مادة الكربوهيدرات وهو وقود غير محترق أو محترق جزئياً، ينطلق بالأساس عند تحميل الوقود ونتيجة الاحتراق غير التام، إن الحديث يدور عن مجموعة كبيرة من المواد التي تضم مواد سامة ومسرطنة، وكذلك مواد فاعلة في آلية تكون الأوزون في الطبقات المنخفضة من الغلاف الجوي.
ويأتي أخيرا الأوزون والمؤكسدات وهي عبارة عن مواد لا تنبعث مباشرة من محركات السيارات بل تتكون كرد متأخر على الملوثات مثل أكاسيد النيتروجين والكربوهيدرات بتأثير أشعة الشمس، وتُعتبر هذه المجموعة من مجموعات المواد الأكثر خطورة على صحة الإنسان بفعل نشاطها التأكسدي القوي.