تحت الإكراه

تحت الإكراه

منذ بدء ما يسمى الحرب على الإرهاب، يشعر كثير من البريطانيين بالصدمة من الأساليب القذرة التي تستخدمها الاستخبارات الأمريكية. وعلى الرغم من أنه تم تقليص الحريات البريطانية - أشهر الأساليب هو الاحتجاز دون تهمة - إلا أن التعذيب بحد ذاته يعتبر محظورا منذ أن أكد رئيس الوزراء عام 1972 أن القوات البريطانية لن تلجأ أبدا لاستخدامه لمساعدة التحقيقات. ولم يتم تعذيب أحد بطريقة الإيهام بالغرق في رواية الكاتب البريطاني إيان فليمنج.
وقد بدأ كثيرون بإعادة تشكيل وجهة نظرهم، بصورة تدريجية ومؤلمة، عن MI5 وMI6، الاستخبارات البريطانية في الداخل والخارج. وتتراكم الأدلة التي تشير إلى أن الجواسيس البريطانيين متواطئون في التعذيب، أثناء سعيهم للحصول على معلومات استخبارية عن المتطرفين الإسلاميين، وإن كانوا قد تجنبوا القيام شخصيا بالتعذيب. وتفاقم الوضع بسبب حكم محكمة الاستئناف في العاشر من شباط (فبراير). وتتعلق القضية ببنيام محمد، الإثيوبي المقيم في بريطانيا الذي قضى نحو سبع سنوات في سجون الباكستان والمغرب وأفغانستان وجوانتانامو، قبل أن يتم إطلاق سراحه دون توجيه اتهامات في العام الماضي. وفي عام 2008، قدم محمد طلبا لرؤية الأدلة التي تحتفظ بها بريطانيا والتي تدعم مزاعمه بأنه تم انتزاع الاعترافات التي أدلى بها خلال فترة سجنه تحت التعذيب. وعارضت وزارة الخارجية نشر حتى ملخصا قضائيا للأدلة على أساس أن المعلومات قدمت من قبل وكالات الاستخبارات الأمريكية، التي لم ترد أن تكون تلك المعلومات علنية. وعلى الرغم من ذلك، حكم القضاة الثلاثة على وجوب نشر المعلومات. ويظهر ملخص الاستخبارات المكون من سبع فقرات والذي تم نشره الآن على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية أنه تم تكبيل محمد بالأصفاد وحرمانه من النوم وإخباره إنه ''سيختفي'' ما لم يتعاون. وتشكل تلك الأساليب ''على أقل تقدير معاملة قاسية لا إنسانية ومهينة'' من قبل السلطات الأمريكية، كما جاء في الملخص. وعلى الرغم من أن العملاء البريطانيين لم ينفذوا هذه الانتهاكات شخصيا، إلا أن الأدلة تشير إلى أنهم كانوا على علم بمدى سوء المعاملة التي يتعرض لها محمد قبل أن يذهب أحدهم ليسأله بعض الأسئلة. وكان هذا محرجا بما فيه الكفاية. ولكن اتضح أن نسخة سابقة من الحكم تتضمن انتقادات أكثر شمولية لوكالة MI5. وقد لطف Lord Neuberger، ثاني أهم قاض في إنجلترا وأحد الأعضاء الثلاثة في الهيئة التي أصدرت الحكم، رأيه بناء على طلب مستشار وزارة الخارجية، Jonathan Sumption. وتشير رسالة Sumption إلى المحكمة إلى أن الرأي الأولي لـ Lord Neuberger يقول إن MI5 كانت تعمل في ظل ''ثقافة القمع'' في تعاملاتها مع الحكومة، وبالتالي يجب أن تشكك المحكمة بأي تأكيدات رسمية تستند إلى مشورتها. ويعتقد Lord Neuberger أن مشكلات MI5 تخص النظام بأكمله، كما تلمح الرسالة.
واعترف القاضي بأنه كان ''متسرعا'' في التخفيف من انتقاداته. وحددت المحكمة الثاني عشر من شباط (فبراير) كموعد نهائي لكي تعبر الأطراف الأخرى عن رأيها حول فيما إذا كان ينبغي أن يتم تأييد النسخة الأصلية. ولكن كما يدرك الجواسيس جيدا، فإنه بمجرد أن ينكشف سر، من الصعب تغطية عليه ثانية. ويقلق الجواسيس البريطانيون الآن من شيء آخر، وهو علاقتهم بالاستخبارات الأمريكية. ولا تتضمن ''الأسرار'' التي تم نشرها هذا الأسبوع أي شيء يضر بالأمن القومي لأي دولة: تم حذف الأسماء والتفاصيل الأخرى. وعلى أية حال، تم الكشف عن معظم المعلومات من قبل محكمة أمريكية في تشرين الثاني (نوفمبر)، في قضية منفصلة. ومع ذلك، لم تكن المعلومات السرية لبريطانيا هي التي يتم كشفها. وحذر وزير الخارجية، David Miliband، أن القضية أثارت ''قلقا بالغا'' في أمريكا. وأكد البيت الأبيض أن الحكم ''سيعقد سرية علاقة تبادل المعلومات الاستخبارية مع المملكة المتحدة، ويجب أن يتم إدخاله في الحسبان في عملية صنع القرار''. وقد يكون هذا صياغة نمطية، إلا أن الجواسيس قد يترددون كثيرا الآن قبل منح أي معلومات. وحاول Miliband تهدئة الأمريكيين عن طريق القول أن حكم المحكمة كان سيكون مختلفا لو لم يتم نشر المعلومات في أمريكا. وهذا غير مؤكد. ففي حكمه، أيد رئيس قضاة محكمة العدل، Igor Judge، أن مبدأ السرية بين وكالات الاستخبارات ''ليس مطلقا''. وكتب السير Anthony May، القاضي الآخر معه، أنه ''لا يجب أن يطغى تلقائيا الخطر الحقيقي بإحداث ضرر خطير للأمن القومي، مهما كانت درجته، على المصلحة العامة فيما يتعلق بالعدالة''.
وتترك هذه القضية رواسب مريرة، حيث يتم الكشف عن حالات تستر الواحدة تلو الأخرى. ومن السيئ أن الحكومة حاولت إخفاء الحقائق، إلا أن الأسوأ هو أن مستشارها تدخل لتغيير حكم قضائي. وهي تواجه الآن احتمالية أن يكون جواسيسها يكذبون عليها

الأكثر قراءة