السياسة النقدية في اليابان على مفترق طرق

السياسة النقدية في اليابان على مفترق طرق

تتزايد الضغوط السياسية على البنك المركزي الياباني في وقت يستعد فيه لاتخاذ قرارات حاسمة حول ترشيد سياسته النقدية وتقليص عرض النقد الزائد تدريجيا، حيث يعتبر بعض السياسيين أن هذه الخطوة سابقة لأوانها.
ولا تزال أسعار الفائدة في اليابان حتى الآن قريبة من الصفر بسبب سنوات الركود الاقتصادي الطويلة، لكن من الممكن حاليا أن يبدأ البنك المركزي الياباني في وضع استراتيجية بداية النهاية لهذه السياسية. ومن هنا يأتي تحفظ السياسيين الذين يعتريهم القلق من تأثير ذلك على الانتعاش الاقتصادي في البلاد .
وحذر جونيشيرو كويزومي رئيس الوزراء الياباني، من أن فشل السياسة النقدية الجديدة يمكن أن تكون له عواقب وخيمة. ورغم أن البنك المركزي في اليابان يتمتع بحرية مطلقة في رسم السياسات النقدية في البلاد، إلا أن عليه في الوقت ذاته أن يأخذ بعين الاعتبار عواقب ذلك على الاقتصاد الياباني.
ويحذر ساداكازو تانيجاكي وزير المالية من تلك العواقب قائلا "إن البنك المركزي يجب ألا يتخذ قرارا يعرض الاستقرار الاقتصادي الياباني للخطر أو يضعه في دوامة المجهول".
وبالنظر إلى المعطيات الإيجابية الجديدة حول الانتعاش والتضخم، بدأ المستثمرون في أسواق المال اليابانية في توقع أولي للإجراءات النقدية المحتملة. ومنذ بداية شباط (فبراير) لوحظ تراجع صافي العوائد في أسواق المال، حيث تراجع الرقم القياسي الياباني لعائد سندات الدين الحكومية خلال هذا العام بنسبة 0.72 في المائة، كما استمر تراجع سعر خصم سندات الدين الحكومية لعشر سنوات، وهو السعر الذي يعتبر مؤشراً على الاتجاهات المستقبلية. ومن جهة مقابلة ارتفع العائد على نقاط الأساس بنسبة 1.64 في المائة.
أما المستثمرون الأجانب فيحصدون في هذه الأيام الأرباح التي جنوها من خلال الصفقات التي أبرموها في الأسابيع الماضية، متوقعين أن يعيد البنك المركزي الياباني النظر قريبا في سياساته المالية بما قد يدفع البنوك التجارية لتقليص الأموال المخصصة للاستثمار، وفي خطوة ثانية يمكن للبنك أن يرفع أسعار الفائدة الأساسية. ويتوقع خبراء البنك المركزي الألماني (دوتيشه بانك) أن يمر عام كامل بين هاتين الخطوتين، ما يتيح للأسواق وقتاً للتكيف مع الوضع الجديد.
كانت شركة كاري تريدر Carry Trader منذ نهاية التسعينيات تستثمر أرصدتها في أوراق مالية ذات فائدة مرتفعة من خلال الحصول على قروض يابانية. ففي اليابان كان بوسع هذه الشركة الحصول على قروض بأسعار فائدة قريبة من الصفر، أما الآن، وإزاء المنعطف الوشيك، فتحاول الشركة تفكيك مواقعها المستثمرة بالين الياباني شيئاً فشيئاً.
أما توشيهيكو فوكوي محافظ البنك المركزي الياباني، فيقول إنه مطلع على جميع وجهات النظر فيما يتعلق بهذه القضية البالغة التعقيد، وكذلك يتخذ أعضاء مجلس الإدارة قراراتهم بناء على المناقشات التي يجرونها في اجتماعاتهم التي تعقد يومي الأربعاء والخميس من كل أسبوع، حيث يشارك ممثلون عن وزارة المالية، وتعطى لهم الفرصة لعرض تقديراتهم للوضع، دون أن يكون لهم حق التصويت عند الاقتراع على إجراءات السياسة النقدية.
ويقول فوكوي إن الجلسة المقبلة لمجلس إدارة البنك المركزي عليها أن تبحث فيما إذا كانت الظروف مهيأة حقاً لإحداث تغيير في السياسة النقدية.
وكان البنك المركزي في اليابان يعتبر دائما أن ارتفاع أسعار المستهلك شرط أساسي لإعادة سياسته غير العادية إلى أوضاعها الطبيعية. ويذكر في هذا الصدد أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك في اليابان قد تحرك في الاتجاه الإيجابي في تشرين الثاني (نوفمبر) للمرة الأولى منذ سبع سنوات، واستمر هذا التحرك الإيجابي منذ ذلك الحين. ففي كانون الثاني (يناير) سجلت أسعار سوق الاستهلاك على مستوى عموم اليابان ارتفاعاً بنسبة 0.5 في المائة مقارنة بمستوى السنة الماضية. وبلغ متوسط أسعار المستهلك في اليابان 2 في المائة تقريباً أقل من المتوسط لعام 2000.
أما ما عدا ذلك، فيشير البنك المركزي الياباني إلى أن الاقتصاد ينمو بقوة. ففي السنة الماضية ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وفقاً لمعطيات أولية بنسبة 2.8 في المائة، بينما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بنسبة 1.4 في المائة مقارنة بالعام الماضي.
وسجلت البورصة عام 2005 أعلى الأرباح في أسعار الأسهم لم يتحقق مثلها في السنوات العشر الماضية. غير أن الحكومة لا تعتقد بأن أخطار الكساد قد تلاشت، وهي تطالب بالتالي بتحقيق معدلات نمو أعلى في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي واستمرارية في الاتجاه الإيجابي لأسعار المستهلك. إضافة إلى ذلك فالحكومة تخشى من أن يؤدي التعجل في إغلاق خزائن المال، التي بقيت مفتوحة على مصراعيها طوال خمس سنوات، إلى التأثير سلباً في الانتعاش الاقتصادي وإيجابياً في حالة الركود.
وبسبب موجة انخفاض الأسعار التي احتاجت الشرق الأقصى نهاية التسعينيات، انتهج البنك المركزي الياباني في نيسان (أبريل) 2001 سياسة انفتاح نوعي مخفضا أسعار الفائدة الأساسية إلى الصفر تقريباً، وضاعف خمس مرات إطار السيولة لدى البنوك التجارية حتى بلغت بين 220 و260 مليار يورو، يضاف إلى ذلك أنه زاد من مشترياته الشهرية من سندات الدين الحكومية إلى 1.2 ين (أي ما يوازي 8.8 مليار يورو).
ويسعى البنك المركزي الياباني لتقييد السيولة المالية ولو بصورة تدريجية، أما الحكومة فتناشد البنك المركزي بأن يؤجل اتخاذ أي قرار في مجال السياسة النقدية إلى ما بعد جلسات مجلس السياسات النقدية المقرر انعقاده في نيسان (أبريل) المقبل.

الأكثر قراءة