حرب الملابس في فرنسا

حرب الملابس في فرنسا

> بالنسبة للمعلقين الأمريكيين، الذين يحبون انتقاد التراخي الأوروبي في مواجهة التطرف، تعد فرنسا سابقة مثيرة للفضول فهي موطن أكبر أقلية مسلمة في أوروبا، الذين يبلغ عددهم نحو خمسة إلى ستة ملايين، وهي تتوقع من المسلمين التأقلم مع العادات الفرنسية. وفي عام 1994، بدأت الحكومة تضييق الخناق على الرموز الدينية، بما في ذلك الحجاب الإسلامي، في المدارس الحكومية. وبعد عشر سنوات، منعت جميع الإشارات الدينية ''المتفاخرة''، بما في ذلك الحجاب، من المدارس الحكومية وغيرها من المباني العامة. وهناك الآن تشديد آخر: حظر مقترح على ارتداء البرقع في أي مكان عام.
وفي هذا الأسبوع، قدمJean-Francois Copé ، زعيم الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم، الاتحاد من أجل حركة شعبية، مشروع قانون ينص على أنه ''لا يجب أن يرتدي أي شخص في الأماكن المفتوحة للعامة أو في الشوارع أي زي أو إكسسوار يهدف إلى إخفاء الوجه''. وسيكون هناك بعض الاستثناءات القليلة، كما قال، مثل الكرنفالات. وفي الحالات الأخرى، قد يتم تغريم أي شخص يرفض خلع غطاء الوجه مبلغ 750 يورو (1.090 دولار). وهو يأمل أن يناقش البرلمان مشروع القانون في نهاية آذار(مارس)، بعد وقت قصير من الانتخابات الإقليمية.
وهذه الخطوة من جانبCopé ، السياسي الطموح، هي مبادرة برلمانية وليست بقيادة الحكومة. ولكنها تحظى بتأييد واسع. فقد أعلن الرئيس نيكولا ساركوزي العام الماضي أن البرقع ''غير مرحب به على الأراضي الفرنسية''. وهذا الأسبوع، قال Francois Fillon، رئيس الوزراء، إنه يؤيد فكرة الحظر. ويقول Copé إن لديه بالفعل 220 نائبا يدعمونه.
وحين يشير الفرنسيون إلى البرقع، لا يعنون بذلك الزي الأفغاني، الذي يظهر العينين من خلال فتحة مثل الشبكة، والذي يعد مشهدا غير موجود في فرنسا، بل يعنون النقاب، الغطاء من الرأس إلى القدمين الذي لا يترك سوى فتحة ضيقة للعينين، والمنتشر في الخليج. وقبل عشر سنوات، كان حتى هذا اللباس غير معروف في فرنسا، بما أن معظم المسلمين الفرنسيين ينحدرون من شمال إفريقيا، حيث يغطي الملتزمون الشعر فقط، وليس الوجه. واليوم، ترتدي نحو 1.900 امرأة النقاب في فرنسا، وفقا لتقديرات الاستخبارات.
ولكن حتى هذا الرقم يعد صغيرا جدا، فلماذا كل هذه الجهود من قبل الفرنسيين؟ أحد الأسباب هو تقاليدهم العلمانية منذ نحو قرن من الزمن، التي تدافع بشدة عن الفصل بين الدين والدولة، وتجعل معظم الفرنسيين منزعجين من مظاهر الدين الواضحة. ولا يمكن تصور إقامة مسرحيات المهد أو حفلات الموسيقى الدينية في المدارس الابتدائية، كما لا يؤدي الرؤساء اليمين على الإنجيل. وحين صوت السويسريون أخيرا على منع بناء المآذن على المساجد، حث ساركوزي المؤمنين من جميع الديانات في فرنسا على ''ممارسة دياناتهم بحرية متواضعة''. ويعد الليبراليون في الخارج هذا تعصبا. ولكن بالنسبة للفرنسيين، الذين خاضوا معارك انتصروا فيها بشق الأنفس على رجال الدين الاستبداديين، فإن هذا ينبع من رغبة علمانية بإبقاء الدين في مجاله الخاص.
ومع ذلك، فإن المخاوف الحالية المتعلقة بالنقاب تتجاوز حدود العلمانية. وفي العام الماضي، قال ساركوزي: ''إن البرقع ليس علامة دينية''، بل ''علامة على التبعية والانحطاط'' للنساء. وفي تحقيق برلماني متعدد الأحزاب دام ستة أشهر، يتم عقد جلسات استماع بشأن البرقع. وقد قدمت الشخصيات المسلمة الفرنسية، واحدة تلو الأخرى، شكاوى إلى الدولة بأنه، على حد تعبير دليل بوبكر، مدير مسجد باريس، ''لا يعد البرقع أو النقاب أو أي حجاب كامل وصفات دينية للإسلام''.
علاوة على ذلك، أشارت دنيا بوزار، عالمة الأنثروبولوجيا المسلمة الفرنسية، للجنة أن معظم النساء اللواتي تراهن يرتدين النقاب هن من الشابات. وتشير مصادر استخباراتية أن 90 في المائة منهن تقل أعمارهن عن 40 عاما. وثلثيهن من الرعايا الفرنسيين، ونصفهن من المهاجرين من الجيل الثاني أو الثالث، ونحو ربعهن متحولين إلى الإسلام. بعبارة أخرى، ليس هذا تدفقا للنساء من الخليج، بل تعبيرا عن النفس من قبل النساء المسلمات الفرنسيات الشابات، اللواتي لم تكن أمهاتهن يغطين وجوههن.
ويحرص السياسيون الفرنسيون من عديد من المشارب على رسم حدود واضحة من أجل إحباط المزيد من الحملات التبشيرية، خاصة في الضواحي المكتظة بالمسلمين. ويؤيد رئيس اللجنة البرلمانية (الشيوعي)، التي من المقرر أن تقدم تقريرها في نهاية كانون الثاني (يناير)، حظر البرقع. ويؤيده أيضا Eric Besson، الاشتراكي السابق الذي يشغل الآن منصب وزير الهجرة والهوية الوطنية، وFadela Amara، وزيرة مسلمة ومدافعة سابقة عن النساء المضطهدات، والتي سبق أن وصفت البرقع بأنه ''سجن''.
ولكن حتى لو تم تبرير الحظر على أساس أمني، إلا أنه سيظل مثيرا للجدل. ويعارض الحزب الاشتراكي المعارض البرقع ولكنه يخشى أن يأتي حظره بنتائج عكسية. ويخشى المجلس الفرنسي للدين الإسلامي، وهو هيئة رسمية، أن يشوه الحظر صورة الإسلام. وقد أثار Besson الاستياء حين أطلق عملية تشاور وطنية حول ما يعنيه أن يكون المرء فرنسيا، والذي أطلق العنان لسيل من التعليقات المعادية للإسلام. ويقول البعض إن الحظر سيكون في صالح أولئك الذين ينشرون الدعايات المتشددة. ويشعر آخرون بالقلق أن تتم معاقبة النساء ظلما، لأنهن غالبا يتعرضن لضغوط عائلية لارتداء البرقع. وكتب Laurent Joffrin، رئيس تحرير Liberation: ''ستكون فرنسا الدولة الوحيدة في العالم التي ترسل رجال شرطتها.. لإيقاف الشابات في الشوارع اللواتي هن ضحايا أكثر مما هن مذنبات''.
وهذا الأسبوع، قال Fillon أنه يريد أولا تمرير قرار برلماني بإدانة ارتداء البرقع؛ وقد يتبع ذلك سن قانون، ولكن فقط بعد النظر في مدى توافقه مع القانون الأوروبي والدستور الفرنسي. وبموجب قانون 2004، فإن البرقع محظور بالفعل في المدارس العامة، وكذلك على صور بطاقات الهوية. ومنذ العام الماضي، يمكن أيضا أن يتم منع ارتداء الأقنعة خلال أو بالقرب من المظاهرات. وسيمنع حظر البرقع المخطط تغطية الوجه حتى في الشارع، ولكن لن يحظر ارتداء الحجاب الكامل دون تغطية الوجه.
ومن المرجح أن تتعرض فرنسا لكثير من الانتقادات من الخارج بسبب حظر البرقع. وسيتم اتهامها بمعاداة الليبرالية، أو عدم احترام حرية التعبير، أو فرض التفسير الغربي لاضطهاد المرأة. وفي خطابه في القاهرة العام الماضي، قال الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أنه ''من المهم بالنسبة للدول الغربية تجنب إعاقة المواطنين المسلمين من ممارسة دينهم على النحو الذي يعتبرونه مناسبا - مثلا عن طريق فرض الملابس على النساء المسلمات. إلا أن على جميع الديمقراطيات الليبرالية تقديم تنازلات لتحقيق التوازن بين الحرية والأمن. وستقول فرنسا إن تلك ليست حملة ضد الإسلام، ولكن محاولة للمحافظة على قيمها التي تتعرض للخطر أكثر من أي وقت مضى. ولكن قد لا يرى العالم الأمر بهذه الطريقة >

الأكثر قراءة