الخوف من التنين

الخوف من التنين

يبدأ الكثيرون العام الجديد وهم مصممون على تغيير أساليبهم القديمة. ولكن ليس الصين. ففي السابع والعشرين من كانون الأول (ديسمبر)، أعلن Zhong Shan، نائب وزير التجارة الصيني، أن الصين ستستمر في زيادة حصتها من الصادرات العالمية. ويتوقع أن تظهر الأرقام التي من المقرر نشرها في 11 من كانون الثاني (يناير) أن صادرات الصين في كانون الأول (ديسمبر) كانت أعلى منها قبل عام، بعد 13 شهرا من الانخفاض السنوي. وقد انخفضت صادرات الصين بنسبة تقارب 17 في المائة عام 2009 بشكل عام، إلا أن الانخفاض في دول أخرى كان أكبر. ونتيجة لذلك، تفوقت الصين على ألمانيا لتصبح أكبر دولة مصدرة في العالم وقفزت حصتها من الصادرات العالمية إلى نحو 10 في المائة، بعد أن بلغت 3 في المائة عام 1999.
وتحصل الصين على حصة أكبر من السوق الأمريكية. وفي الأشهر العشرة الأولى من عام 2009، استوردت أمريكا أقل بنسبة 15 في المائة من الصين عن النسبة في الفترة نفسها من عام 2008، إلا أن وارداتها من بقية دول العالم انخفضت بنسبة 33 في المائة، مما رفع الحصة السوقية للصين إلى 19 في المائة. لذا على الرغم من أن العجز التجاري لأمريكا مع الصين أصبح أقل، إلا أن الصين تشكل الآن نحو نصف مجموع العجز الأمريكي، بعد أن كانت النسبة أقل من الثلث عام 2008. وتتزايد حدة الاحتكاكات التجارية مع بقية دول العالم. ففي الـ 30 من كانون الأول (ديسمبر)، وافقت لجنة التجارة الدولية في أمريكا على تعرفات جديدة على الواردات من أنابيب الفولاذ الصينية، التي قررت اللجنة أنها مدعومة بصورة غير عادلة. وهذه أكبر قضية من نوعها تشمل الصين حتى الآن. وفي 22 من كانون الأول (ديسمبر)، صوتت حكومات الاتحاد الأوروبي على تمديد رسوم مكافحة الإغراق على الأحذية المستوردة من الصين لمدة 15 شهرا إضافيا.
ويصر الأجانب على أن السبب الرئيسي لتزايد الحصة السوقية للصين هو أن الحكومة في بكين أبقت عملتها ضعيفة. إلا أن هناك العديد من الأسباب الأخرى وراء صمود الصادرات الصينية بشكل أفضل من صادرات الدول المنافسة خلال الركود العالمي. فقد شجعت الدخول الأقل المستهلكين على استبدال السلع الثمينة بسلع أرخص، كما أن إلغاء حصص المنسوجات العالمية في كانون الثاني (يناير) 2009 سمح للصين بزيادة حصتها من تلك السوق.
إلى أي مدى يمكن أن ترتفع الحصة السوقية للصين؟ على مدى السنوات العشر حتى عام 2008، نمت صادرات الصين بمعدل سنوي بلغ 23 في المائة بأسعار الدولار، أي أسرع بنسبة الضعف من التجارة العالمية. وإذا استمرت بزيادة وتيرتها، قد تحصل الصين على نحو ربع الصادرات العالمية خلال عشر سنوات. وبالتالي ستتفوق على حصة أمريكا من الصادرات العالمية التي بلغت 18 في المائة في أوائل الخمسينيات، وهي النسبة التي انخفضت منذ ذلك الحين إلى 8 في المائة. ومن المرجح أن تنمو صادرات الصين بصورة أبطأ خلال العقد المقبل، حيث لا يزال الطلب في الاقتصادات الغنية ضعيفا، إلا أن حصتها السوقية ستستمر بالارتفاع على الأرجح. وتشير التنبؤات في التوقعات الاقتصادية العالمية لصندوق النقد الدولي أن صادرات الصين ستشكل 12 في المائة من التجارة العالمية بحلول عام 2014.
وستساوي حصتها هذا العام، البالغة 10 في المائة، تلك التي حققتها اليابان في ذروتها عام 1986، إلا أن حصة اليابان انخفضت منذ ذلك الحين إلى أقل من 5 في المائة. وتضررت صادراتها بشدة من جراء الارتفاع الحاد للين- بنسبة تزيد على 100 في المائة مقابل الدولار بين الأعوام 1985 و1988- ونقل الكثيرون مصانعهم إلى الخارج، بل ونقلها بعضهم إلى الصين. وزادت أيضا الحصة المجتمعة من سوق التصدير للنمور الآسيوية الأربعة (هونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان) لتبلغ ذروتها عند 10 في المائة قبل أن تنخفض ثانية. فهل ستصطدم الصادرات الصينية بالحاجز نفسه نتيجة لضعف القدرة التنافسية أو تزايد النزعة الحمائية؟
وتشير حسابات ورقة عمل لصندوق النقد الدولي نشرت عام 2009 إلى أنه إذا ظلت الصين معتمدة على الصادرات كما كانت في السنوات الأخيرة، يجب أن ترتفع حصتها من الصادرات العالمية إلى نحو 17 في المائة بحلول عام 2020 للحفاظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي البالغ 8 في المائة. ولمعرفة فيما إذا كان ذلك ممكنا، حلل المؤلفون القدرة الاستيعابية العالمية لثلاث صناعات تصديرية- الصلب وبناء السفن والآلات. واستنتجوا أنه لتحقيق نمو الصادرات اللازم، على الصين تخفيض الأسعار، الذي سيكون من الصعب بصورة متزايدة تحقيقه، سواء من خلال المكاسب الإنتاجية أو تقليل الأرباح. وهوامش الأرباح صغيرة بالفعل في عديد من الصناعات التصديرية، خاصة الصلب.
ومع ذلك، من المرجح ألا يكون نمو الصادرات المستقبلي للصين مدفوعا بالصناعات القائمة بل بالمنتجات الأعلى قيمة، مثل رقاقات الكمبيوتر والسيارات. وقد تحركت أيضا صادرات اليابان أعلى سلسلة القيمة بسرعة، ولكن في حين لم يكن ذلك كافيا لدعم المكاسب الدائمة في حصتها السوقية، تملك الصين ميزة الضوابط الرأسمالية التي ستمنع سعر الصرف فيها من الارتفاع بصورة فجائية كما حدث في اليابان في الثمانينيات. وحين تسمح الصين أخيرا لليوان بالارتفاع، ستفعل ذلك بالتدريج.
وهناك فرق كبير آخر، وهو مدى اتساع الاقتصاد الصيني. فالصين، في الواقع، تتكون من عدة اقتصادات على مستويات أجور مختلفة. وحين تحركت اليابان نحو الصادرات الأعلى قيمة، أدى زيادة الإنتاجية إلى رفع الأجور، مما جعل الصناعات القديمة، مثل المنسوجات، غير تنافسية. ولكن في الصين، فإنه مع تحول المصانع في المناطق الساحلية الأكثر ثراء إلى سلع أكثر تطورا، يمكن لإنتاج المنسوجات والأحذية أن ينتقل إلى الداخل، حيث لا تزال التكاليف أرخص. ونتيجة لذلك، قد تتمكن الصين من البقاء تنافسية في مجموعة أوسع من الصناعات ولفترة أطول.
ويتزايد العداء الأجنبي لهيمنة الصادرات الصينية. وفي الآونة الأخيرة، كتب Paul Krugman، الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد عام 2008، في صحيفة ''نيويورك تايمز'' أنه من خلال إبقاء عملتها منخفضة لدعم الصادرات، تسهم الصين في ''استنزاف الطلب الذي تشتد الحاجة إليه بعيدا عن الاقتصاد العالمي الراكد.'' وقال إن الدول التي وقعت ضحية النفعية التجارية الصينية قد تكون محقة في اتخاذ إجراءات حمائية.
وتبدو الأمور مختلفة جدا من بكين. فقد انهارت صادرات الصين من السلع من 36 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2007 إلى نحو 24 في المائة العام الماضي. وانخفض فائض الحساب الجاري للصين من 11 في المائة إلى نسبة تقدر بـ 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي عام 2007، كان صافي الصادرات يشكل نحو ثلاث نقاط مئوية من نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني؛ وفي العالم الماضي، كانت عبئا على نموها لتصل إلى ثلاث نقاط مئوية. بعبارة أخرى، بدلا من أن تكون الصين مصدر استنزاف للطلب العالمي، ساعدت على انتشال الاقتصاد العالمي معها خلال العام الماضي.
وينظر الأجانب إلى جانب واحد فقط من وجهي العملة. فقد كانت واردات الصين أقوى من صادراتها، حيث انتعشت بنسبة 27 في المائة خلال العام حتى تشرين الثاني (نوفمبر)، حين كانت صادراتها لا تزال في انخفاض. وارتفعت صادرات أمريكا إلى الصين (ثالث أكبر سوق تصديرية لها) بنسبة 13 في المائة خلال العام حتى تشرين الأول (أكتوبر)، في الوقت نفسه الذي انخفضت فيه صادراتها إلى كندا والمكسيك (الدولتين فوق الصين) بنسبة 14 في المائة.
ويتوقع بعض المتنبئين، مثل صندوق النقد الدولي، أن يبدأ الفائض التجاري للصين بالاتساع ثانية هذا العام ما لم تدخل الحكومة تغييرات سياسة جريئة، مثل إعادة تقييم اليوان. إلا أن Chris Wood، المحلل في شركة CLSA للسمسرة، يقول إن الصين تسهم بصورة أكبر من أمريكا في إعادة التوازن العالمي. ويتطلب إعادة التوازن أن تزيد الصين الإنفاق وتزيد أمريكا الادخار. ويقول Wood إن الصين تبذل جهودا أكبر لتعزيز الاستهلاك المحلي (مثلا من خلال حوافز التشجيع على شراء السيارات والسلع الاستهلاكية المعمرة، وزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية) من الجهود التي تبذلها أمريكا لزيادة مدخراتها. فقد انخفض معدل الادخار الكلي في أمريكا في الربع الثالث من العام الماضي إلى 10 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، أي أقل من نصف مستواه قبل عقد. وزادت الأسر ادخارها، إلا أن هذا قابله الادخار السلبي المتزايد للحكومة (الإنفاق الذي يزيد عن المدخول).
ولكن من غير المحتمل أن يضعف النمو القوي في إنفاق وواردات الصين الضغوط الحمائية. وستجتذب الحصة المتزايدة للصين من الصادرات العالمية اهتماما أكبر. وستزيد مطالب الأجانب بإعادة تقييم اليوان. ويبدو أن العام القادم سيرسخ مشاعر الاستياء القديمة

الأكثر قراءة