قوة النساء في العمل

قوة  النساء في العمل

إن التمكين الاقتصادي للمرأة في جميع أنحاء العالم الغني هو أحد أهم الثورات التي حدثت خلال الـ 50 عاما الماضية. وهذا التمكين مذهل للغاية بسبب مدى التغيير: بدأ ملايين الأشخاص الذين كانوا في السابق يعتمدون على الرجال بالسيطرة على مصيرهم الاقتصادي. وهو مذهل أيضا لأنه لم يسبب الكثير من الاحتكاك، فقد قوبل التغيير الذي يؤثر في معظم الجوانب الشخصية لهويات الناس بترحيب واسع النطاق من قبل الرجال والنساء على حد سواء. ونادرا ما تأخذ التغييرات الاجتماعية الجذرية شكلا حميدا مثل هذا.
ولكن حتى التغيير الحميد قد يكون له تأثيرات ضارة. فالترتيبات الاجتماعية لم تواكب التغييرات الاقتصادية. وقد دفع الكثير من الأطفال ثمن ارتفاع دخل العائلة المكونة من أب وأم عاملين. وتشعر الكثير من النساء – بل والكثير من الرجال أيضا - أنهم محاصرون في دوامة متسارعة من الالتزامات. وإذا كان تمكين المرأة أحد التغييرات الكبيرة خلال الـ 50 عاما الماضية، فإن التعامل مع نتائجه الاجتماعية سيكون أحد التحديات الكبيرة خلال الـ 50 عاما المقبلة.
في نهاية حملتها الانتخابية لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة أمريكا عام 2008، علقت هيلاري كلينتون بالقول إن الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، البالغة 18 مليونا، تمثل 18 مليون تصدع في ''السقف الزجاجي'' (الحواجز غير المرئية التي تمنع تقدم المرأة). ولكن في سوق الوظائف، يتصدع هذا السقف كل يوم. فالنساء اليوم يشكلن نحو نصف العمال الأمريكيين ''49.9 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر)''. كما إنهن يدرن بعض أفضل الشركات في العالم، مثل PepsiCo و Archer Daniels Midland و W.L. Gore. ويحصلن على نحو 60 في المائة من الشهادات الجامعية في أمريكا وأوروبا.
وبطبيعة الحال، لم يكن هذا التقدم متماثلا. ففي إيطاليا واليابان، تزيد معدلات توظيف الرجال بنسبة 20 نقطة مئوية عن معدلات توظيف النساء. وعلى الرغم من أن معدل توظيف الإناث في إيطاليا ارتفع بشكل ملحوظ في العقد الماضي، إلا أنه لا يزال أقل من 50 في المائة، وأدنى بنسبة تزيد على 20 نقطة مئوية عن معدلات التوظيف في الدنمارك والسويد. وتجني النساء أموال أقل بكثير من الرجال في المتوسط وهن غير ممثلات على نحو كاف في المناصب العليا في المنظمات. ومع ذلك، يعد هذا التغيير جذريا وكبيرا. فقبل جيل من الزمن، كانت النساء العاملات يشغلن وظائف وضيعة ويتعرضن بصورة روتينية للتمييز على أساس الجنس بشكل غير رسمي - كما صورتها ببراعة الدراما التلفزيونية Mad Men التي تتحدث عن المديرين التنفيذيين للإعلانات في أوائل الستينيات. واليوم تشكل النساء أغلبية العاملين في الوظائف المهنية في عديد من الدول (51 في المائة في الولايات المتحدة مثلا) ولم يعدن يتعرضن بشكل كبير للتمييز على أساس الجنس. وحتى الدول الأكثر تشددا مثل دول البحر الأبيض المتوسط تتغير بصورة سريعة. ففي إسبانيا، وصلت نسبة النساء الشابات في قوة العمل إلى المستويات الأمريكية.
ما الذي يفسر هذه الثورة؟ من الواضح أن السياسة كان لها دورها في ذلك. وقد انتقد أنصار الحركة النسائية مثل Betty Friedan الاسترقاق المنزلي والتمييز العنصري. وأقرت الحكومات قوانين لمنح الجنسين حقوق متساوية. وعلّمت السياسيات من النساء، مثل مارجريت تاتشر وهيلاري كلينتون، النساء الأصغر سنا أن أي شيء ممكن. إلا أن السياسة ليست سوى جزء من الجواب: فشخصيات مثل Friedan وتاتشر حلقن عاليا نتيجة للقوى الاقتصادية والتكنولوجيا الخفية.
ويشهد العالم الغني طلبا متزايدا على اليد العاملة النسائية. ويملك الرجال ميزة متأصلة في الأعمال التي تحتاج إلى قوة أكثر مما تحتاج إلى ذكاء. وبما أن القدرات العقلية هي المطلوبة الآن، أصبح الجنسين أكثر تكافؤًا. وكان انتشار الإناث في قوة العمل مدفوعا بالتقدم المتواصل لقطاع الخدمات (حيث تستطيع النساء التنافس ببراعة مثل الرجال) والتراجع المستمر لقطاع التصنيع (حيث لا يستطعن التنافس). ويمكن القول إن الكتاب الأبرز الذي يتحدث عن ارتقاء الحركة النسائية لم يكن كتاب Friedan، المعنون The Feminine Mystique، بل كتاب Daniel Bell المعنون ''The coming of Post-Industrial Society.
وكان لهذا الطلب ما يكافئه من العرض: فالنساء أكثر استعدادا ورغبة للعمل خارج المنزل. وقد لعبت المكنسة الكهربائية دورا في ذلك، حيث إن التكنولوجيا المتطورة قللت الوقت اللازم للقيام بالأعمال المنزلية التقليدية للمرأة مثل التنظيف والطهي. إلا أن الابتكار الأهم هو حبوب منع الحمل. فانتشار حبوب منع الحمل لم يمكّن النساء فقط من تأخير سن الزواج، بل زاد أيضا حوافزهن لاستثمار الوقت والجهد في اكتساب المهارات، خاصة تلك التي يصعب تعلمها والتي تستغرق عدة سنوات لتؤتي ثمارها. فعلى سبيل المثال، شعورهن بالاطمئنان من أنهن لن يضطررن إلى الانسحاب من كلية الحقوق مثلا لإنجاب طفل جعل الدراسة فيها أكثر جاذبية بالنسبة لهن. وساعد أيضا اتساع نطاق التعليم العالي على تعزيز فرص العمل بالنسبة للمرأة، حيث زادت قيمتهن في سوق الوظائف وتغيرت أدوارهن التقليدية كأمهات يلزمن منازلهن إلى سيدات أعمال ناجحات. ولطالما كانت النساء الحاصلات على مستوى تعليمي أعلى أكثر احتمالية للعمل من غيرهن من النساء، حتى بعد إنجاب الأطفال. ففي عام 1963، كانت 62 في المائة من النساء الحاصلات على شهادات جامعية في الولايات المتحدة في قوة العمل، مقارنة بنسبة 46 في المائة من النساء اللواتي يملكن دبلوم ثانوي. واليوم، هناك 80 في المائة من النساء الحاصلات على تعليم جامعي في قوة العمل مقارنة بنسبة 67 في المائة من الحاصلات على دبلوم ثانوي ونسبة 47 في المائة من غير الحاصلات على شهادة.
وهذه الفئة المتزايدة من النساء الحاصلات على تعليم جامعي مثقفات أيضا في تخصصات أخرى مطلوبة. ففي عام 1966، تخصصت 40 في المائة من النساء الأمريكيات الحاصلات على شهادة البكالوريس في التعليم في الجامعات، فيما تخصصت 2 في المائة منهن في الأعمال والإدارة. وتبلغ النسب الآن 12 في المائة و 50 في المائة. ولا تزال النساء متخلفات عن الرجال بصورة كبيرة في تخصصات قليلة فقط، مثل الهندسة وعلوم الكمبيوتر، حيث حصلن على نحو خمس الشهادات في هذه التخصصات عام 2006.
إن أحد الأمور المثيرة للدهشة بشأن هذه الثورة هو أنها لم تلق الكثير من الترحيب الشديد العلني. فقد رحب معظم الناس بالتغيير، حيث وجد مسح جديد أجرته Rockefeller Foundation/ Time أن ثلاثة أرباع الأمريكيين يعتبرون هذا التغيير تطورا إيجابيا. وقال تسعة رجال من أصل عشرة إنهم غير منزعجين من حقيقة أن النساء يجنين أموالا أكثر منهم. ولكن لا يهلل الكثيرون لذلك. ويعود ذلك جزئيا إلى كون النساء الشابات يعتبرن فرصهن أمرا مفروغا منه. ويعود جزئيا أيضا إلى أنه بالنسبة للكثير من النساء، يمثل العمل ضرورة اقتصادية أكثر منه تحررا. فليس أمام الأعداد المتزايدة من الأمهات العازبات في العالم الغني خيار إلا العمل. واكتشفت نسبة متنامية أيضا من النساء المتزوجات أن الطريقة الوحيدة للحفاظ على مستويات معيشة أسرهن هي الانضمام إلى أزواجهن في سوق العمل. وفي أمريكا، دخل العائلات التي تظل الزوجات فيها في المنزل هو الدخل المعدل نفسه بعد احتساب التضخم لعائلات مماثلة في أوائل السبعينيات. إلا أن السبب الأهم هو أن هذه الثورة جلبت الكثير من المشكلات في أعقابها.
الإنتاج مقابل التكاثر
إن إحدى المشكلات الواضحة هي أنه لم يتم تلبية الطموحات المتزايدة للمرأة. فقد تم تشجيعها على تسلق السلم المهني ولكنها اكتشفت أن الرجال يسيطرون على الدرجات الوسطى وأن الدرجات العليا بعيدة المنال. وهناك نسبة 2 في المائة فقط من رؤساء شركات Fortune 500 وخمسة شركات في مؤشر بورصة FTSE 100 من النساء. وتشكل النساء أقل من 13 في المائة من أعضاء مجالس الإدارة في أمريكا. ويسيطر الرجال على المناصب العليا في الشركات الاستشارية الإدارية والبنوك. وفي أمريكا وبريطانيا، تجني المرأة العاملة بدوام كامل نحو 80 في المائة فقط مما يجني الرجل العامل بدوام كامل.
ولا شك أن هذا يتعلق نوعا ما بالتحيز. إلا أن السبب الأكبر لكون النساء لا يزلن يشعرن بالإحباط أكثر عمقا من ذلك: تضطر الكثير من النساء للاختيار بين الأمومة والحياة المهنية. وتجني النساء دون أطفال في الشركات الأمريكية مثلما يجني الرجال تقريبا. وتجني النساء اللواتي لديهن أزواج أقل، وتجني الأمهات العازبات أقل بكثير. وتكلفة الأمومة باهظة بصورة خاصة بالنسبة للنساء اللواتي يردن تحقيق تقدم سريع. ولا تتعارض الوظائف ''النسائية'' عادة، مثل التعليم، مع الأمومة لأن الأجور لا ترتفع كثيرا مع زيادة الخبرة ولأن ساعات العمل قليلة. إلا أن الأجور في الشركات الناجحة ترتفع بصورة حادة وساعات العمل صعبة. ويتوقع أن يكون الرؤساء المستقبليون قد عملوا في عديد من الدوائر والدول. ولدى شركات الخدمات المهنية نظام الارتقاء أو الاستقالة الذي يكافئ الموظفين الأكثر ولاء للعمل بشراكات مربحة. وبالتالي قد يكون السبب في فجوة الدخل هو عكس التحيز، حيث يتم الحكم على النساء بالمعايير التي يتم بها الحكم على الرجال نفسها.
إن خيار هوبسون (خيار لا يوجد فيه سوى خيار واحد) يفرض تكلفة عالية على كل من الأفراد والمجتمع. فعديد من النساء العاملات يرفضن الأمومة تماما: في سويسرا، ليس لدى 40 في المائة منهم أطفال. وتؤخر غيرهن الإنجاب لفترة طويلة جدا، حيث يضطررن في النهاية للجوء إلى صناعة التخصيب المزدهرة. وتمثل نسبة انسحاب النساء من المهن الأكثر تنافسية خسارة للاستثمار الجماعي في المواهب. وفي دراسة عن خريجي كلية Booth في جامعة شيكاغو أجرتها Marianne Bertrand وزملائها، تبين أنه بعد عشر سنوات من التخرج، ظلت نحو نصف النساء الحاصلات على درجة الماجستير اللواتي اخترن إنجاب الأطفال في قوة العمل. ووجدت دراسة أمريكية أخرى عن النساء اللواتي تركن العمل لإنجاب الأطفال أن جميعهن باستثناء 7 في المائة يردن العودة إلى العمل. ولم تتمكن سوى 74 في المائة منهن من العودة، ولكن عادت نسبة 40 في المائة فقط إلى وظائف بدوام كامل.
ويشعر حتى الآباء والأمهات الأغنياء بالقلق لكونهم لا يقضون وقتا كبيرا مع أطفالهم، بسبب ساعات العمل المزدحمة والأعمال التي لا تنتهي. وبالنسبة للآباء والأمهات الأكثر فقرا، قد يكون تحقيق التوازن بين مطالب العمل ورعاية الأطفال كابوسا مريعا. فرعاية الأطفال تلتهم نسبة مخيفة من ميزانية العائلة، والكثير من الذين يعتنون بالأطفال غير مدربين. إلا أن ترك العمل للعناية بالأطفال قد يعني كارثة مالية. فالأطفال البريطانيين الذين ترعرعوا في عائلات فيها أم وأب وعائل واحد فقط أكثر احتمالية بثلاث مرات لأن يكونوا فقراء من أطفال العائلات التي يعمل فيها كل من الأب والأم. ووجد مسح لجمعية الأطفال البريطانية Children's Society أن 60 في المائة من الآباء والأمهات يتفقون على أن ''الآباء والأمهات اليوم غير قادرين على قضاء وقت كاف مع أطفالهم''. وفي دراسة مماثلة في أمريكا، قال 74 في المائة من الآباء والأمهات أنهم لا يملكون وقتا كافيا لأطفالهم. ولا تختفي هذه المشكلة مع نمو الأطفال في العمر. ففي معظم الدول، ينتهي الدوام المدرسي في وقت مبكر من الظهيرة. وفي أمريكا، تغلق المدارس أبوابها شهرين كاملين في الصيف. ولا توفر سوى قلة من الدول - الدنمارك والسويد وإلى درجة أقل فرنسا وكيبيك- أنظمة شاملة للرعاية بعد المدرسة.
وقد تبنت الدول المختلفة حلولا مختلفة لمشكلة الجمع بين العمل والأبوة. وتشدد بعضها على أهمية قضاء الأطفال الصغار جدا الوقت مع أمهاتهم. وتعطي النمسا وجمهورية التشيك وفنلندا وهنغاريا إجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاث سنوات للأمهات. وأدخلت ألمانيا ''راتب الوالدين'' لتشجيع الأمهات على البقاء في المنزل. وتركز دول أخرى على التعليم ما قبل المدرسي. ونيوزلندا ودول الشمال حريصة بصفة خاصة على إعادة النساء للعمل وإدخال الأطفال إلى الحضانات. وتحرص بريطانيا وألمانيا واليابان وسويسرا، والأهم من ذلك هولندا، على عمل الأمهات بدوام جزئي. ولا تفسح غيرها، مثل جمهورية التشيك واليونان وفنلندا وهنغاريا والبرتغال وكوريا الجنوبية، مجالا كبيرا لعمل النساء بدوام جزئي. وأضافت الدول الاسكندنافية، خاصة آيسلندا، صعوبة أخرى عن طريق زيادة الحوافز للآباء لقضاء المزيد من الوقت في رعاية أطفالهم.
وقد اعتمد أكبر اقتصاد في العالم نهجا غير اعتيادي. فأمريكا لا تقدم إجازة قانونية مدفوعة الأجر للأمهات، وتمنحهن فقط 12 أسبوعا غير مدفوع الأجر. وتوفر 145 دولة على الأقل إجازات مرضية مدفوعة الأجر. إلا أن أمريكا لا تسمح إلا بالإجازات غير مدفوعة الأجر للأمراض العائلية الخطيرة. والإنفاق العام في أمريكا على دعم الأسرة منخفض وفقا لمعايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. فهي تنفق 0.5 في المائة فقط من ناتجها المحلي الإجمالي على المساعدات العامة لرعاية الأطفال مقارنة بنسبة 1.3 في المائة في فرنسا ونسبة 2.7 في المائة في الدنمارك.
ومن الصعب تقييم المزايا النسبية لهذه الترتيبات المتنوعة. فقد تنتج الأنظمة المختلفة نتائج مماثلة: يوجد في أمريكا التي تعارض تدخل الدولة نسبة الأطفال نفسها تقريبا في رياض الأطفال مثل فنلندا التي تؤيد تدخل الدولة. وللأنظمة المختلفة عيوب مختلفة. فالسويد ليست النموذج الذي يتصوره المعجبون بها، على الرغم من سياساتها التوظيفية المحابية للعائلة. ونسبة 1.5 في المائة فقط من كبار المديرين من النساء، مقارنة بنسبة 11 في المائة في أمريكا. وتعمل ثلاثة أرباع النساء السويديات في القطاع العام؛ ويعمل ثلاثة أرباع الرجال في القطاع الخاص. ولكن هناك أدلة تشير إلى أن أمريكا وبريطانيا، الدولتين اللتين تجمعان بين ارتفاع معدل توظيف الإناث وبين معارضة تدخل الدولة في رعاية الأطفال، تقدم خدمات سيئة بصورة خاصة للأطفال. فقد وجد تقرير لليونيسف عام 2007 حول الأطفال في الدول الغنية أن أمريكا وبريطانيا كانتا من ضمن الدول التي سجلت درجات منخفضة جدا في مجال ''الرفاه''.

عالم للنساء
ومن المؤكد تقريبا أن الاتجاه نحو زيادة عدد النساء العاملات سيستمر. ففي الاتحاد الأوروبي، شغلت النساء ستة ملايين وظيفة جديدة من أصل ثمانية ملايين تم إيجادها منذ عام 2000. وفي أمريكا، ثلاثة من أصل أربعة أشخاص طردوا من العمل منذ بدء الركود هم من الرجال؛ ويبلغ معدل توظيف الإناث 8.6 في المائة مقارنة بنسبة 11.2 في المائة للرجال. وتشير حسابات مكتب إحصاءات العمل إلى أن النساء يشكلن أكثر من ثلثي الموظفين في عشر فئات وظيفية من أصل 15 التي من المرجح أن تكون الأسرع نموا خلال السنوات القليلة المقبلة. وبحلول عام 2011، سيكون عدد النساء اللواتي يدرسن في الجامعات الأمريكية أكبر من عدد الرجال بمقدار 2.6 مليون. وستكون النساء أيضا هن المنتفعات من ''الحرب المستعرة على المواهب''. ويعني مزيج شيخوخة قوة العمل والاقتصاد الأكثر اعتمادا على المهارات أنه سيكون على الدول الاستفادة بشكل أفضل من سكانها من الإناث. وتشير حسابات Goldman Sachs أنه إذا كانت كل الأمور الأخرى متساوية، ستؤدي مشاركة النساء المتزايدة في سوق العمل نسبة إلى مستويات الذكور إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 21 في المائة في إيطاليا، و19 في المائة في إسبانيا، و16 في المائة في اليابان، و9 في المائة في أمريكا وفرنسا وألمانيا، و8 في المائة في بريطانيا.
وتبذل الشركات جهودا أكبر للتصدي لخسارة المواهب النسائية وصعوبة الجمع بين العمل ورعاية الأطفال. وبدأت بعض الشركات الممتازة بإعادة النظر في ممارسة الترقية التي تتبناها. فقد أنشأت شركة Addleshaw Goddard للمحاماة دور المدير القانوني كبديل للشراكات للنساء اللواتي يردن الجمع بين العمل والأمومة. وتكثف شركة Ernst & Young وغيرها من شركات المحاسبة جهودها للحفاظ على الاتصالات مع النساء اللواتي يأخذن إجازات للإنجاب ثم تسهل عودتهن للعمل.
وتنتشر أيضا بصورة متزايدة موضة العمل من المنزل. وتسمح أكثر من 90 في المائة من الشركات في ألمانيا والسويد بالعمل المرن. وبدأت أعداد متزايدة من الشركات تتعلم تقسيم أسبوع العمل بطرق جديدة- الحكم على الموظفين بناء على ساعات العمل السنوية بدلا من الأسبوعية، والسماح لهم بالعمل تسعة أيام في أسبوعين، والسماح لهم بالمجيء مبكرا أو متأخرا والسماح للأزواج والزوجات بتشارك الوظائف. ويعمل نحو نصف موظفي شركة Sun Microsystem من المنزل أو من مكاتب قريبة للأقمار الصناعية. وتسمح شركة Raytheon التي تصنع الأنظمة الصاروخية للموظفين بأخذ إجازة يوم الجمعة من كل أسبوعين لرعاية أعمال الأسرة، إذا عوضوا ساعات العمل هذه في أيام أخرى.
وقد بدأت الشركات حتى بإعادة النظر في هيكل الوظائف، حيث يعيش الناس اليوم ويعملون لفترة أطول. وشركة Barclays هي إحدى الشركات العديدة التي تسمح بأخذ إجازة غير مدفوعة الأجر لمدة خمس سنوات. وتقدم John Lewis إجازة لمدة ستة أشهر كل سبع سنوات للأشخاص الذي يعملون في الشركة منذ 25 عاما. وبدأت الشركات تسمح للناس بالتدرج في تقاعدهم. وهكذا، فإن سنوات الإنجاب ستشكل نسبة أقل من حياة العمل المحتملة للنساء.
ومن المرجح حدوث تغيير أسرع مع زيادة استفادة النساء من قوتهن الاقتصادية. فعديد من النساء الموهوبات يتركن العمل في الشركات ليؤسسن شركات تلبي احتياجاتهن على نحو أفضل. ففي العقد الماضي، زاد عدد الشركات الخاصة التي أسستها نساء في أمريكا بسرعة تزيد عن الضعف مقارنة بعدد الشركات المملوكة للرجال. وتوظف الشركات المملوكة للنساء عددا أكبر من الموظفين من أكبر 500 شركة مجتمعة. وطبقت شركة Eden McCallum and Axiom Legal نموذج شبكات في مختلف مجالات الاستشارات الإدارية والخدمات القانونية التي تقدمها ويعمل أعضاء الشبكات في الوقت الملائم بالنسبة لهم، وتستغل الشركات حجمهم لضمان أن يتم التعامل مع مشكلات العملاء على الفور.
وتحاول الحكومات أيضا التكيف مع العالم الجديد. فهناك في ألمانيا اليوم 1.600 مدرسة يمتد فيها الدوام المدرسي إلى منتصف الظهيرة. وتقدم بعض أكثر المدارس العامة المستقلة شعبية في أمريكا أيام دراسية أطول وإجازات صيفية أقصر.
ولكن حتى الآن، لم تحقق المبادرات من القطاعين العام والخاص تقدما كبيرا للتعامل مع هذه المشكلة. فأطفال الأمهات العاملات الأكثر فقرا هم الأقل احتمالا للاستفادة من الشركات التي تطبق سياسات صديقة للمرأة. ولا تزال ملايين الأسر تكافح بسبب عدم توافر ما يكفي من مرافق رعاية الأطفال وبسبب اليوم الدراسي الذي لا يتناسب مع أعمالهم. وسيكافح الغرب لمواجهة الآثار الاجتماعية المترتبة على التمكين الاقتصادي للمرأة لسنوات عديدة مقبلة

الأكثر قراءة