علامات متزايدة على اليأس
ما الذي يمكن لحكام إيران القساة فعله أكثر من ذلك لسحق خصومهم؟ منذ اندلاع الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد في حزيران (يونيو) الماضي بسبب النتائج المتنازع عليها للانتخابات الرئاسية، كان الفائز الرسمي، محمود أحمدي نجّاد، شرسا في مقاومتها. فقد اعتقلت أجهزته الأمنية وضربت الآلاف، وحاكمت عشرات المعارضين محاكمات غير نظامية، ولاحقت غيرهم في المنفى، وخنقت الصحافة، وشوشت موجات الأثير، إلا أن التظاهرات الصاخبة العنيفة التي اجتاحت العاصمة، طهران، وغيرها من المدن في السادس والعشرين والسابع والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) تشير إلى أن القمع يعمّق ويوسع نطاق المعارضة.
وقد أظهرت لقطات من الاحتجاجات تم تصويرها من الهواتف المحمولة وبثها على الإنترنت مشاهد فوضوية غير مسبوقة منذ ثورة عام 1979 التي أسقطت الشاه. فقد هاجمت حشود من الشباب، بمن فيهم كثير من النساء، وتغلبت أحيانا على فرق من شرطة مكافحة الشغب. ويبدو أن مثيري الشغب، ومعظمهم لا يرتدون أقنعة على عكس الاحتجاجات السابقة، هتفوا بكثير من الشعارات المعادية للمرشد الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي، ومعادية أيضا لأحمدي نجّاد. وأحرقوا سيارات الشرطة وأشعلوا النار في مركز شرطة واحد على الأقل. وردت عناصر الحكومة الذين يرتدون ثيابا مدنية بهجوم مماثل، حيث ضربت بالهراوات المتظاهرين العزل وأطلقت النار، على ما يبدو، على عديد منهم من مسافة قريبة.
وفي البداية، قال تلفزيون الدولة إن 15 شخصا لقوا مصرعهم، ولكن تم تخفيض هذا العدد إلى ثمانية لاحقا، بما في ذلك ابن شقيق مير حسين موسوي، رئيس الوزراء السابق الذي يعتقد على نطاق واسع أنه فاز في انتخابات حزيران (يونيو) الذي أصبح زعيم معارضة بارزا. وتقول بعض مصادر المعارضة إنه تم استهداف ابن شقيقه كتحذير لموسوي. وردت صحيفة Kayhan المتشددة على ذلك باتهام موسوي بتدبير إطلاق النار على ابن شقيقه.
وأثار العنف صدمة كبيرة لأن الاحتجاجات تزامنت مع ذكرى عاشوراء، وهو يوم مهم في التقويم الشيعي لإحياء ذكرى استشهاد الحسين، حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. واتهم أنصار الحكومة ومعارضوها بعضهم بعضا بتدنيس ذكرى الحسين، مما يعكس الاستقطاب الصارخ في إيران. واستولت قوات الأمن على المقابر في طهران واحتفظت بجثث بعض القتلى ومنعت دفنهم على الفور، كما تنص شعائر الإسلام، ما يعكس الخوف من توليد ''شهداء'' جدد ليكونوا وقودا للمزيد من الاحتجاجات.
وتقول وكالات الأنباء الحكومية إن الشرطة اعتقلت أكثر من ألف متظاهر خلال أعمال الشغب. وتم سجن عشرات الناشطين الآخرين في إطار التوسيع الهائل لحملة التطهير ضد الإصلاحيين التي بدأت في حزيران (يونيو). ومن بينهم بعض الأسماء البارزة، مثل إبراهيم يزدي البالغ من العمر 78 عاما، أول وزير خارجية للجمهورية الإسلامية الذي يترأس الآن حزبا ليبراليا محظورا، وكذلك عديد من الأقارب المباشرين لمنشقين بارزين، بمن فيهم شقيقة شيرين عبادي، محامية حقوق الإنسان الحائزة جائزة نوبل. وغالبا ما تم استخدام هذا التكتيك في إيران لتخويف أشخاص بارزين، دون إثارة المزيد من الغضب الشعبي عن طريق احتجازهم مباشرة. وامتنعت السلطات حتى الآن من اعتقال شخصيات مثل الموسوي نفسه، إلا أن موجة الاعتقالات الجديدة شملت كثيرا من أقاربهم المقربين.
وكما حدث في الماضي، يلوم المحافظون القوى الأجنبية ويتهمونها بإشعال الاحتجاجات. ولكن مع استمرار الاشتباكات على الرغم من عزلة إيران عن العالم الخارجي، لم يعد لهذه التهمة وزن كبير لدى الناس، بل على العكس، فإن تكتيكات الحكومة، بالإضافة إلى صمت خامنئي والتدخل الوحشي المتزايد للحرس الثوري، وفيلق النخبة العسكرية الذي يسيطر على أعضاء ميليشيا الباسيج بالثياب المدنية الذي يستخدم للسيطرة على الحشود، ربما تعكس الشعور المتنامي باليأس.
وهناك كثير من العلامات التي تدل على تلاشي شرعية النظام. ففي كانون الأول (ديسمبر) مثلا، أصدر رئيس البنك المركزي الإيراني تحذيرا شديد اللهجة أنه بدءا من الثامن من كانون الثاني (يناير) لن يقبل الأوراق المصرفية التي كتب عليها كلمات إضافية. وعمليا، يعني هذا إخراج ملايين الأوراق المصرفية من التداول، في أعقاب حملة صامتة شنها المعارضون لكتابة شعارات معادية للنظام عليها.
فرص جنائزية
وما يسبب إحراجا أكبر للنظام الذي يصف نفسه أنه إسلامي هو معاملة الحكومة لرجال الدين المعارضين، بمن فيهم بعض آيات الله البارزون. وأعلاهم مكانة هو آية الله العظمى حسين علي منتظري، وهو من المقربين للأب المؤسس للجمهورية الإسلامية، آية الله روح الله الخميني، الذي اختلف معه قبل وقت قصير من وفاته عام 1989. ويواصل منتظري، الذي وضع قيد الإقامة الجبرية منذ عشر سنوات، انتقاد الحكومة، حيث انحاز علنا مع الإصلاحيين بعد انتخابات حزيران (يونيو) المشوهة.
وعلى الرغم من عزلته، لا يزال منتظري يحظى بالشعبية، لذا كانت وفاته في الـ 20 من كانون الأول (ديسمبر) مناسبة أخرى للاحتجاج. وبدلا من المجازفة بتنظيم مظاهرات، ملأت الحكومة جنازته بعناصر من الباسيج وحظرت الشعائر التذكارية في أمكنة أخرى، ما أشعل الاشتباكات في عديد من المدن. وفي الآونة الأخيرة، طوقت قوات الباسيج منزلي اثنين آخرين من آيات الله المعارضين البارزين في محاولة صريحة لمنعهما من أن يصبحا محور الاحتجاج.
ولعل الأسوأ بالنسبة للحكومة الإيرانية هو أن مشكلاتها في الداخل شلت سياستها الخارجية، في وقت تواجه فيه ضغوطا متزايدة للحد من برنامجها النووي المثير للجدل. والدول الغربية التي أحجمت حتى الآن عن توجيه انتقادات قوية لسجل حقوق المتحدة، قد يبدأ حتى أحمدي نجّاد وخامنئي بالشعور بالخوف من أن تكون أيامهما في السلطة قد أصبحت معدودة